دواعشهم ودواعشنا

دواعشهم ودواعشنا

المغرب اليوم -

دواعشهم ودواعشنا

فهمي هويدي

لا أجد فرقا كبيرا بين إحراق المستوطنين الإسرائيليين الطفل الفلسطينى على دوابشة، بعدما أضرموا النار يوم الخميس ٣٠/٧ فى بيت الأسرة بالضفة الغربية، وبين إقدام جماعة داعش على إحراق الضابط الأردنى معاذ الكساسبة فى الثالث من شهر يناير الماضى. بل أزعم أن الجريمة الأولى أفدح وأكثر جاسمة من الثانية، رغم أن إحراق الكساسبة أحدث دويا أكبر فى أنحاء الكرة الأرضية. ذلك أن جماعة داعش تعمدت إشهار الجريمة بتصوير مراحل الجريمة لإيصال رسالتها إلى الكافة. أما المستوطنون الذين أحرقوا جثمان الطفل الرضيع فإنهم ارتكبوا جريمتهم بعيدا عن الأعين، وأرادوا توجيه رسالتهم إلى الفلسطينيين بالدرجة الأولى. أعنى أن الجريمة واحدة فى الحالتين، وإن حدث الاختلاف بينهما فى «الإخراج» وفى العنوان الذى استهدفته كل منهما. وإذا ما دققنا فى تفاصيل وخلفيات تصرف الدواعش العرب والدواعش الصهاينة فسنجد أنهما يشتركان فى أشياء ويختلفان فى أشياء أخرى. جعلت جريمة قتل الطفل أخطر، ذلك أننى خلصت من المقارنة بينهما إلى ما يلى:

 هما يتفقان فى أن كلا منهما قادم من خارج التاريخ ويتبنى مشروعا يستهدف إيقاف عجلته وإعادته إلى الوراء. كما أنهما يتوسلان بالعنف لتحقيق ما يريدانه ولا يترددان فى إهدار حق الآخر فى الحياة. وكل منهما يستلهم المرجعية الدينية ويحتمى بها. فالدواعش العرب يتعلقون بحلم إعادة الخلافة، والدواعش الصهاينة يتعلقون بخرافة إعادة بناء هيكل سليمان الذى يزعمون أن النبى داوود وضع أساس بنائه ولكن ابنه سليمان هو من أنجز البناء فوق الهضبة المقام عليها الآن المسجد الأقصى وقبة الصخرة، ولا يغير من ذلك كثيرا أن يسعى الدواعش العرب إلى إحياء فكرة فى حين يتطلع نظراؤهم الصهاينة إلى إقامة بناية.

 فى الاختلاف بين الفصيلين والتدليل على ما يمثله دواعش الصهاينة من خطورة تتجاوز وصمة الدواعش العرب نلاحظ ما يلى:
ــ إن الدواعش الصهاينة بعبرون عن الوجه الحقيقى للمشروع الصهيونى، فى حين أن دواعش العرب يجسدون الوجه المزيف والمشوه للمشروع الإسلامى. ذلك أن ما يفعله المستوطنون الآن بحق الفلسطينيين العرب ليس أكثر من استنساخ لما فعله أسلافهم لإقامة دولة إسرائيل فى عام ١٩٤٨. وكل الجرائم التى ترتكب الآن لها أصلها فى ممارسات العصابات الصهيونية نحو الفلسطينيين قبل تأسيس الدولة وبعدها.
ــ إذا اعتبرنا أن الدواعش العرب يمثلون لحظة بائسة فى التاريخ العربى وصفحة سوداء فى سجلهم فإن الدواعش الصهاينة يشكلون حلقة فى مسيرة المشروع الصهيونى وفصلا له سياقه فى تاريخهم الدموى والوحشى، بالتالى فإذا كان الأولون استثناء فإن الآخرين قاعدة.
ــ رغم أن الطرفين يتوسلان بالعنف فى التعامل مع الآخرين ويتفقان على إهدار حق المخالفين فى الحياة، إلا أن الدواعش العرب يستهدفون إخضاع الآخر بصورة أو أخرى. أما دواعش الصهاينة فمشروعهم يقوم على إبادة الآخرين ومحوهم من الوجود، حيث كان ولايزال اقتلاع الفلسطينيين وإلغاؤهم هو حجر الأساس فى المشروع الصهيونى.
ــ دواعش العرب خارجون على الدولة وضد مشروعها. كما أنهم منبوذون من القاعدة العريضة من المجتمع إلا أن دواعش الصهيانة جزء من الدولة يتحركون فى حماية القانون وتحت رعاية الجيش، كما أنهم ينفذون مشروع الدولة فى التوسع واحتلال البيوت واقتلاع الزراعات وطرد الفلسطينيين. وفى ذات الوقت فهم محل قبول من المجتمع الذى يساندهم ويصوت لممثليهم فى الانتخابات.
ــ فى الوقت الذى تعلن فيه الحرب ضد دواعش العرب وتقصف طائرات الدول الكبرى مواقعهم، فإن دواعش الصهاينة يتحركون وهم مطمئنون إلى حماية الدولة وتسامح المجتمع الدولى معهم. ولذلك تتسع أنشطتهم ويزداد تغلغلهم فى المجتمع والجيش وتزداد مؤسساتهم قوة ونفوذا بمضى الوقت.
ــ فى حين يعد مشروع الدواعش العرب سحابة طارئة غير مرشحة للاستمرار ويستقوون بضعف الدولة فإن كان دواعش الصهاينة لهم وضعهم المستقر من الناحيتين السياسية والقانونية إلى جانب أنهم بمثابة هراوة الدولة الإسرائيلية وعينها الحمراء التى توظف لترهيب العرب وقمعهم.
ــ حجم الاستنفار والتعبئة المضادة موجه إلى الدواعش العرب بالدرجة الأولى، فى حين أن ممارسات الدواعش الصهاينة لم تعد تقابل بذات القدر من الاستنكار والاستهجان، أغلب الظن لأن انتهاكات الأخيرين مستمرة منذ احتلال فلسطين، الأمر الذى جعل كثيرين يعتادون عليها، وصار بعضهم يعتبرها سلوكا عاديا، آية ذلك أن الدكتور صائب عريقات كبير المفاوضين الفلسطينيين أعلن بعد ذيوع خبر إحراق الطفل على دوابشة أن المستوطنين منذ عام ٢٠٠٤ ارتكبوا ١١ ألف اعتداء على الفلسطينيين، ولايزالون يرتكبون جرائمهم دون أن يعترض طريقهم أحد.

لقد قرأت أن السيد محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية قرر رفع دعوى ضد إسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية، ولست متأكدا من أنه سيقدم حقا على هذه الخطوة لأن سوابقه فى هذا الصدد غير مشجعة أو مطمئنة كما أننى لست متأكدا من أن المحكمة المذكورة يمكن أن تنصف الفلسطينيين وتعاقب دواعش الصهاينة، لأننا تعلمنا من دروس كثيرة أن إسرائيل تعامل كدولة مدللة فوق الحساب والمساءلة. لكن الذى متأكد منه أن العرب إذا لم يكونوا قادرين على انتزاع حقوقهم ورد العدوان بأنفسهم فلن يقصفهم أحد، وسيظل دواعش الصهاينة السافرين والمقنعين هم أصحاب الكلمة العليا فى المنطقة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دواعشهم ودواعشنا دواعشهم ودواعشنا



GMT 02:13 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

نسور استراتيجية

GMT 02:12 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

من مونيكا إلى ستورمي

GMT 02:08 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

الذكاء الاصطناعي يتحدى إيمانويل كانط

GMT 02:04 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

زوجة واحدة لا تكفي!

GMT 02:01 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

تدليل أمريكي جديد لإسرائيل

GMT 01:57 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

«العيون السود»... وعيون أخرى!

GMT 01:52 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

إيران وإسرائيل والمسرحية.. والمتفرجون

GMT 01:48 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

الإمارات.. إدارة الأزمة بفعالية

نجوى كرم تتألق في إطلالات باللون الأحمر القوي

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 20:18 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

بنسعيد يبحث ملف الزليج المغربي بجنيف
المغرب اليوم - بنسعيد يبحث ملف الزليج المغربي بجنيف

GMT 10:02 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

عمرو يوسف يتحدث عن "شِقو" يكشف سراً عن كندة علوش
المغرب اليوم - عمرو يوسف يتحدث عن

GMT 18:14 2020 السبت ,11 تموز / يوليو

مخرج فيلم"ماد ماكس" يحطم قلب تشارليز ثيرون

GMT 04:24 2020 الأربعاء ,15 كانون الثاني / يناير

مقطع ويسلان بمكناس .. منعرج الموت يتربص بأرواح السائقين

GMT 08:29 2018 الخميس ,01 شباط / فبراير

عطر كارفن المصنوع من زهر البرتقال لطيف للرجال
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib