القدس عروس عروبتكم
أخر الأخبار

القدس عروس عروبتكم

المغرب اليوم -

القدس عروس عروبتكم

بقلم - توفيق بو عشرين

بدأ موسم الهدايا في البيت الأبيض قبل نهاية السنة.. دونالد ترامب تحول في إسرائيل إلى «بابا نويل»، يوزع هدايا عيد نهاية السنة على اليمين الإسرائيلي المتطرف، ولا يهمه أن يغضب العالم كله ليرضي حكومة نتنياهو، ويقدم على ما لم يقدم عليه غيره من الرؤساء الأمريكان: الاعتراف لإسرائيل بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، ونقل سفارة واشنطن إليها، وإطلاق رصاصة الرحمة على عملية السلام المتعثرة أصلا بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
بدأ يوم أمس الرصاص يخترق أجساد الشبان الفلسطينيين الذين خرجوا في الضفة الغربية يحتجون على قرار الإدارة الأمريكية نقل سفارتها إلى القدس، وتعالت صيحات الغضب من كل الأركان الأربعة للعالم، تقول لرجل واحد إنك أخطأت، إنك على الطريق السريع لإشعال الحرائق في كل مكان، لأن القدس أكبر من مدينة، وأكبر من جغرافيا، أو أكبر من أن تدخل في حسابات صغيرة لتاجر العقارات الذي وجد أن حبل المساءلة السياسية، وحتى القضائية، يقترب من عنقه في واشنطن، على صلات باتت شبه وثيقة بالروس الذين ساعدوه على الوصول إلى البيت الأبيض، فاختار الهروب إلى الأمام، وإشعال الحرائق من حول أمريكا في العالم العربي والإسلامي، حتى يبعد أنظار الرأي العام الداخلي عن فضائحه، وحتى يقرب أكثر اللوبي اليهودي إلى صفه.
ثلاثة عوامل شجعت الرئيس المتهور لأمريكا على إعطاء هذه الهدية لإسرائيل، أولها «الشتات العربي» الذي يضرب الدول العربية، التي أصبح بأسها بينها شديدا، وحروبها كلها بلغة الضاد.. حرب عربية باردة وساخنة في اليمن، وأخرى في سوريا، وثالثة في العراق، ورابعة في سيناء، وخامسة في لبنان، وسادسة في قطر، وسابقة في ليبيا… وهكذا مات الأمن القومي العربي، وماتت جامعة الدول العربية، وأخيرا التحق مجلس التعاون الخليجي بركب الإطارات الإقليمية التي وافتها المنية، وصار الظهر العربي مكشوفا ووزنه خفيفا.
السبب الثاني الذي شجع ترامب على نقل سفارة بلاده إلى القدس، وتحدي مشاعر أهل المنطقة، هو أن جل الأنظمة العربية لم تعد تعتبر إسرائيل هي العدو، بل بات عدوها الأول هو إيران، فلماذا نلوم ترامب على إعطاء هدية ثمينة لنتنياهو، إذا كانت السعودية والإمارات ومصر والأردن، وغيرها من الدول العربية، تعتبر العبري صديقا وحليفا، وتعتبر الفلسطيني مشروع إرهابي، أو، في أفضل الحالات، عبئا على النظام العربي الرسمي، الذي يريد أن يطبع مع إسرائيل، وأن يدمجها في محاوره الجديدة، التي ترى أن المظلة الأمريكية ضرورية لحماية الأنظمة العربية من شعوبها التي تتربص بها عند كل منعرج، فأقصر طريق إلى قلب أمريكا يمر من تل أبيب.
ثالث عامل حفز ترامب على كسر الخطوط الحمراء، وإشعال فتيل الغضب في العالم العربي والإسلامي، هو حاجة «العقيدة الدبلوماسية اليمينية» إلى بؤر توتر جديدة تسمح لأمريكا بالتدخل في شؤون الدول الأخرى. يقول هينري كيسنجر، في كتابه حول الدبلوماسية الأمريكية: «ليست وظيفة أمريكا أن تحل مشاكل العالم، لكن وظيفتها أن تمسك بخيوط مشاكل العالم، فهذا ما يعطيها القوة والمبرر للتدخل في كل المناطق الحساسة في العالم». هذه هي أمريكا، إذا استيقظت ولم تجد حروبا وتوترات وانقسامات ومشاكل فإنها تخلقها أو تنفخ فيها أو تشجعها… الذي يزور واشنطن يجد مئات المكاتب مفتوحة هناك لعدد كبير من الأحزاب المعارضة أو الحركات الانفصالية أو التيارات المناوئة لدولها من كل الأعراق والأجناس. مثلا، هناك مكتب اتصال خاص بالأقباط المصريين، وآخر للزنوج السودانيين، وثالث للبوليساريو الصحراويين، والأكراد العراقيين والسوريين والأتراك، وهناك مكتب للملكيين في إيران وأفغانستان الذين يطالبون بعودة الملكية بعد عقود من سقوطها، وهناك مكتب لمجاهدي خلق والأمازيغ المتطرفين، ولكل صاحب ملف أو قضية أو مطلب. كل هؤلاء يجدون مكانا في الساحة الأمريكية التي تحتفظ بالخطوط مفتوحة مع الجميع لتحريكها وقت الحاجة للضغط على أي نظام، سواء عبر وزارة الخارجية، أو عبر وكالة المخابرات الأمريكية، أو عبر البانتغون.
هل هناك مؤامرات تحاك للعالم العربي والإسلامي في أمريكا بالأمس واليوم؟ نعم الدرس الأول الذي يتعلمه طالب العلاقات الدولية أن «المؤامرات هي الخبز اليومي للسياسة الدولية»، فمادامت هناك مصالح وصراعات وسباق على النفوذ ونوايا للتدخل، فإن هناك مؤامرات علنية وخفية، هل هذه المؤامرات قدر لا مهرب منه؟ لا، نجاح أو فشل المؤامرات يتوقف على ذكاء وحكمة ومشروعية كل نظام لحماية سيادته، ومصالحه، وحدوده، وأمنه القومي، وعلاقته بشعبه.
ترامب جاهل بالسياسة الدولية، وبتعقيدات الشرق الأوسط، وهو إذ يقدم على خطوة من هذا القبيل، فإنه لا يقدم لإسرائيل سوى هدايا مسمومة، ولا يدفع بلاده إلا إلى مزيد من العزلة، مع زيادة في عدد أعدائها، مقابل ماذا؟ لا شيء تقريبا سوى تملق إسرائيل، التي يزداد كرهها في الشارع العربي، ومع هذا الكره يزداد الطلب على فكر المقاومة والنضال والممانعة، وعدم التطبيع مع هذا الكيان الذي يثبت كل يوم أنه غير قابل للعيش بسلام وسط شعوب المنطقة.
في قلب الإيديولوجيات التي تعاقبت على العالم العربي، ومازالت (القومية بنسختيها الناصرية والبعثية، والاشتراكية بكل طبعاتها، والإسلامية بكل ألوانها المعتدلة والمتطرفة، والليبرالية بأنواعها)، كانت القضية الفلسطينية قضية مركزية في هذه الإيديولوجيات، ومازالت شعوب المنطقة، إلى اليوم، تحاسب حكامها بناء على القرب أو البعد من فلسطين، رغم كل الانتكاسات والهزائم والنكبات، لأن فلسطين جرح والقدس اعتقاد، والاحتلال قضية إنسانية فوق كل الانتماءات، لنقرأ كل هذا في وجوه الغضب الشعبي… ألم يقل الشاعر العراقي الراحل مظفر نواب: “القدس عروس عروبتكم”؟

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القدس عروس عروبتكم القدس عروس عروبتكم



GMT 07:19 2023 الثلاثاء ,01 آب / أغسطس

شكراً لعدم قتل العالم

GMT 07:17 2023 الثلاثاء ,01 آب / أغسطس

«وثائق» عن بعض أمراء المؤمنين

GMT 07:05 2023 الثلاثاء ,01 آب / أغسطس

محمد السادس «مخزن» الوضوح السياسي

GMT 06:01 2023 الخميس ,09 شباط / فبراير

ليست لغزاً ولا يحزنون

GMT 05:59 2023 الخميس ,09 شباط / فبراير

الزلزال القادم

الملكة رانيا تُعيد ارتداء إطلالة بعد تسع سنوات تعكس ثقتها وأناقتها

عمّان - المغرب اليوم

GMT 21:52 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

أفكار مختلفة لأطقم ربيعية تناسب المحجبات
المغرب اليوم - أفكار مختلفة لأطقم ربيعية تناسب المحجبات

GMT 06:53 2024 الأحد ,14 كانون الثاني / يناير

توقعات الأبراج اليوم الأحد 14 يناير/ كانون الثاني 2024

GMT 10:53 2024 الجمعة ,23 شباط / فبراير

توقعات الأبراج اليوم الجمعة 23 فبراير / شباط 2024

GMT 09:56 2024 الخميس ,18 كانون الثاني / يناير

توقعات الأبراج اليوم الخميس 18 يناير/ كانون الثاني 2024

GMT 08:26 2023 الخميس ,04 أيار / مايو

شركة تويوتا تكشف عن بوس الرياضية الجديدة

GMT 05:05 2023 الأحد ,31 كانون الأول / ديسمبر

سعر الذهب في المغرب اليوم الأحد 31 ديسمبر/ كانون الأول 2023

GMT 10:08 2023 الخميس ,21 أيلول / سبتمبر

توقعات الأبراج اليوم الخميس 21 سبتمبر/أيلول 2023
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib