أبعد من استقالة إنه مصير لبنان

أبعد من استقالة.. إنه مصير لبنان

المغرب اليوم -

أبعد من استقالة إنه مصير لبنان

بقلم - خيرالله خيرالله

انتقل لبنان من مرحلة الهرب من الفراغ الرئاسي، إلى مرحلة الخوف على الجمهورية ومؤسساتها، أو على ما بقي من هذه المؤسسات.

ليست استقالة سعد الحريري من موقع رئيس مجلس الوزراء في لبنان، وهذا يعني استقالة حكومته، مجرّد استقالة عادية. دخل لبنان نفقا مظلما نظرا إلى أن الاستقالة تطرح مصير لبنان وموقعه في الإقليم. هل لبنان بلد عربي أم لا؟ الثابت أنّ لبنان ما بعد استقالة سعد الحريري ليس كما لبنان قبل الاستقالة التي سبقتها تسوية أدت إلى وصول ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية في اليوم الأخير من تشرين الأوّل – أكتوبر 2016.

لم تعد هذه التسوية صالحة لسبب في غاية البساطة. يعود السبب إلى أن رئيس الجمهورية لم يكن قادرا، منذ وصوله إلى قصر بعبدا، على الوقوف على مسافة واحدة من كلّ الأطراف التي أوصلته إلى الرئاسة. تبيّن أن ميشال عون، على الرغم من كلّ ما لديه من نيات طيّبة، لا يستطيع إلا أن يكون مع “حزب الله” ومع أجندته الإيرانية.

وضع الوزراء المحسوبون عليه نفسهم في خدمة الحزب والسياسة الإيرانية التي أخذت في الأشهر القليلة الماضية توجّها أكثر عدائية في المنطقة في ظل عوامل عدة. أبرز هذه العوامل غياب الاستراتيجية الأميركية الواضحة في سوريا، والتي ترافقت مع تدهور في العلاقات بين واشنطن وموسكو من جهة، والتقارب الروسي – الإيراني على الأرض السورية من جهة أخرى.

كان لا مفرّ من الاستقالة بعد فشل التسوية وظهور أن رئيس الوزراء السنّي سعد الحريري، الذي قدم تنازلات كبيرة من أجل الحؤول دون استمرار الفراغ الرئاسي، لم يعد قادرا على تحمّل المزيد. تحوّل لبنان تدريجيا إلى ما يشبه قاعدة إيرانية وجرم يدور في الفلك الإيراني، خصوصا بعد فقدان رئاسة مجلس الوزراء ومجلس الوزراء نفسه أي سلطة على أيّ وزير. صار كلّ وزير يقوم بما يحلو للجماعة التي ينتمي إليها.

هناك وزراء يعتبرون أن زيارة دمشق وعقد لقاءات مع ممثلي النظام السوري أمر أكثر من عادي وطبيعي. صار وزير الخارجية جبران باسيل يسمح لنفسه بطلب موعد من وزير خارجية النظام السوري وليد المعلّم على هامش الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك بحجة البحث في قضية النازحين السوريين إلى لبنان وإعادتهم إلى بلدهم.

ظهر في ما بعد أن موضوع عودة النازحين آخر ما يهمّ النظام السوري وأنّ كل ما في الأمر هو أن باسيل يريد استرضاء “حزب الله” الذي يصرّ على إعادة العلاقات الطبيعية مع النظام السوري. هذا النظام المعزول عربيا والذي لم يتورّع في يوم من الأيّام عن تصدير كل أنواع الإرهاب إلى لبنان. يظلّ تفجير مسجديْ التقوى والسلام في مدينة طرابلس اللبنانية في صيف العام 2013 ثم كشف شبكة علي المملوك – ميشال سماحة خير دليل على ما يتمناه النظام السوري للبنان واللبنانيين، ولأهل السنّة والمسيحيين على وجه الخصوص.


