الثقافة السودانية تزداد قتامة
آخر تحديث GMT 11:08:52
المغرب اليوم -

الثقافة السودانية تزداد قتامة

المغرب اليوم -

المغرب اليوم - الثقافة السودانية تزداد قتامة

الخرطوم - المغرب اليوم

دأبت الحركة الثقافية السودانية على طرح مبادرات طموحة، بين حينٍ وآخر، من دون أن تثمرَ شيئاً ملمومساً على أرض الواقع. مشكلة هذه المبادرات التي يطرحها العقل الثقافي السوداني، أنها لا تستمر طويلاً وسرعان ما تختفي في أدراج النسيان، مُخلِّفة الكثير من الحسرات فى نفوس المبادرين إليها من الكُتَّاب والمثقفين. على مدى عقودٍ من الزمن، طُرحت تصورات ورؤى مبتكرة للنهوض بالحياة الثقافية في السودان، والخروج بها من محليتها الضيِّقة إلى آفاق أرحب على المستويين الإقليمي والدولي. علاوة على مبادرات أخرى، منها ما يتعلّق بنشر الكتب، ومنها ما يختصُّ بتعميم المكتبات العامة، ومنها ما يعمل على تقوية البنية التحتية للحراك الثقافي. ولكن، ما أكثر المبادرات الثقافية الشجاعة التي ذهبت أدراج النسيان بعد فترة وجيزة من طرحها، وما أكثر المشاريع الأدبيّة والفكرية التي التفَّ حولها الناسُ زماناً وما لبثت أن ذهبت أدراج الرياح بعد سنوات قليلة. وما أكثر المقترحات الطموحة التي جاءت في وقتها، لتُخاطب راهناً، وداعبت الأفئدة والعقول بالأحلام المشروعة على آفاق الاحتمالات الواعدة، وما إن استقرت قليلاً حتى ذهبت من دون أن ينعاها أحد أو يشيّعها الناس إلى مثواها الأخير. أتخيل أنّ الكثير من الأسئلة تدور في أذهان الناشطين والمهتمين في الشأن الثقافي السوداني. أسئلة شائكة تحاول العثور على أجوبة محددة. ما هي مشكلة المشروعات التي يطرحها الذهن الثقافي السوداني؟ وأين يكمن الخلل في هذه المسألة؟ وإلى متى سنظلّ نعيش في وسط ثقافي في ظلّ غياب مشروعات طموحة يمكن أن تتحقق في الواقع وتطرح ثمارها للناس؟ هل سنظلّ طويلاً أسرى لحالة الاستهلاك اليومي التي نمارسها بصورة رتيبة من دون أفق واعد؟ على غرار هذه الأسئلة، يمكن أن نذهب بعيداً إلى ما لا نهاية، من دون أن نصل إلى نتيجة واضحة. ولكن، فلنعُد إلى البداية مرّة أخرى لنكرّر الحديث حول المبادرات الثقافية الطموحة التي وُئِدت في مهدها. ومن بينها مبادرة كان قد طرحها القاص بشرى الفاضل قبل أكثر من عقد على شبكة الإنترنت تهدف إلى تكوين دار نشر ثقافية كبرى من طريق جمع مساهمات الكُتّاب والمبدعين المقيمين في مهاجرهم الأوروبية والأميركية. وكان أن التفَّ المبدعون حول هذه المبادرة، وكتبوا كلاماً كثيراً على شبكة الإنترنت حول ضرورة وجود مثل هذه الدار، وأهميتها في إيصال الكتاب السوداني إلى العالم الخارجي عبر الطباعة المتقنة والترجمة الجيدة. ولكن، أين هي هذه المبادرة وإلى أين ذهبت تلك الأقوال الجذابة والبرَّاقة التي ساندت الفكرة ودعمتها ووقفت معها؟ من جهةٍ أخرى، ثمة الكثير من الكيانات الثقافية والفنية التي كانت ملء السمع والبصر، لكنّها ذهبت أدراج النسيان، شأنها شأن أيِّ مشروع ثقافي سوداني آخر. كيانات من لدن: جماعة أباد ماك الأدبية التي ظهرت في ستينات القرن المنصرم، رابطة مدينة سنار الأدبية، الجزيرة للآداب والفنون، جماعة كردفان الأدبية، جماعة السديم المسرحية، جماعة تجاوز الثقافية، جماعة النفير المسرحية، ندوة الجندول، مجلة فصول الثقافية، مجلة الخرطوم والثقافة السودانية... قائمة من المشاريع الطموحة لا تُحصى و كان يعوَّل عليها الكثير في طرح الأفكار الشجاعة والمبادرات الواعدة في إذكاء الذهن الإبداعي والثقافي في السودان. قد تبدو الصورة قاتمة من هذه الوجهة. ولكن، للمسألة مبرّرات موضوعية بطبيعة الحال. فالنظام الحاكم في الخرطوم، بطبيعته الآيدولوجية الصرفة، كان وما زال ضد أيِّ مشروع ثقافي تنويري حقيقي. على هذا الأساس أعمَلَ النظام معوله هدماً في البنى الثقافية، سواء كانت مؤسسات رسمية أو أهلية. ولم يقف فعل الهدم الجزاف عند هذا الحد، بل شرَّد الكتاب والفنانين الذين فرّوا إلى المنافي البعيدة بعد أن انقطعت مصادر رزقهم داخل البلاد، وحاول من ثمّ تجيير الفعل الثقافي كله لمصلحته، محوِّلاً الأغنية إلى أنشودة سياسية، والقصيدة إلى «جلالة» (أهزوجة) حربية، والتلفزيون الرسمي ثكنة عسكرية يسرح فيها الجنود المدججون بالسلاح ويمرحون. تتبدّى خصومة الدولة للثقافة أكثر ما تتبدى في المظهر العام لمدينة الخرطوم، حيث تفتقد المدينة أيّ لمسة جمالية، على رغم وفرة الفنانين التشكيليين الذين لا يمضي يوم إلّا ويُقيمون معرضاً فنياً في قاعة أحد المراكز الثقافية الأجنبية. تحوّلت الخرطوم خلال العقدين الماضيين إلى مدينة إسمنتية تنهض فيها المباني الشامخة يوماً بعد يوم، من دون أن تفسح مجالاً لأيِّ بُعد فني أو جمالي يشير إلى هويتها الثقافية والحضارية. بهذا الفعل المتعمّد والهدم المؤسس لأبنية الفعل الثقافي، تحول النشاط الثقافي، سواء فى العاصمة أو في المدن الأخرى، إلى شيء بائس وفقير يفتقر إلى أبسط بدهيات قيام فعل ثقافي مؤثّر. وعلى رغم ذلك، فإنّ ثمة اجتهادات هنا وهناك لجهات وكيانات ومؤسسات ثقافية، تحاول أن تنتج فعلاً ثقافياً جاداً بعيداً من سطوة النظام، في ظروفٍ قاسية ومتعبة. ولأنّ المثقف دائماً محكومٌ بالأمل، فإنّ ثمّة إشارات تبرزُ بين حينٍ وآخر، في الساحة الثقافية السودانية، وهي تنبئُ بأن الثقافة قد تخرج من النفق.

almaghribtoday
almaghribtoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الثقافة السودانية تزداد قتامة الثقافة السودانية تزداد قتامة



بلقيس بإطلالة جديدة جذّابة تجمع بين البساطة والفخامة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 00:24 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

دينا فؤاد تُعلن شرطها للعودة إلى السينما
المغرب اليوم - دينا فؤاد تُعلن شرطها للعودة إلى السينما

GMT 15:40 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 10:44 2022 الأربعاء ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ارتفاع طفيف لأسعار النفط قبل بيانات أمريكية

GMT 10:23 2022 السبت ,08 تشرين الأول / أكتوبر

المغرب يستورد مليون طن من القمح الفرنسي

GMT 14:29 2021 الأربعاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

عزيز أخنوش يشيد بأدوار البرلمانيات في حزب "الأحرار"

GMT 03:55 2019 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

الأرصاد المصرية تحذر من سقوط أمطار غزيرة خلال الفترة القادمة

GMT 17:35 2018 الجمعة ,26 تشرين الأول / أكتوبر

شركة نيسان تكشف عن "ماكسيما 2019" بتحديثات جديدة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib