الأبواق والتوت البري في نقد هيمنة المال
آخر تحديث GMT 17:55:58
المغرب اليوم -

"الأبواق والتوت البري" في نقد هيمنة المال

المغرب اليوم -

المغرب اليوم -

حين وقف المسرحي الإيطالي داريو فو عام 1997 ليتسلم جائزة نوبل، شكر لجنتها، وأفاض سخرية بمنح الجائزة العالمية الأرفع له باعتباره "مهرّجا" من قبيلة كبيرة من المهرجين "يشهّرون بالناس ويشتمونهم". تلك العبارة الساخرة ليست نشازا في مجمل إبداع نقدي طويل للكاتب الإيطالي لم يفارقه في آرائه ولا في منجزه المسرحي، ويصاحبه وهو المثقف الملتزم بقضايا التحرر والعدالة الاجتماعية، معبرا عنها بلغة تطفح سخرية.وفي آخر إصداراته المترجمة إلى العربية "الأبواق والتوت البري" الصادرة مؤخرا عن المجلس الوطني للآداب والفنون بالكويت، من ترجمة د. سامية دياب، يعود فو إلى زمن الثمانينيات بعد حادثة زلزلت إيطاليا عام  1978، وهي مقتل رئيس وزرائها آنذاك ألدو مورو على يد منظمة الألوية الحمراء.بيد أن ذلك الاستدعاء يبنيه على مفارقة (سؤال). فكيف سيكون بالمقابل رد الحكومة الإيطالية على اختطاف السيد "جياني أنيلي" مالك صناعة السيارات والشركة الشهيرة (فيات)، وصاحب الإمبراطورية الاقتصادية الهائلة؟ وهل ستتركه لأقداره وقد اختطفته عصابة إرهابية كما فعلت مع مورو؟ مقاربا ذلك في نص المسرحي يعاين جدل المال والسلطة. تنفتح ستارة الحكاية النص في فصل أول على إحدى المستشفيات، حيث تذهب السيدة "روزا" للتعرف على زوجها "أنطونيو" الذي تعرض لحادث، وضاعت ملامحه تماما، ليتم تركيب وجه أنطونيو للسيد (جياني أنيللي).الذي يظهر فيما بعد باسم شخصية "المزدوج".وفي لحظة يظهر أنطونيو (عامل شيوعي في شركة فيات) وعشيقته "لوتشينا" ليقدم هو الحكاية ويصححها، فهو ما زال حيا، وهو من أنقذ أنيلي، عندما تعرض لمحاولة اغتيال وقام بإلباسه سترته، حتى أنه ترك وثيقة انتمائه للحزب الشيوعي فيها.ويتحول للمفارقة إمبراطور الاقتصاد الإيطالي إلى عامل في شركته، حيث يسترد ذاكرته هناك، ويتعرف على معاناة عماله وكرههم له، ويصبح عضوا في نقابة العمال، في مشهد يقدم فيه فو مفارقة تحول الإنسان من يميني يستغل عرق الكادحين إلى مدافع عن حقوقهم. ويقرر "المزدوج" في لحظة ما أن يبعث برسائل الى الحكومة الإيطالية كتلك التي بعثها ألدو مورو وهو مختطف. وإذا كانت الحكومة قد رفضت في وقت ما مبادلة مورو بأفراد مسجونين من الألوية الحمراء، فإنها ترضخ في النهاية لطلبات أنيلي رغم أن طلبه كان مبادلته بضعف عدد السجناء الذي رغبت المنظمة مبادلتهم برئيس وزراء إيطاليا المخطوف.تلك مقاربة يقدمها فو الذي يستند إلى خلفية ماركسية بانتصار وهيمنة المال على السلطة، التي ترتبط بعلاقة مقدسة معه. وفي الحوارات التي تعج بها المسرحية استشهادات كثيرة بكتاب كارل ماركس "رأس المال"، كما تنتهي المسرحية على حركة إيمائية يشير بها أنيلي إلى أحد الضباط بإصبعه -كما في "لوحة الخلق" الشهيرة لمايكل أنجلو- قائلا "أنا خلقتك".من خلال لغة مكثفة ساخرة وناقدة، يقدم فو نصا مسرحيا يجمع بين عناصر المتعة والفكرة الجادة الباعثة على التأمل في الواقع  السياسي والاجتماعي، ويطرح بوضوح مواقفه السياسية الناقدة "لرأس المال المتوحش"، وما يرافقه من فساد شمل أجهزة القضاء والبوليس ومؤسسات الدولة الأخرى، معرجا على قضايا عالمية ومواقف شخصيات شهدتها تلك الحقبة (أوائل الثمانينيات)، لكن المواطن المستلب والمقهور، الذي جسده "أنطونيو"، يبقى جوهر الفكرة والعمل المسرحي. ويفيض الكاتب الإيطالي في نصه وحكايته المسرحية بلغته الساحرة والساخرة معا بكثير من شاعرية اللغة وتهكم وسخرية سوداء لا يمل منها المشاهدون، كما يفعل دائما في نصوص تتحول إلى مسرحيات وأخرى تبقى نصوصا كتابية من غير رؤية إخراجية.وفي معرض تقديمه لمسرحية فو يرى الناقد والأكاديمي د.أيمن الشيوي أن مصطلح الظاهرة بمعناه العلمي ينطبق على شخصية داريو فو باعتباره نوعا من الفنانين الذين لم يتكرروا كثيرا، فهو المؤلف والممثل والمخرج ومصمم الديكور والموسيقي ومصمم الاستعراضات، إضافة إلى كونه صاحب الفرقة وصاحب موقف اجتماعي وسياسي واضح.ويطرح فو بحسب الشيوي تساؤلا مهما حول وظيفة الفن ودور الفنان وعلاقته بالمجتمع الذي يعيش فيه، سواء المجتمع الصغير أي البلد الذي يعيش فيه، انطلاقا إلى مجتمع أوسع وأرحب وهو المجتمع الدولي أو العالم.وكان فو المولود عام 1926 في مقاطعة "لومبارديا" قد منع من دخول الولايات المتحدة الأميركية بين الأعوام 1980 و1984، لانتمائه لمنظمة تدعم السجناء. وإثر حصوله على نوبل عام 1997 واصل عمله المسرحي بعد وصول رئيس الوزراء الإيطالي سيلفو برلسكوني إلى الحكم، مقدما مسرحيتي "الملك أوبو يسقط الملك" و"دماغ غريب ذو شطرين".ومنحته جامعة ولفر هامتون البريطانية الدكتوراه الشرفية مع زوجته فرانكا لإسهاماتهما في المجال المسرحي، وهو ما فعلته أيضا جامعة السوربون الفرنسية عام 2005 وجامعة روما  عام 2006.

almaghribtoday
almaghribtoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأبواق والتوت البري في نقد هيمنة المال الأبواق والتوت البري في نقد هيمنة المال



نجوى كرم تتألق في إطلالات باللون الأحمر القوي

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 20:18 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

بنسعيد يبحث ملف الزليج المغربي بجنيف
المغرب اليوم - بنسعيد يبحث ملف الزليج المغربي بجنيف

GMT 10:02 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

عمرو يوسف يتحدث عن "شِقو" يكشف سراً عن كندة علوش
المغرب اليوم - عمرو يوسف يتحدث عن

GMT 11:01 2024 الثلاثاء ,27 شباط / فبراير

أبرز عيوب مولودة برج العذراء

GMT 12:26 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

"فولكس واغن" أبوظبي تُمدّد عروضها الرمضانية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib