مراهقة زاحمت كبار الأدباء على جوائز عالمية في الآدب
آخر تحديث GMT 17:01:58
المغرب اليوم -

مراهقة زاحمت كبار الأدباء على جوائز عالمية في الآدب

المغرب اليوم -

المغرب اليوم - مراهقة زاحمت كبار الأدباء على جوائز عالمية في الآدب

باريس - المغرب اليوم

في العاشرة من عمرها، أهدتها والدتها آلة كاتبة بمناسبة رأس السنة الميلادية 1977، بعدها بسبع سنوات تنشر ماري نْدياي أولى رواياتها، تلك الفتاة الرقيقة الخجولة، ستدخل ميدان الأدب من بابه الواسع وسط جلبة غير عادية، والسبب أنها نشرت روايتها الأولى، وهي لا تزال مراهقة، في دار النشر الباريسية «مينوي". "مينوي» هي إحدى أشهر دور النشر التي ستحظى بعد أشهر قليلة بجائزة «نوبل» صحبة كلود سيمون، ولنعطي فكرة عما كانت تشكله دار النشر المذكورة تلك السنة، يكفي أن نتصور أن الطالبة بالسلك الثانوي، سوف تقابل في زقاق بيرنار- باليسي، أدباء، أمثال مارغريت دورا (جائزة غونكور 1984)، صامويل بيكت (جائزة نوبل 1969)، ناتالي ساروط، جاك دريدا، جون إيكينوز، جيل دولوز، ألان روب – غرييه. هكذا تتضح الصورة. هذه الكاتبة المراهقة هي ماري ندياي من أم فرنسية وأب سنغالي، تبناها الناشر الراحل جيروم لاندون صاحب دار «مينوي» الذي ما إن قرأ مسودة روايتها الأولى حتى ذهب لمقابلتها في مدرستها، بالتنسيق مع أمها، حاملا عقدا ينتظر توقيعها مع الدار الشهيرة. ظلت مع تلك الدار ونشرت عددا من رواياتها هناك، إلى أن استقطبتها دار «غاليمار» التي لا تقل شهرة عن سابقتها، حيث نشرت روايتها «ثلاث نساء قويّات» التي حازت من خلالها على الجائزة التي يحلم بها معظم الكتاب الفرنسيين. «ثلاث نساء قويّات»، حكاية يتقابل فيها مصير ثلاث شخصيات: نورا، فانتا، وغادي. ولا واحدة من أولائك النسوة، تقدمها ماري ندياي في وضعية مريحة. نورا في الأربعين، غادرت باريس، عائلتها وعملها كمحامية، لتقوم بزيارة أبيها في إفريقيا. ملاقاة أكثر من عسيرة بين الأب والبنت، سيتضح بعدها أنها ستصير، بالنسبة إلى هذه الأخيرة، اختبارا للحقيقة يهدِّد علاقتها الزوجية، علاقتها بابنتها، ذاكرتها، بل حتى صوابها وإذن حياتها برمتها. فانتا، تترك بلدَها السنغال لتلتحق بزوجها رودي بفرنسا. وها هي تصبح فريسة للضجر وتصير شاحبة ونحيلة بإحدى الضواحي الفرنسية مفتقدة للعطف والحنان، في حياة رتيبة، ضيقة، أو بالأحرى هكذا كان رودي يرى الأشياء، وفقط من خلال الصوت الداخلي لهذا الأخير، المفعم بالإحساس بالذنب، سيتسنى لنا التعرف على فانتا. أخيرا، هذه غادي، الشابة الأفريقية التي تضطر إلى الهجرة مكرهة بسبب قسوة ظروفها، فقد صارت أرملة تعاني العزلة واليأس. تنساق، صحبة مهاجرين سريين آخرين، في رحلة مأساوية لن تقودها إلى أي مكان، لكنها لن تعود. تتجلى عظمة ماري ندياي الفنية، في إقحامها في خضم الحكي، أعراضا (ظواهر، تحولات...) كتومة تتأجج شيئا فشيئا عبر كتاباتها، تلاعبها بقواعد الواقعية لتجعلها أكثر تعقيدا، أكثر شدة وتعتيما. قد يصل بها الأمر حتى إلى تغيير جوهرها، وهي تغوص كل مرة في سرد التمزقات والأغوار التي تشبه فوهات تسمح بولوج الحياة الداخلية الأكثر عمقا لتلك الشخصيات. ذلك المكان الدقيق عن الوصف للكائن، حيث يصبح علم النفس متجاوزا، ذلك المجال الحميم، الموحش، البدائي، العنيف، المسموم، حيث تنفطر الجروح الأصلية، وتفقص النبضات الضارية. هنا، في هذا البعد الخفي العصي عن الملامسة، من التجربة الإنسانية، تبحث دائما ماري ندياي. هناك تدعونا مرة أخرى، حيث يبدو على مر الصفحات أنها تُجرد شيئا فشيئا، حكيها من صبغته السريالية، دون أن تفقد مع ذلك شيئا من قوة إيحاءاتها، من سريتها، من حصانتها المنيعة. تجسد، تحت غطاء أسلوب مخملي ناعم، عارف ودقيق، دون أن ترفع من نبرته، في سهل ممتنع، رؤية غاية في القسط، ملموسة، وقورة ومؤلمة للبشرية المعذبة. وبرفقة عائلتها، غادرت ماري نْدياي باريس متجهة إلى برلين، لم يعلم بهجرتها إلا بعض المقربين، وظلت محتفظة بأسباب هجرتها البرلينية إلى أن فازت بالجائزة الكبرى، وكان لا بد أن تسألها وسائل الإعلام عن سر هجرتها تلك. حينها صرحت أن الثلاثية «إخاء، حرية، مساواة» التي تعلو واجهات المباني العامة في مدن وقرى فرنسا وسفاراتها، والتي جعلت من فرنسا بلد الحريات، أصبحت الآن في خبر كان. لقد سبقت ماري نْدياي كل الكتاب الآخرين في مغادرة فرنسا التي انتخبت نيكولا ساركوزي لرئاسة الجمهورية. قالت: «إن الأجواء في فرنسا تحت حكم ساركوزي أجواء بوليسية كريهة، وإن سياسته وسياسة وزرائه تجاه المهاجرين وحشية ومثيرة للغثيان»، لهذا كان عليها أن تهرب بعيدا عن هذه الأجواء. كانت ماري نْدياي تعرف مثل غيرها من المفكرين والكتَّاب أن فرنسا تنزلق بعيدا عن القيم والمُثُل الديمقراطية التي صنعت مجدها، لكنها كانت الأشجع في المغادرة وفي وصفها للحالة. صفاء ذهنها، نقاء سيرتها، صدق موقفها السياسي، عذوبة أدبها وخصوبة تعبيرها الروائي، حديث يطول ويستحق أن نضرب للقراء موعدا آخر لسبر أغواره.

almaghribtoday
almaghribtoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مراهقة زاحمت كبار الأدباء على جوائز عالمية في الآدب مراهقة زاحمت كبار الأدباء على جوائز عالمية في الآدب



نوال الزغبي تستعرض أناقتها بإطلالات ساحرة

بيروت - المغرب اليوم

GMT 09:51 2024 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

ألوان الطبيعة أبرز اتجاهات الديكور هذا الربيع
المغرب اليوم - ألوان الطبيعة أبرز اتجاهات الديكور هذا الربيع

GMT 00:36 2024 السبت ,06 إبريل / نيسان

يوفنتوس يكشف عنصرية جماهير لاتسيو ضد ماكيني
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib