تراجع المشروع التوسعي الإيراني

تراجع المشروع التوسعي الإيراني

المغرب اليوم -

تراجع المشروع التوسعي الإيراني

بقلم - خيرالله خيرالله

تستطيع إيران أن تدمر ولا تستطيع أن تبني. لا يمكن لمشروعها إلا أن يكون في حال تراجع. لا لشيء سوى لأن ليس لديها ما تطرحه غير ثقافة الموت والشعارات والمزايدات.

خلافا للاعتقاد السائد لدى بعض الناس، وهو اعتقاد فحواه أن إيران انتصرت في سوريا، هناك واقع آخر على الأرض يتمثّل في أن إيران ساهمت في تدمير سوريا، وليس في إعادة الحياة إليها. إنها جزء من مشروع تفتيت سوريا ولا شيء آخر غير ذلك.

يشير الواقع على الأرض إلى أن أزمة إيران تتجاوز سوريا. إنها أزمة تراجع المشروع التوسّعي الإيراني الذي يسعى حاليا إلى استغلال الاستفتاء الذي أُجري في كردستان العراق لتحقيق انطلاقة جديدة له. كلّ ما في الأمر أن إيران تراهن على هذا الاستفتاء من أجل تبرير عودتها القوية إلى الإمساك أكثر بالعراق حيث لديها قاعدة ثابتة هي الميليشيات المذهبية المنضوية تحت شعار “الحشد الشعبي”.

هذه الميليشيات التي أرادت إيران تحويلها إلى مستقبل المنطقة، ومستقبل كلّ دولة عربية، صارت لعبة مكشوفة على الرغم من إضفاء حكومة حيدر العبادي صفة شرعية عليها. كانت الحكومة العراقية التي تعاني من الضغوط الإيرانية في وضع “مكره أخاك لا بطل” عندما قبلت بشرعنة مجلس النوّاب لـ“الحشد الشعبي” بحجة أنه وسيلة من وسائل مواجهة تنظيم “داعش”.

لم يكن تنظيم “داعش” الإرهابي في أيّ وقت سوى أداة من أدوات الأجهزة الإيرانية والسورية. استُخدم “داعش” من أجل تحقيق هدفين. الأوّل إظهار النظام السوري في مظهر من يحارب الإرهاب، علما أنه جزء لا يتجزّأ منه، والآخر إيجاد وظيفة لـ“الحشد الشعبي” كبديل من القوات النظامية العراقية، خصوصا الجيش العراقي. هذا ما يفسّر تقديم حكومة نوري المالكي، الذي كان تحت السيطرة الإيرانية كليا، مدينة الموصل على صحن من فضة إلى “داعش” في حزيران – يونيو 2014. حصل ذلك تماما كما قدّمت أميركا العراق إلى إيران هديّة في ربيع العام 2003، معطية إشارة عودة الحياة إلى المشروع التوسّعي الإيراني الذي يسعى حاليا إلى تجديد شبابه معتمدا على الاستفتاء الكردي وتفاعلاته في البلدان المجاورة للعراق.


ليس لدى إيران من نموذج تقدّمه للدول التي تطمح إلى جعلها تدور في فلكها سوى “الحرس الثوري” الذي تحوّل إلى بديل من الجيش الإيراني الذي لم يثق النظام به يوما وذلك منذ سقوط الشاه في العام 1979. من بين الأخطاء الضخمة التي ارتكبها صدّام حسين حين دخل في مواجهة شاملة مع إيران في العام 1980 توفيره فرصة للنظام الجديد الذي أسّسه آية الله الخميني من أجل إرسال الجيش إلى الجبهات وإبعاده عن المدن. كان الخميني يخشى الجيش، وقد وجد في الحرب التي شنها صدام والتي فعلت إيران كل شيء من أجل جرّه إليها، فرصة لا تفوت من أجل التخلص من الجيش وإحلال “الحرس الثوري” مكانه. كان الجيش يشكّل تهديدا للنظام الجديد، فيما “الحرس الثوري” أداة من أدوات هذا النظام، بل تعبير عن طموحاته التي تتلخّص بالإمساك بالسلطة و“تصدير الثورة”.

تعتبر كل الميليشيات التي أقامتها إيران في المنطقة نسخة عن “الحرس الثوري”. تعتبر إيران نجاح مشروعها الإقليمي مرتبطا بنشر نموذج “الحرس الثوري” في كلّ مكان. لذلك كان “حزب الله” الذي يعمل من أجل فرض إرادته على الدولة اللبنانية بعدما استطاع تغيير طبيعة المجتمع الشيعي في لبنان، في أكثريته طبعا. هناك عدد كبير من أبناء الطائفة ما زال يتصدّى للنموذج الذي يعمل الحزب، ومن خلفه إيران، على بنائه، كي تعمّ ثقافة الموت كلّ لبنان. على الرغم من ذلك كلّه، لا يزال لبنان يقاوم، ولا تزال ثقافة الحياة شعار معظم اللبنانيين.

لم تعمل إيران في سوريا سوى على نشر ميليشياتها المذهبية في كلّ مكان. شاركت النظام السوري في حملته على المدن الكبرى، وهي حملة تستهدف هذه المدن بصفة كونها مدنا سنّية أوّلا. وشاركت النظام أيضا في السعي إلى تغيير طبيعة دمشق على نحو جذري. هل مثل هذا المشروع القائم على فكرة التخلص من المدن السورية الكبرى، وتهجير أكبر عدد من السوريين مشروع قابل للحياة بأي شكل، أم أنّه مشروع حرب مستمرة تكلف مليارات الدولارات اضطرت خلالها إيران إلى الاستعانة بروسيا في مثل هذه الأيّام من العام 2015 كي لا تجتاح المعارضة الساحل السوري ودمشق نفسها؟

استغلت إيران الاستفتاء الكردي كي تستعيد المبادرة في العراق، خصوصا بعد إظهار رئيس الوزراء، والشخصيتين الشيعيتين مقتدى الصدر وعمّار الحكيم، نوعا من التذمرّ منها. عبّرت عن هذا التذمّر القنوات التي فتحتها بغداد مع دول عربية، على رأسها المملكـة العربية السعـودية. أعلنت إيران حالا من الاستنفار في وجه كردستان العراق، خصوصا بعدما احتفل أكرادها بإجراء الاستفتاء في ذلك الإقليم العراقي. الأكيد أنّ إيران لن تنتصر على الأكراد، بما في ذلك أكرادها. ليس تظاهر هؤلاء فرحا بما فعله أكراد العراق سوى دليل على أنها عجزت عن أن يكون نظام “الجمهورية الإسلامية” ضمانة لكل الإيرانيين، وأنه ليس سوى نظام قمعي لا مستقبل له. هل من يضمن أن يكون هناك “مرشد” جديد للجمهورية في حال غياب علي خامنئي؟

لن تنتصر إيران في سوريا، ولن تنتصر حتّى في اليمن حيث حاولت نقل تجربتها عبر الحوثيين، أي “أنصار الله”، الذين ليس لديهم ما يفعلونه حاليا غير التضييق على حليفهم الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي فقد حرية التحرك بأمان في صنعاء.

أزمة إيران تتجاوز سوريا. إنها أزمة تراجع المشروع التوسعي الإيراني الذي يسعى حاليا إلى استغلال الاستفتاء الذي أجري في كردستان العراق لتحقيق انطلاقة جديدة له
في النهاية، يحتاج مشروع توسّعي مثل ذلك الذي تنادي به إيران إلى أكثر من ميليشيات مذهبية تنشر البؤس وثقافة الموت في العراق وسوريا ولبنان واليمن. يحتاج إلى أكثر من تواطؤ أميركي، كما حصل في العراق بعد العام 2003 أو في أثناء التفاوض في شأن الملفّ النووي الإيراني. يحتاج إلى أكثر من التحالف مع روسيا كي يبقى بشّار الأسد في دمشق.

لا يمكن لدولة، مهما امتلك قادتها من دهاء وحقد على العرب، يعيش أكثر من نصف شعبها تحت خطّ الفقر تقديم نموذج والترويج له عن طريق الميليشيات. تستطيع إيران أن تدمّر ولا تستطيع أن تبني. لا يمكن لمشروعها إلا أن يكون في حال تراجع. لا لشيء سوى لأنّ ليس لديها ما تطرحه غير ثقافة الموت والشعارات والمزايدات. هل من دليل على الفشل الإيراني أكثر من الخطاب الأخير للأمين العام لـ“حزب الله” السيّد حسن نصرالله الذي قال فيه “أدعو اليهود إلى أن يغادروا فلسطين المحتلة إلى الدول التي جاؤوا منها، كي لا يكونوا وقودا في الحرب المقبلة، فقد لا يكون لهم الوقت الكافي للمغادرة”.

بعد هذا الكلام الذي لا يذكّر إلا بما كان يقوله أحمد الشقيري قبل حرب العام 1967 عن “رمي اليهود في البحر”، هل يجوز الكلام عن انتصار لإيران في أيّ مكان، بما في ذلك سوريا، باستثناء القدرة على الاستثمار في الميليشيات المذهبية؟ الجواب بكلّ بساطة أنّ الحديث الوحيد الممكن هو عن تراجع المشروع التوسّعي الإيراني الذي لم يعد لديه من مكان يعرض فيه عضلاته غير لبنان… لعلّ وعسى ينجح في تحويل البلد الصغير، عبر الانتخابات النيابية التي يصرّ حسن نصرالله عليها، إلى مستعمرة إيرانية قبل فوات الأوان.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تراجع المشروع التوسعي الإيراني تراجع المشروع التوسعي الإيراني



GMT 07:19 2023 الثلاثاء ,01 آب / أغسطس

شكراً لعدم قتل العالم

GMT 07:17 2023 الثلاثاء ,01 آب / أغسطس

«وثائق» عن بعض أمراء المؤمنين

GMT 07:05 2023 الثلاثاء ,01 آب / أغسطس

محمد السادس «مخزن» الوضوح السياسي

GMT 06:01 2023 الخميس ,09 شباط / فبراير

ليست لغزاً ولا يحزنون

GMT 05:59 2023 الخميس ,09 شباط / فبراير

الزلزال القادم

بلقيس بإطلالة جديدة جذّابة تجمع بين البساطة والفخامة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 02:30 2022 الأحد ,02 تشرين الأول / أكتوبر

نصائح لاختيار تصميم مثالي ومميز للأريكة في غرف المعيشة

GMT 22:25 2021 الأربعاء ,08 أيلول / سبتمبر

دليلك ليستقبل طفلك الدراسة بحب ومن دون مشاكل

GMT 11:24 2020 الجمعة ,10 تموز / يوليو

أريكة متعدّدة الإستخدامات

GMT 09:17 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

النهج الديمقراطي يوضح موقفه من النموذج التنموي

GMT 05:36 2019 الجمعة ,15 آذار/ مارس

افتتاح مطعم " Clinton St. Baking" العالمي في دبي

GMT 18:48 2019 الإثنين ,07 كانون الثاني / يناير

ميسور يتعاقد مع المدرب المغربي عبد القادر يومير

GMT 01:42 2018 الإثنين ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

عائشة البصري تكشف معاناة النساء من خلال "الحياة من دوني"

GMT 20:37 2018 الأحد ,30 أيلول / سبتمبر

إصابة شرطي إثر إطلاق نار كثيف في الدار البيضاء

GMT 03:55 2018 الإثنين ,29 كانون الثاني / يناير

Altinbas تقدم أرقى التشكيلات للساعات والمجوهرات وخواتم الزفاف

GMT 20:59 2017 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

الاتحاد المغربي للملاكمة يكشف عن موعد جمعيته العمومية

GMT 04:14 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

جمبو يفوز بلقب بطولة فريق لبنان لإناث الجمباز

GMT 23:31 2014 الخميس ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

عرض الفيلم المغربي "فرونتيراس" في العاصمة الهولندية

GMT 15:10 2014 الإثنين ,27 تشرين الأول / أكتوبر

الإعلامية هند بومشمر تقدم اعتذارها للشعب المغربي

GMT 15:08 2016 الأحد ,25 كانون الأول / ديسمبر

نانسي عجرم تتألق بأربع فساتين بيضاء وتخطف الأنظار
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib