الصحراء المغربية… والأجواء الدولية المختلفة

الصحراء المغربية… والأجواء الدولية المختلفة

المغرب اليوم -

الصحراء المغربية… والأجواء الدولية المختلفة

بقلم : خيرالله خيرالله

لا يمكن إلّا الترحيب بقرار جبهة “بوليساريو” الانسحاب من منطقة الكركرات الساحلية الواقعة في الصحراء المغربية غير بعيد عن الحدود الموريتانية. يعكس مثل هذا القرار انصياعا لجوّ دولي عام وأوروبي على وجه التحديد. بات المجتمع الدولي يدرك أخيرا وبعد انتظار طويل أن غياب السيطرة على منطقة حسّاسة مثل الكركرات يشكّل تهديدا للمنطقة كلّها، وليس للساحل الصحراوي فقط. فالمنطقة التي انسحبت منها “بوليساريو”، بضغط من الأمم المتحدة، قريبة من جزر الكناري الإسبانية، ويمكن أن تشكل قاعدة للهجرة غير الشرعية إلى تلك الجزر ومصدرا للإرهاب كما الحال في كلّ منطقة من مناطق الساحل الأفريقي تغلغلت فيها “بوليساريو” وما شابهها من منظمات تستخدم من هذا الطرف أو ذاك في خدمة مشروع زعزعة الاستقرار الإقليمي.

لم تنسحب “بوليساريو” من الكركرات عن حسن نيّة، فهذه الجبهة التي ليست سوى أداة جزائرية تستخدم في شن حرب استنزاف على المغرب. إنها “جبهة” لا تمتلك حرّية قرارها بأي شكل. كل ما في الأمر، أن الجزائر وجدت أخيرا أن هناك أجواء دولية مختلفة لا تسمح بمغامرة من نوع التسلل إلى الكركرات، وإقامة وجود عسكري معاد للمغرب فيها.

يبقى السؤال في نهاية المطاف من يستفيد من هذا الوجود، المخالف للقانون الدولي، غير الشبكات التي تتعاطى أعمالا مثل تهريب المخدرات والبشر وخطف السيّاح الأجانب وتوفير أجواء لنشر الإرهاب المرتبطة بطريقة أو بأخرى بالفوضى السائدة في الساحل الصحراوي؟

أوحت الأجواء التي سادت جلسة مجلس الأمن خلال التمديد لقوة حفظ السلام في الصحراء المغربية (مينورسو) ببداية وعي لأهمّية إيجاد حل لقضية مفتعلة. تحدّثت الأمم المتحدة عن “دينامية وروح جديدتين” في ما يخص هذه القضية العالقة بين المغرب والجزائر، والتي بات عمرها يتجاوز الأربعين عاما. عاجلا أم آجلا، ستكون الأمم المتحدة أمام امتحان واضح كلّ الوضوح بعدما أبدى المغرب كلّ التعاون مع الأمم المتحدة، وكان سباقا لسحب قواته من الكركرات.

سيتبيّن ما إذا كانت “الدينامية والروحية الجديدتان” ستنسحبان على العقلية التي تتعاطى بها المنظمة الدولية مع هذه القضيّة التي تستغل من جانب عدد لا بأس به من الأطراف في لعبة تصفية حسابات مع المغرب. لعبت الإدارة الأميركية في عهد باراك أوباما دورا في غاية السلبية في هذا المجال. عبّر عن هذه السلبية الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون الذي انحاز بشكل فاضح للجزائر، رافضا التعرّف إلى المعطيات التي تحكّمت بقضية الصحراء، التي لا بدّ من التأكيد للمرّة الألف أنّها ليست سوى قضية مفتعلة. فعندما تتحدّث السلطات في الجزائر عن حق “تقرير المصير للشعب الصحراوي”، عليها أوّلا تحديد مفهومها للشعب الصحراوي، ولماذا لا توفّر لهذا الشعب “دولة مستقلّة” على أرضها ما دام الصحراويون موجودين على طول الشريط الممتد من موريتانيا إلى جنوب السودان المطلّ على البحر الأحمر.

تعاطى المغرب مع المستجدات التي طرأت على كلّ أفريقيا، وليس على قضية الصحراء فقط. لذلك عاد إلى الاتحاد الأفريقي وعزز وجوده في معظم دول القارة السمراء. لم تكن هناك حاجة إلى تصويت على عودة المملكة المغربية إلى الاتحاد الأفريقي في القمّة الأخيرة للدول الأعضاء في الاتحاد. في موازاة ذلك، قام الملك محمّد السادس بجولات عدة في أفريقيا، وصولا إلى مدغشقر لتكريس العلاقة العضوية الجديدة بين المغرب وأفريقيا. كانت كل خطوة مغربية مدروسة وتصبّ في تحقيق هدف واضح. من بين الأهداف المغربية المشاركة في الحرب على الإرهاب عن طريق التعريف بحقيقة الدين الإسلامي ومبادئه، بدل ترك الساحة للتطرّف والمتطرفين وللساعين إلى الاستثمار في كلّ ما من شأنه ضرب الاستقرار في هذه الدولة الأفريقية أو تلك.

بدأت أوروبا، لحسن الحظ، تستوعب مغزى التحرّك المغربي على الصعيد الأفريقي وأبعاده. ما بدأت تستوعبه دول مثل إسبانيا، على وجه التحديد، أن قضيّة الصحراء ليست سوى حجّة تستخدم لتفادي البحث في الأساسيات. والأساسيات تعني عدم الغرق في مسائل مستعصية من نوع الاستفتاء في الصحراء. والأساسيات تعني غياب الحاجة إلى البحث عن حلّ ما دام المغرب طرح مثل هذا الحلّ المتمثّل في الحكم الذاتي للولايات الصحراوية في إطار السيادة المغربية واللامركزية الموسعة على صعيد المملكة كلّها.

هناك أجواء جديدة في منطقة المغرب العربي وفي أفريقيا وليس على الصعيد الدولي فقط. أخطر ما في الأمر، وهو ما بدأ العالم يستوعبه، أن هناك قنبلة موقوتة اسمها ليبيا تهدّد دول الجوار، على رأسها تونس، كما تهدّد الأمن الأفريقي. كذلك، تهدّد ليبيا، التي تحوّلت إلى قاعدة لكل أنواع الإرهاب، أوروبا نظرا إلى مدى قربها من إيطاليا.

آن أوان النظر إلى قضية الصحراء من زاوية مختلفة كي لا تكون هناك عودة إلى الدوران في حلقة مغلقة عرف المغرب كيف تجاوزها وكسرها على كلّ صعيد، إن بطرحه مشروع الحكم الذاتي الموسّع للولايات الصحراوية، وإن بدخوله في شراكة مع دول القارة السمراء. لا حدود للمرونة المغربية عندما يتعلّق الأمر بإيجاد حلـول عمليـة تأخذ الـواقع في الاعتبـار. كان آخـر دليل على ذلك أن القوات المغربية رفضت أي مواجهة مع عناصر “بوليساريو” التي تمركزت في الكركرات بهدف واحد هو استفزاز المغرب…

لا مكان في المغرب للصغائر. هناك على العكس من ذلك خطوط عريضة لسياسة واضحة تصبّ في خدمة الحرب على الإرهاب. منذ صعوده إلى العرش قبل ثمانية عشر عاما، ينادي الملك محمّد السادس بـ“الحرب على الفقر”. مثل هذه الحرب جزء لا يتجزأ من الحرب على الإرهاب والتطرّف. ليس سرّا أن الخطة المغربية الهادفة إلى التخلص من المناطق العشوائية التي تحيط ببعض المدن الكبرى، وإيجاد سكن لائق لكل مواطن جزء لا يتجـزأ من “الحرب على الفقر”.

أدى المغرب المطلوب منه، ثمة حاجة إلى تحرك جدي للأمم المتحدة ولأمينها العام الجديد، أنطونيو غوتيريش، لنقل قضيّة الصحراء إلى فضاء مختلف. يعني ذلك أن توضع هذه القضية في إطارها الصحيح. والإطار الصحيح هو أنها قضية بين المغرب والجزائر التي تطمح إلى لعب دور القوّة الإقليمية المهيمنة، بدل أن يهتمّ النظام فيها بصرف الأموال المخصصة لـ“بوليساريو” على أبناء الشعب الجزائري المظلوم.

ليس بالهرب المستمرّ إلى الخارج، أي إلى استفزاز المغرب عن طريق أداة مثل “بوليساريو”، تستطيع الجزائر الخروج من الأزمة العميقة التي تمرّ فيها، وهي أزمة يمكن أن تكون لها انعكاسات في غاية الخطورة على منطقة شمال أفريقيا كلّها.

بعض التواضع ضروري بين حين وآخر. يقضي التواضع بالاعتراف بأنّ الحل النهائي لقضية الصحراء هو بين المغرب والجزائر. هذا هو إطار القضيّة كلّها، وكلّ ما تبقى هرب من واقع لا مفر من العودة إليه يوما مهما طال الزمن… وهذا ما بدأ يدركه المجتمع الدولي، على رأسه الولايات المتحدة، المصمّم على خوض الحرب على الإرهاب والتطرّف قبل فوات الأوان.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الصحراء المغربية… والأجواء الدولية المختلفة الصحراء المغربية… والأجواء الدولية المختلفة



GMT 20:00 2024 الثلاثاء ,19 آذار/ مارس

تحقيق مع مكرم رباح... مع الحقيقة والمنطق

GMT 21:17 2024 الإثنين ,11 آذار/ مارس

بين بايدن وترامب... وضع أميركي مخيف

GMT 03:10 2024 الجمعة ,16 شباط / فبراير

عالم من دون قيادات

GMT 19:38 2024 الجمعة ,09 شباط / فبراير

رفيق الحريري وثمن إنقاذ الجنوب!

GMT 02:25 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

نصائح لجعل المنزل أكثر راحة وهدوء
المغرب اليوم - نصائح لجعل المنزل أكثر راحة وهدوء

GMT 09:48 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

قافلة طبية جراحية تتدخل في إقليم ميدلت
المغرب اليوم - قافلة طبية جراحية تتدخل في إقليم ميدلت

GMT 06:26 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الثور الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 18:41 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

محمد صلاح يعادل رقماً تاريخياً في الدوري الإنكليزي

GMT 23:21 2021 الأحد ,05 أيلول / سبتمبر

أفضل فنادق شهر العسل في سويسرا 2021

GMT 01:18 2021 السبت ,24 تموز / يوليو

صارع دبا لمدة أسبوع وصدفة أنقذت حياته

GMT 04:34 2019 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

سلاف فواخرجي تنعي المخرج شوقي الماجري عبر "إنستغرام"

GMT 19:14 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

الآثار المصرية تنقل 4 قطع ضخمة إلى "المتحف الكبير"

GMT 17:46 2014 السبت ,14 حزيران / يونيو

"سابك" تنتج يوريا تزيد كفاءة محركات الديزل

GMT 15:11 2012 الخميس ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

البيئة النظيفة.. من حقوق المواطنة

GMT 19:42 2014 الثلاثاء ,26 آب / أغسطس

"إل جي" تكشف رسميًا عن هاتفها الذكي LG G3

GMT 04:38 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

مارغريت ريدلمان تُشير إلى أسباب الصداع الجنسي

GMT 15:33 2022 الأحد ,23 تشرين الأول / أكتوبر

طرق لإضفاء المساحة على غرفة الطعام وجعلها أكبر

GMT 15:10 2021 الإثنين ,11 تشرين الأول / أكتوبر

إطلالات أنيقة وراقية للنجمة هند صبري

GMT 11:44 2020 الإثنين ,26 تشرين الأول / أكتوبر

أفكار مذهلة لزينة طاولات زفاف من وحي الطبيعة

GMT 07:11 2018 الثلاثاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

3 نصائح للرجال لاختيار لون ربطة العنق المناسب
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib