حجرتان وصالة الحياة على عتبة الموت
آخر تحديث GMT 05:31:11
المغرب اليوم -

"حجرتان وصالة" الحياة على عتبة الموت

المغرب اليوم -

المغرب اليوم -

القاهرة ـ وكالات

يصعب تصنيف العمل الأدبي الأخير الذي وضعه الكاتب المصري الراحل إبراهيم أصلان بعنوان "حجرتان وصالة" وصدرت ترجمته الفرنسية حديثا عن دار نشر "أكت سود" (سلسلة "سندباد"). ولعل هذه الصعوبة هي التي دفعت أصلان إلى تسهيل مهمة النقّاد بإضافة عبارة "متتالية عائلية" إلى عنوان الكتاب كمحاولة مبتكَرة لتصنيفه. ينقسم الكتاب إلى فصول عديدة يروي كل واحد منها مشهدا حياتيا عاديا لمسنٍّ يدعى "الأستاذ خليل" يعيش مع زوجته "إحسان" في شقة تتكون من حجرتين وصالة، بعدما مرّ عليهما عمرٌ طويل أنجبا فيه ولدَين وأشرفا على تربيتهما وتعليمهما، قبل أن يرحل الولدان إثر زواجهما فيفرغ بيت خليل وإحسان من الحياة. وتصبح حينئذ التفاصيل الصغيرة للغاية شغلهما الشاغل، وتنحصر حواراتهما القليلة والقصيرة بأمور المنزل اليومية.لكن سرعان ما تتوفّى إحسان فينتقل خليل للعيش في شقّته القديمة التي تتألف بدورها من حجرتان وصالة. ومع أن ولديه وجيرانه وعددا ضئيلا من أصدقائه القدامى لم يتخلوا عنه، لكنه لم يلبث أن يواجه برودة العزلة وألمها، ويبدأ في اجترار الذكريات والأحزان، وحده أو مع أصدقائه الذين شاخوا ويعانون الفراغ مثله. ويمكن قراءة هذا النصٌ الذي لا يتجاوز ١٢٠ صفحة كرواية نظرا إلى سرد الكاتب فيه قصّة واحدة، هي قصّة خليل قبل وفاة زوجته وبعدها. لكن استقلالية فصول الكتاب الثمانية والعشرين عن بعضها بعضا، وحمْل كل منها عنوانا مختلفا، وانعدام أي تتابع أو ترابط جلي بين الأحداث المسرودة فيها، يجعل من الكتاب أيضا كناية عن مجموعة قصص قصيرة جدا يُمكن قراءتها دون الترتيب الذي تحضر فيه.وفي حال أضفنا القرابة الشديدة بين شخصية خليل وأصلان -الاثنان اشتغلا في مركز البريد قبل أن يتوقفا عن العمل لأسباب صحية، وعاشا معظم سني عمرهما في حي إمبابة- لتبيّن لنا أيضا بُعد السيرة الذاتية الذي يتحلى به هذا النص.وفي الحقيقة، ينتمي كتاب أصلان إلى جميع هذه الأنواع الأدبية، وفي الوقت نفسه لا ينتمي إلى أي منها. والتصنيف هو مسألة لا تعني الكاتب بقدر ما تعني الناقد الذي يبحث دائما عن زاوية سهلة للإمساك بالعمل الأدبي الذي يقرؤه والتحدّث عنه. أكثر من ذلك، يشكل خروج الكاتب عن الأنواع الأدبية التقليدية إبداعا يفتح فيه لنا أفقا جديدا للكتابة، وهو ما أنجزه أصلان في هذا الكتاب على أكمل وجه.فقد ابتكر الكاتب في هذا النص الشكل الأنسب والأكثر فعاليّة لمعالجة موضوعه الرئيسي، أي الشيخوخة التي لا مفرّ منها. وفي هذا السياق جاءت فصول كتابه على شكل لقطات يومية تعكس استقلاليتها حالة تصدّع الزمن والضياع التي يعيشها الإنسان في نهاية عمره.وفي السياق نفسه، جاءت لغة أصلان بسيطة لا تغرق في البلاغة والمحسّنات اللفظية، وأقرب إلى العامّية دون ابتذال، وقادرة أكثر من غيرها -بفضل بساطة أسلوبها وانعدام التكلف فيها- على استحضار مناخ عالم الشيخوخة برتابته وفقدانه وهج الأمل في الغد والطموح.وفي النتيجة، يتمكن أصلان من إشعارنا من خلال وسائل شكلية وسردية مختلفة، بملل يجعلنا في أوّل الأمر نحكم سلبا على الكتاب قبل أن يتبيّن لنا أن الأمر مقصود، وغايته إيصال حالة الوحدة إلينا والفراغ الذي يتخبّط فيهما خليل داخل شقّته.حالة تجعله يتوهّم أشياء لا صحة لها تضفي نوعا من الطرافة على النص، كتوهّمه بأن إحدى ساقيه أكثر طولا من الأخرى، أو تساؤله لدى ملاحظة الفارق المتزايد في الطول بينه وبين ابنه، إن كانت قامته هي التي تقصر أم أن قامة ابنه هي التي تكبر، أو محاولته الاستفسار من صديقه الصيدلي عن جدوى الأشعّة المقطعية لمعالجة الشعور الغريب الذي يشعر به في رأسه ويجعله يفقد أحيانا توازنه.لكن جهد أصلان لا يقتصر على تجسيد واقع الشيخوخة الحزين وعوارضها، فنصّه ينم عن رقّة وإنسانية كبيرتين تتجليان في علاقة الألفة التي تجمع خليل بزوجته أو بمحيطه، كما ينمّ عن مهارات تقنية وكتابية مختلفة، كرسْم الكاتب البارع لشخصيّاته التي يستقيها من حي إمبابة الذي عاش فيه، وتصويره أزقّة هذا الحيّ وشوارعه بدقّة تجعلنا نتعرّف جيدا إليه ونتنقّل داخله.ولا يهمل أصلان سلوكيات أبناء مجتمعه ونفسيّاتهم وعاداتهم التي نستشفّها من تصرّفات ومواقف شخصياته، بدءا بخليل المرهَف وزوجته ذات الشخصية القوية الساخرة، مرورا بأصدقائه وأقاربه وجيرانه، وانتهاء بالبوّاب الخمول الذي يمضي وقته نائما ويتجنّب أي اتّصال بسكان العمارة التي يعمل فيها. وليست مصادفة أن تنتهي هذه "المتتالية" بقصّة تحمل عنوان "أوّل النهار"، وقبلها "آخر الليل"، فأصلان أراد بذلك الشهادة على إمكانية تجدّد الحياة، حتى على عتبة الموت، وبالتالي التعبير عن تفاؤل مؤثّر بالعالم والإنسان.

almaghribtoday
almaghribtoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حجرتان وصالة الحياة على عتبة الموت حجرتان وصالة الحياة على عتبة الموت



بلقيس بإطلالة جديدة جذّابة تجمع بين البساطة والفخامة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 08:24 2024 الخميس ,18 إبريل / نيسان

نصائح لاختيار العطر المثالي لمنزلكِ
المغرب اليوم - نصائح لاختيار العطر المثالي لمنزلكِ

GMT 00:24 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

دينا فؤاد تُعلن شرطها للعودة إلى السينما
المغرب اليوم - دينا فؤاد تُعلن شرطها للعودة إلى السينما

GMT 15:40 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 10:44 2022 الأربعاء ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ارتفاع طفيف لأسعار النفط قبل بيانات أمريكية

GMT 10:23 2022 السبت ,08 تشرين الأول / أكتوبر

المغرب يستورد مليون طن من القمح الفرنسي

GMT 14:29 2021 الأربعاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

عزيز أخنوش يشيد بأدوار البرلمانيات في حزب "الأحرار"

GMT 03:55 2019 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

الأرصاد المصرية تحذر من سقوط أمطار غزيرة خلال الفترة القادمة

GMT 17:35 2018 الجمعة ,26 تشرين الأول / أكتوبر

شركة نيسان تكشف عن "ماكسيما 2019" بتحديثات جديدة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib