لندن ـ سليم كرم
بعد كل من تونس وموريتانيا ومؤخرا مصر، التي وقع معها الاتحاد الأوروبي اتفاقيات “شراكة شاملة” تعهد من خلالها بتقديم حزمة مساعدات مالية لمكافحة الهجرة غير النظامية، يبدو أن بروكسل تحضّر لتوقيع اتفاقية مماثلة مع المملكة المغربية، حسب ما أفادت به وسائل إعلام أوروبية نقلا عن مصادر مسؤولية من داخل التكتل الأوروبي.
في هذا الصدد، أوردت صحيفة “بوليتيكو” أنه “من المحتمل أن يتم توقيع اتفاق شبيه للاتفاق الموقع مع كل من مصر وموريتانيا وتركيا خلال الأشهر المقبلة”، على الرغم من الانتقادات الموجهة لهذه الاتفاقيات، خاصة وأنها ساهمت في إعادة توجيه المهاجرين نحو دول مجاورة، مشيرة إلى أن “الاتحاد الأوروبي عمل موازاة مع ذلك على زيادة الاعتمادات والموارد المخصصة للوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل (فرونتكس)”.
وتأتي هذه الاتفاقيات بعد أشهر قليلة من توصل الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق حول قواعد جديدة تروم تقاسم تكاليف استضافة اللاجئين بين الدول الأعضاء والحد من توافد المهاجرين غير النظاميين إلى الأراضي الأوروبية، إضافة إلى إقامة مراكز مغلقة على الحدود لتسريع إعادة الأشخاص الذين تم رفض طلبات لجوئهم، فيما أثار هذا الاتفاق بدوره انتقادات كبيرة من طرف عدد من المنظمات الحقوقية غير الحكومية.
ويرى خبراء أن هذه الاتفاقيات ليست إلا استمرارا للسياسية الأوروبية القائمة على البعد الأمني في تدبير هذا الملف، مبرزين أن المغرب طالما أكد عدم كفاية المقاربة الأمنية في معالجة هذه الظاهرة العالمية، إذ يرفض أن يلعب دور “دركي أوروبا” ويشدد على ضرورة معالجة الهجرة من منظورات أكثر شمولية وأكثر حوكمة مع إدراج البعد التنموي في أي معالجة لهذا الملف.
منظور شمولي واستراتيجية وطنية
في هذا الإطار، قال الحسين بكار السباعي، محام مهتم بقضايا الهجرة، إن “المغرب سبق أن أكد موقفه الثابت ورفضه لعب دور دركي الهجرة، بدليل أنه ما فتئ يطالب بأن أي تعامل مع الاتحاد الأوروبي بخصوص هذا الملف يجب ألّا ينحصر في السياسة الأمنية، بل لا بد من استلهام روح قمة فاليتا ومسلسل الرباط والشراكة الأورو-متوسطية وكذا المنتدى العالمي للهجرة والتنمية الذي يعالج قضية الهجرة من منظور شمولي”.
وأضاف السباعي، في تصريح، أن “هناك ثلاثة ممرات في البحر الأبيض المتوسط تعتبر مجالا نشطا للهجرة غير النظامية، والمغرب مع الجارة الإسبانية يوجدان بالممر الغربي الأكثر نشاطا، مع العلم أنه الممر الوحيد المحمي من محاولات الهجرة غير النظامية بحسب دراسة لوكالة فرونتكس”، مسجلا أن “هذا عامل جغرافي يفسر تركيز الاتحاد الأوروبي على المملكة المغربية للحد من تدفقات المهاجرين غير النظامين، مع إعادة التأكيد على ما اقترحه المغرب من ضرورة حوكمة الهجرة واحترام حقوق الإنسان كما جاء في ميثاق مراكش”.
ولفت المحامي المهتم بقضايا الهجرة إلى أن “الاتحاد الأوروبي، من خلال الآلية الأوروبية للجوار، يمول البرامج القائمة على الإدماج السوسيو-اقتصادي للمهاجرين وإدارة الحدود والحكامة في مجال الهجرة عبر دعم الاستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء، حيث عبأت المفوضية الأوروبية قرابة مليار يورو منذ 2014 لدعم المغرب في مساعدة المهاجرين جنوب الصحراء للعودة إلى بلدانهم الأصلية في إطار مبادرة مشتركة بين الاتحاد الأوروبي والمنظمة الدولية للهجرة لحماية وإعادة إدماج المهاجرين، إلى جانب مبادرات إنسانية واجتماعية مختلفة”.
وأشار المتحدث ذاته إلى ضرورة “مواصلة العمل على أساس مقاربة شاملة ومتضامنة ومتوازنة للتعامل مع قضايا الهجرة بمسؤولية مشتركة وتضامن نشط يهدف إلى تدبير أفضل لتدفقات الهجرة”، مشيرا في هذا الصدد إلى “عمل المرصد الإفريقي للهجرة، باعتباره أول هيئة للاتحاد الإفريقي تتخذ الرباط مقرا لها، الذي يؤكد أن المغرب اليوم أمام تجسيد النوايا من خلال الإجراءات وتنزيل استراتيجيات وسياسات قارية موحدة، على أساس القاعدة التي تربط الهجرة بالتنمية، بدل لعب دور الدركي الذي ترفضه المملكة”.
المقاربات نفسها وحد من التفاوتات
تفاعلا مع الموضوع ذاته، قال خالد مونة، أستاذ باحث في قضايا الهجرة واللجوء، إن “الاتفاقية التي يسعى الاتحاد الأوروبي إلى إبرامها مع المغرب على غرار تلك الموقعة مع مجموعة من الدول، خاصة المطلة منها على البحر الأبيض المتوسط، كتركيا ومصر، أو ما يسمى بدول العبور التي تعد المملكة واحدة منها، تروم إيجاد إجراءات وإرساء قواعد جديدة لتدبير ملف الهجرة”.
وأضاف مونة، في تصريح، أن “هذه الاتفاقيات في مجملها لا تخرج عن المسار السابق المعهود في السياسة الأوروبية الموجهة للهجرة، التي تعتمد بشكل أساسي على مقاربات أمنية وتشديد الرقابة على الحدود باستعمال كل الوسائل، بما في ذلك التكنولوجيات الحديثة، أو ضخ موارد بشرية في خطوط المراقبة، باعتباره حسب بروكسل الحل الأمثل للحد من تدفقات الهجرة إلى أوروبا”.
وشدد الباحث ذاته على أن “كل هذه المقاربات والخطوات التي يتخذها الاتحاد الأوروبي على هذا المستوى، لا تعدو كونها مجرد محاولة لمعالجة ظاهرة الهجرة على مستوى الظاهر دون الاهتمام بالجوهر والأسباب الحقيقة المفسرة لتنامي هذه الظاهرة”.
وخلص مونة إلى أن “معالجة هذه الظاهرة معالجة عملية وفعالة تقتضي أولا وقبل كل شيء الحد من التفاوتات الموجودة ما بين دول الشمال ودول الجنوب، هذه الأخيرة يُفترض أنها غنية بالموارد الطبيعية والطاقية ذات الأهمية الاستراتيجية، وكذا التخلي عن سياسة النهب التي تمارسها دول الشمال على اقتصاديات الدول الإفريقية”.
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
الاتحاد الأوروبي يوافق مؤقتا على تجديد تعليق رسوم الاستيراد والصادرات الأوكرانية