تجاوزت المسألة العلاقة بالنظام السوري، المتهم بتغطية جريمة اغتيال رفيق الحريري في أقل تقدير، لتصل إلى النشاط الخارجي لـ“حزب الله” بصفة كونه أداة إيرانية تستخدم في العراق وسوريا واليمن على وجه التحديد. لم يعد سرّا عمق تورّط “حزب الله” في اليمن، وهو تورط عمره سنوات طويلة جدا، إلى أواخر تسعينات القرن الماضي. توّج هذا التورّط بإطلاق الصاروخ الباليستي في اتجاه مطار الملك خالد في الرياض. صار لبنان غير القادر على السيطرة على أراضيه بمثابة غرفة عمليات كبيرة لإيران.

بعد سنة من بداية عهد ميشال عون، سقطت التسوية التي أوصلته إلى رئاسة الجمهورية. هل سيكون في الإمكان الوصول إلى تسوية جديدة؟

المؤسف أن من الصعب التفاؤل بمثل هذه التسوية، لا لشيء سوى لأن إيران التي تعتبر نفسها “منتصرة” على حد تعبير كبار المسؤولين فيها، لا يمكن أن تقبل بوجود لبنان العربي الذي يراعي أوّل ما يراعي مصالحه. تشمل هذه المصالح اللبنانيين العاملين في دول الخليج والذي يصل عددهم إلى نحو نصف مليون مواطن.

انتقل لبنان من مرحلة الهرب من الفراغ الرئاسي، إلى مرحلة الخوف على الجمهورية ومؤسساتها، أو على ما بقي من هذه المؤسسات. بدأ كلّ شيء بإغلاق “حزب الله” مجلس النواب طوال سنتين وإجبار المجلس في نهاية المطاف على انتخاب ميشال عون رئيسا للجمهورية. تبيّن أن وضع عون لا يسمح له بالتزام ما وعد به سعد الحريري أو سمير جعجع رئيس “حزب القوات اللبنانية”.

ما الذي يمكن توقّعه من بلد أصبح فيه “حزب الله”، أي إيران، من يسمّي رئيس جمهوريته. أخطأ من كان يتوقع أصلا أن في الإمكان الوصول إلى تسـوية مع “حزب الله”. ستجري محاولات للوصول إلى تسوية جديدة، خصوصا أنّ هناك حدّا أدنى من الشـروط التي لم يعد سعد الحريري قـادرا على التنازل عنها. ثمة حاجة إلى معجزة من أجل بلوغ مثل هذه التسوية في ظروف معقّدة لم تشهد المنطقة مثيلا لها في تاريخها.

يبقى الأهمّ من ذلك كلّه أن عاصفة تقديم سعد الحريري استقالته من الرياض مرّت. انتقل رئيس الوزراء إلى باريس والتقى الرئيس إيمانويل ماكرون. هناك من أراد التلهّي بالقشور، أي بما إذا كان سعد الحريري تعرّض إلى ضغوط أم لا، أم إذا كان محتجزا في السعودية. تبيّن أن كل ذلك استهدف الهرب من الاستحقاق الأساسي المتمثّل في مضمون بيان الاستقالة. يختزل مضمون البيان الذي يشرح لماذا انهارت التسوية في لبنان، هذا إذا كانت هناك أصلا أسس لتسوية، عمق الأزمة اللبنانية وأبعادها.

سيأتي بعد أيّام، عندما يعود سعد الحريري إلى بيروت، وقت الكلام الجدّي. الكلام الجدّي مرتبط بمصير لبنان الذي يواجه للمرّة الأولى منذ استقلاله قبل أربعة وسبعين عاما ما إذا كان سيكون قادرا على المحافظة على علاقاته التاريخية بدول الخليج، في مقدمتها المملكة العربية السعودية.

يحصل ذلك في وقت تخوض دول الخليج العربي مواجهة مصيرية مع إيران. لا يستطيع لبنان دعم أشقائه في هذه المواجهة، وهذا كان واجبه، في ضوء ما تمارسه إيران من ضغوط عليه وبسبب الوجود المسلح لميليشيا “حزب الله” التي تهيمن على البلد. لكن هذا لا يعني انتفاء الحاجة إلى تفادي كارثة كبيرة يبدو البلد مقبلا عليها.

يمكن أن يساعده في ذلك بداية تبلور وعي شعبي بأن مصير البلد على المحكّ، وأن العقوبات الدولية والخليجية ليست مزحة وأن مصيره في هذه الحال لن يكون أفضل من مصير غزّة التي عاشت عشر سنوات كـ“إمارة إسلامية” في ظلّ رعاية إيرانية وفي ظل ممارسات “حماس” وسلاحها.

ماذا كان مصير غزّة التي اضطرت في نهاية المطاف إلى الاستسلام للواقع؟ هل ينجح اللبنانيون في منع إيران من استخدام بلدهم كما استخدمت غزة؟

هل هناك من يريد أن يتّعظ وأن يستوعب أن الموضوع أبعد كثيرا من استقالة حكومة. المطروح مصير بلد، لا أكثر ولا أقل، لن تنقذه سوى تسوية جديدة تبدو أكثر من صعبة، بل شبه مستحيلة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أبعد من استقالة إنه مصير لبنان أبعد من استقالة إنه مصير لبنان



GMT 07:19 2023 الثلاثاء ,01 آب / أغسطس

شكراً لعدم قتل العالم

GMT 07:17 2023 الثلاثاء ,01 آب / أغسطس

«وثائق» عن بعض أمراء المؤمنين

GMT 07:05 2023 الثلاثاء ,01 آب / أغسطس

محمد السادس «مخزن» الوضوح السياسي

GMT 06:01 2023 الخميس ,09 شباط / فبراير

ليست لغزاً ولا يحزنون

GMT 05:59 2023 الخميس ,09 شباط / فبراير

الزلزال القادم

بلقيس بإطلالة جديدة جذّابة تجمع بين البساطة والفخامة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 02:30 2022 الأحد ,02 تشرين الأول / أكتوبر

نصائح لاختيار تصميم مثالي ومميز للأريكة في غرف المعيشة

GMT 22:25 2021 الأربعاء ,08 أيلول / سبتمبر

دليلك ليستقبل طفلك الدراسة بحب ومن دون مشاكل

GMT 11:24 2020 الجمعة ,10 تموز / يوليو

أريكة متعدّدة الإستخدامات

GMT 09:17 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

النهج الديمقراطي يوضح موقفه من النموذج التنموي

GMT 05:36 2019 الجمعة ,15 آذار/ مارس

افتتاح مطعم " Clinton St. Baking" العالمي في دبي

GMT 18:48 2019 الإثنين ,07 كانون الثاني / يناير

ميسور يتعاقد مع المدرب المغربي عبد القادر يومير

GMT 01:42 2018 الإثنين ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

عائشة البصري تكشف معاناة النساء من خلال "الحياة من دوني"

GMT 20:37 2018 الأحد ,30 أيلول / سبتمبر

إصابة شرطي إثر إطلاق نار كثيف في الدار البيضاء

GMT 03:55 2018 الإثنين ,29 كانون الثاني / يناير

Altinbas تقدم أرقى التشكيلات للساعات والمجوهرات وخواتم الزفاف

GMT 20:59 2017 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

الاتحاد المغربي للملاكمة يكشف عن موعد جمعيته العمومية

GMT 04:14 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

جمبو يفوز بلقب بطولة فريق لبنان لإناث الجمباز

GMT 23:31 2014 الخميس ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

عرض الفيلم المغربي "فرونتيراس" في العاصمة الهولندية

GMT 15:10 2014 الإثنين ,27 تشرين الأول / أكتوبر

الإعلامية هند بومشمر تقدم اعتذارها للشعب المغربي

GMT 15:08 2016 الأحد ,25 كانون الأول / ديسمبر

نانسي عجرم تتألق بأربع فساتين بيضاء وتخطف الأنظار
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib