الرئيسية » عالم الثقافة والفنون
الشاي الإنجليزي

لندن ـ المغرب اليوم

زيارة لندن لا تكتمل إلا بتذوق الشاي الإنجليزي على الطريقة التقليدية في أحد فنادق المدينة الراقية، الخيارات كثيرة، لأن العاصمة البريطانية لا تبخل على أهلها وزوارها بما تزخر به من تحف معمارية تتهامس الأسرار ما وراء جدران وقفت صامدة على مر السنين لتصبح أجمل وأرقى، وتحكي قصصاً كثيرة عاشها من واكب الفترة الباروكية والفيكتورية وغيرها، وقد تكون الحقبة الفيكتورية من بين أهم الريش التي رسمت بها معالم لندن الخالدة، ولا تزال هناك عدة تقاليد لم يتخلّ عنها البريطانيون تعود إلى تلك الحقبة، وعلى رأسها تقليد الشاي الإنجليزي الذي يقدم فترة بعد الظهر، وهذا التقليد تبنته نسبة كبيرة من المقاهي العصرية، ولكن وكما يقول المثل الشعبي «أعطَ خبزك للخباز...» وبمعنى آخر فلا يصح إلا الصحيح، ولا يتقن التقليد إلا من قدّمه بحذافيره، وبكل ما يستحق من تقدير.

تقليد الشاي الإنجليزي أو ما يعرف بـ«Afternoon Tea» بدأ في بريطانيا منذ أكثر من 150 عاماً، ولكن ما لا يعرفه كثيرون هو أن هذا التقليد بدأ يقدم للعموم في صالة «ذا بالم كورت» The Palm Court داخل فندق «ذا لانغهام» The Langham في شارع «ريجنتس ستريت» بوسط لندن.

فمن داخل هذه القاعة، بدأ تقديم الشاي الإنجليزي على أنغام الموسيقى منذ افتتاح الفندق عام 1865، عندما كان يتهافت مواكبو تلك الفترة الزمنية من الطبقة الفيكتورية المخملية بالمجيء إلى الفندق لتناول الشاي مع الحلوى والسندويتشات المنمقة لكسر تراتبية تناول الشاي في المنزل.

واستطاع الفندق المحافظة على جميع مفردات الحقبة الفيكتورية على الرغم من عملية الترميم والتجميل الرائعة التي خضع لها، فعند ولوجك إلى قاعة «ذا بالم كورت» تشعر بالهيبة، وكأنك تعبر الأزمان وتعود إلى الوراء وتمشي على خطى النبلاء والأرستقراطيين الذين كانوا يأتون يومياً إلى هذه القاعة للتسامر والغوص في مناقشات ساخنة، واليوم هذه القاعة بقيت على حالها مع اختلاف بسيط في المواضيع الساخنة التي تناقش فيها لأن «بريكست» هو الشغل الشاغل للبريطانيين والزوار على حد سواء، ولكن ولحسن الحظ فلن يؤثر القرار الأخير فيما إذا كانت بريطانيا ستعيش في عزلة عن باقي بلدان القارة العجوز أم لا، لأن المنتجات التي تستخدم في الشاي الإنجليزي من سندويتشات وحلوى ومربى كلها محلية الصنع وأصلية.

ما يجعل تجربة تناول الشاي الإنجليزي على أصوله هو الحفاظ على التفاصيل التقليدية القديمة، فلا بد من وجود عازف بيانو يأخذك إلى عام من السحر بنغمات تنسجها أصابعه الرشيقة، ولا بد أن يكون الديكور راقياً والقاعة أشبه بغرف القصور، ولا بد أن يكون المدخل ترجمة للرقي والغنى والأصالة، ومتى اجتمعت هذه الميزات فيكون الشاي ناجحاً، ولكن هذا النجاح تحدده نوعية المأكولات وطريقة تقديمها والسخاء.

وتدخل إلى «ذا بالم كورت» عبر بوابة من الحديد مزخرفة تخبئ وراءها عبق التاريخ المرصع بمفردات «الأرت ديكو» والمرايا والأسقف العالية، طاولات مستديرة تحوم حولها الكراسي الوثيرة وبالقرب من كل منها منصة حديدية تحتضن الأطباق الجميلة من تصميم شركة «ويدجوود» للبورسلين العريقة في بريطانيا، بنقشات الورود الملونة، وبالنسبة للشاي، فيأتي بعدة خيارات وأسعار، فسعر الشاي التقليدي العادي الذي يقتصر على أصناف الشاي وسندويتشات وحلوى سكونز مع المربى بسعر 49 جنيهاً إسترلينياً للشخص الواحد، ويزيد السعر مع ازدياد الأصناف التي تقدم، فوقع خيارنا على ما يعرف بالـ«هاي تي» High Tea، وهذا النوع من الشاي يكون بمثابة غداء وشاي ما بعد الظهر معاً، لأنه يقدم طبقاً رئيسياً إلى جانب الحلوى والسندويتشات، والأطباق التي تُقدم تختلف من موسم إلى آخر، لأن الطاهي يلتزم بما تقدمه الطبيعة في موسمها الأصلي، ولكن الطبق الذي أنصحكم بتذوقه في حال أردتم تجربة الشاي مع الطعام، وليس فقط السندويتشات والسكونز، جبن الموتزاريلا الإيطالي مع صلصة الحبق «بيستو»، وهذه الأجبان تُصنع في منطقة أكتون بشمال لندن على يد سيدة إيطالية، وتقوم بتصنيع كرات صغيرة من الجبن خصيصاً لفندق «ذا لانغهام»، ومن الأطباق اللذيذة الأخرى، «تونا تارتار»، أي سمك تونا غير مطهو مع صلصة لذيذة جداً يدخل فيها الزنجبيل والطبق الأخير هو عبارة عن قطعة «كيش» (عجين مطهو بالفرن ومحشو بالجبن والدجاج ويمكن تناوله على الطريقة النباتية أيضاً).

وتقليد الشاي الإنجليزي هو تجربة أكثر منه لملء البطون، ولهذا السبب أنصح دائماً بتناوله في مكان ذائع الصيت يتقن صنعه، ويقدمه في أجواء راقية جداً، لأن الرقي هو الصفة الملازمة لعيش هذه التجربة نسبة لتاريخ التقليد وقصته، حيث أن الشاي لا يكتمل إلا بتناول «Scone» طازجة، ولا تزال ساخنة مع وضع القشطة والمربى بداخلها والتلذذ بالمذاق الرائع، ونسيان مسألة السعرات الحرارية (الحياة قصيرة استمتعوا).

 

كلام في سرك

- كان سعر الشاي بعد الظهر الذي بدأ فندق «ذا لانغهام» بتقديمه في قاعة «ذا بالم كورت» بسعر سبعة بنسات ونصف البنس في عام 1865.

- الحلوى التي تُقدّم في «ذا بالم كورت» تعتمد على أفضل أنواع السكر التي يعمد الشيف المتخصص بالحلوى أندرو غرافيت لتكون صحية وخالية من الدسم، مع المحافظة على المذاق اللذيذ.

- «ذا بالم كورت» في فندق لانغهام الأفضل لتناول الشاي بعد الظهر لعام 2018 في استطلاع شمل أهم الفنادق اللندنية.

 

قصة الشاي الإنجليزي

- في بدايات القرن التاسع عشر ازداد معدل تناول الشاي في بريطانيا. ويقال إنه في خلال هذه الفترة، اشتكت الدوقة السابعة لبيدفورد «آنا» من «شعور بالنعاس» في فترة ما بعد الظهيرة. وفي هذا الوقت، كان من المعتاد أن يتناول الأفراد وجبتين فقط من الطعام خلال اليوم، وهما وجبتا الإفطار والعشاء في نحو الساعة 8 مساء. وكان الحل بالنسبة للدوقة يتمثل في تناول فنجان من الشاي وقطعة من الكيك التي تتناولها سراً في حجرة ملابسها في فترة ما بعد الظهيرة.

أقرأ أيضًا : كشف غموض وفاة علماء آثار بعد اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون

وبعد ذلك، كانت الدوقة تدعو الأصدقاء لمشاركتها في وجبتها الخفيفة في الغرف الخاصة بها في ووبرن ابي، وقد أصبح ذلك تقليداً صيفياً، حيث استمرّت الدوقة على ذلك عندما عادت إلى لندن، حيث كانت تقوم بإرسال بطاقات الدعوة إلى الأصدقاء، لتطلب منهم تناول «الشاي والسير بين الحقول».

وقد التقط أصحاب الطبقات الاجتماعية المخملية هذا التقليد الذي أصبح يحتل مكانة رفيعة حتى إنه قد انتقل إلى غرف الرسم الخاصة بهؤلاء. وبعد ذلك، حافظ معظم أفراد المجتمع الراقي على تناول بعض الوجبات الخفيفة في فترة ما بعد الظهيرة. وكانت الفنادق تقدم من آن إلى آخر «شاي آخر النهار». وكانت الطبقات الراقية تتناول شاي «أول النهار» و«ما بعد الظهيرة» في نحو الساعة الرابعة قبل التجول في حديقة «هايد بارك». وكانت الطبقات الفقيرة والمتوسطة تتناول «شاي آخر النهار» لاحقاً، في نحو الساعة الخامسة أو السادسة، بدلاً من العشاء.

قد يهمك ايضا :

إطلاق النار على رسام الغرافيتي في شوارع كولومبيا يشعل الغضب

شاب مصري يُخلِّد ذكرى المشاهير بـ "الغرافيتي" في شوارع كفر الشيخ

View on Almaghribtoday.net

أخبار ذات صلة

رئيس الحكومة المغربية يٌعطي انطلاقة فعاليات الدورة 29 للمعرض…
الشارقة أول ضيف شرف عربي في معرض سالونيك الدولي للكتاب في اليونان
انطلاق معرض الدوحة الدولي للكتاب في التاسع من مايو…
الكونسرفتوار الوطني يفوز بأربع جوائز من خمس في مسابقة…
الكشف عن تفاصيل مهرجان مالمو الدولي للعود والأغنية العربية…

اخر الاخبار

حادثة سير خطيرة تٌودي بحياة شاب مغربي بمقاطعة إيبولي…
نقابة العدل المغربية تٌلوح باضراب وطني بسبب مشروع النظام…
شرطة الحرس المدني الإسباني تٌلقي القبض علي مٌتهم بتهريب…
الأمن الوطني المغربي يٌعلن إحباط عملية لتهريب 586 كيلوغراما…

فن وموسيقى

حملة شرسة ضد سعد لمجرد ومطالب بمنعه من الغناء…
جولة عالمية للفنان كاظم الساهر في صيف 2024 ستضم…
أنغام تُحيي حفلاً بمهرجان موازين في المغرب بمشاركة كوكبة…
يسرا تتحدث عن تجربتها المختلفة في فيلم "شقو" وتُشيد…

أخبار النجوم

نجوى كرم تلتقي الجمهور في "موازين" بالمغرب بعد ألمانيا
تامر حسني يٌمازح هنا الزاهد وباسم سمرة ومحمد ثروت…
عبير صبري تٌعلّق على واقعة اعتداء سائق شركة نقل…
المطربة مروة نصر تتهم صناع أغنية روبي الجديدة بالسرقة

رياضة

كيليان مبابي ينتظر مٌوافقة باريس ويكشف قراره لـ ثنائي…
أندية الدوري الإنجليزي تطلب إلغاء تقنية حكم الفيديو المٌساعد…
الفيفا يعتمد 3 نسخ من كأس العرب في قطر…
مبابي يودع باريس سان جيرمان بخسارة قاسية أمام تولوز

صحة وتغذية

وزير الصحة المغربي يٌعطي انطلاقة خدمات ستة مراكز صحية…
الخبراء يختارون "التفاح" كأفضل فاكهة لتعزيز صحة القلب
نصائح غذائية لتقوية جهاز المناعة عن طريق تناول الأطعمة…
علماء بريطانيون يٌعلنون عن اكتشاف خصائص في الخلايا المناعية…

الأخبار الأكثر قراءة

جائزة محمد بن راشد للغة العربية تُسجل رقمًا قياسيًا…
بيع مخطوطة مصرية تمثل أقدم نسخة من الكتاب المقدس…
مصر ضيف شرف معرض أبوظبي للكتاب 2024 ونجيب محفوظ…
مساجد الطائف الأثرية تُحاكي التاريخ بعمارتها الإسلامية العريقة
وزارة الأوقاف المغربية تفرض على الحُجّاج توقيع التزام بعدم…