ورقة صفراء

ورقة صفراء

المغرب اليوم -

ورقة صفراء

بقلم - توفيق بو عشرين

لم تمنعهم الحرارة ولا الصيام ولا الدعاية المضادة ولا البعد عن الرباط من النزول إلى الشارع بالآلاف، شبابا وشيوخا نساء ورجالا، عربا وأمازيغا لرفع الصوت في وجه الدولة وقول لا للحگرة، لا لمحاكمة شباب حراك الريف، لا لاعتقال الزفزافي ورفاقه، لا للمقاربة الأمنية، لا لحكومة العثماني، لا للمخزن واختياراته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، لا للمساس بحرية الاحتجاج والتظاهر السلمي، لا للعياشة والبلطجية الذين يناهضون حرية الشعب في التعبير عن غضبه وعن فقره وعن تهميشه وعن إخراجه من المعادلة السياسية…

هذه هي مطالب المسيرة الضخمة التي حملها أكثر من 150 ألف مغربية ومغربي حجوا من كل فج عميق، أمس، إلى شارع محمد الخامس للتعبير عن تضامنهم مع حراك الريف، ولتوجيه بطاقة صفراء إلى الدولة في شهر الصيام والقيام…

(حريرتكم حريرة)، هذه جملة كتبها مواطن فوق لافتة وحملها من طنجة إلى الرباط ليعبر بطريقة تلقائية عن رأيه فيما يجري بالمملكة. مواطن آخر حمل لافتة أخرى مكتوب عليها (المغرب ياجوهرة تعدو عليك الشفارة). مواطن ثالث كتب كلمتين خفيفتين على اللسان ثقيلتان في ميزان السياسة (لا للمخزن). مواطنة أخرى حملت ورقة بيضاء مكتوب عليها (حگورتونا). أما آخرون، فقد صرخوا بأعلى صوتهم أمام البرلمان مطالبين بإسقاط الفساد، وإقالة الحكومة، وحل البرلمان، وإطلاق سراح الزفزافي، والرجوع إلى جادة الصواب، في مشهد قل نظيره في كل التظاهرات التي خرجت إلى الشارع في السنوات الأخيرة للمطالبة بالإصلاح الذي بات يتيما بلا أب ولا أم…

كما اجتمعوا تفرقوا بدون عنف، ولا فوضى، ولا اعتداء على الممتلكات، ولا حتى شعارات مستفزة للنظام… لقد تعلم المواطنون المغاربة كيف يوجهون رسائلهم السياسية لمن يهمهم الأمر وتعلموا دروسا كثيرة في الشارع، أولها السلمية والحضارية، حيث لم تشهد التظاهرة على ضخامتها وعفويتها أي انزلاقات ضد رجال الأمن الذين كانوا موزعين على جنبات الطريق، دون استفزاز من الطرفين. ثاني درس تعلمه المغاربة أن يتعايشوا رغم اختلافهم تحت راية النضال السلمي للمطالبة بالعيش الكريم، في ظل بلد حر ديمقراطي تعددي. لقد شارك في تظاهرة الأحد الإسلامييون بكل ألوانهم تتقدمهم جماعة العدل والإحسان، واليساريون والعلمانيون والليبراليون والأمازيغيون وعموم المواطنين الذين لا يحملون أي يافطة إيديولوجية، لكنهم مجمعون على أن البلاد بحاجة إلى التغيير، والسلطة بحاجة إلى تنبيه، والنخبة محتاجة إلى وخز بالإبر، عل ضميرها المخدر يستعيد بعضا من وعيه…

الآن، لم يعد حراك الريف معزولا في جغرافية الحرف الأمازيغي، ولم يعد الزفزافي ورفاقه مجرد متمردين على سلطة الدولة، ولم يعد دفتر مطالب الريف منحصرا في مطالب جهوية، صارت القضية وطنية، وصارت لِهبّة الريف أصداء في كل المغرب النافع وغير النافع، وهذا ما كنا قد نبهنا إليه على مدار شهر كامل ومن أن بقعة الزيت تتمدد، ومن أن القوس الذي أقفل في أبريل الماضي بالانقلاب الناعم على نتائج انتخابات أكتوبر، لن يمر مرور الكرام، وأن الرأي العام الذي شعر بالخديعة سيرد، وأن حكومة العثماني لم تقنع أحدا، وأن الأغلبية الحالية لا تمثل شيئا، وأن كل الألاعيب التي جرت ستدفع السلطة ثمنها، وأن لشكر وأخنوش والعنصر وساجيد وجوه محروقة لا يمكن لعاقل أن يعول عليها، وأنها مثل قطعة زبدة ستذوب تحت أول ضربة شمس…

الآن، الكرة في ملعب الدولة، وعليها أن ترد على رسالة تظاهرة يوم الأحد، وألا تتجاهلها وأن تعتبرها سحابة صيف. على الدولة أن تتجه إلى تخفيف الاحتقان، وإطلاق سراح المعتقلين، وإقالة المسؤولين عن صب الزيت فوق النار، وتلبية مطالب السكان المشروعة في الريف وخارج الريف، بإطلاق مشروع جديد للنهوض بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للفئات الهشة وسط الشعب، بمنهجية جديدة ومقاربة جديدة، تجعل الاستثمار العمومي في يد أمينة توصل ثماره إلى من يستحقه… لا بد من البحث عن مدخل للرجوع إلى مسار الإصلاح العام الذي بدأ في 2011 وتوقف بعد مدة قليلة. لا بد من إيجاد مخرج لحكومة أبريل التي احترق طجينها قبل أن تكمل 100 يوم من عمرها، لأنها ببساطة حكومة خرجت مائلة من الخيمة، فكيف لا تسقط في بداية الطريق..

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ورقة صفراء ورقة صفراء



GMT 07:19 2023 الثلاثاء ,01 آب / أغسطس

شكراً لعدم قتل العالم

GMT 07:17 2023 الثلاثاء ,01 آب / أغسطس

«وثائق» عن بعض أمراء المؤمنين

GMT 07:05 2023 الثلاثاء ,01 آب / أغسطس

محمد السادس «مخزن» الوضوح السياسي

GMT 06:01 2023 الخميس ,09 شباط / فبراير

ليست لغزاً ولا يحزنون

GMT 05:59 2023 الخميس ,09 شباط / فبراير

الزلزال القادم

GMT 02:25 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

نصائح لجعل المنزل أكثر راحة وهدوء
المغرب اليوم - نصائح لجعل المنزل أكثر راحة وهدوء

GMT 09:48 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

قافلة طبية جراحية تتدخل في إقليم ميدلت
المغرب اليوم - قافلة طبية جراحية تتدخل في إقليم ميدلت

GMT 06:26 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الثور الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 18:41 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

محمد صلاح يعادل رقماً تاريخياً في الدوري الإنكليزي

GMT 23:21 2021 الأحد ,05 أيلول / سبتمبر

أفضل فنادق شهر العسل في سويسرا 2021

GMT 01:18 2021 السبت ,24 تموز / يوليو

صارع دبا لمدة أسبوع وصدفة أنقذت حياته

GMT 04:34 2019 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

سلاف فواخرجي تنعي المخرج شوقي الماجري عبر "إنستغرام"

GMT 19:14 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

الآثار المصرية تنقل 4 قطع ضخمة إلى "المتحف الكبير"

GMT 17:46 2014 السبت ,14 حزيران / يونيو

"سابك" تنتج يوريا تزيد كفاءة محركات الديزل

GMT 15:11 2012 الخميس ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

البيئة النظيفة.. من حقوق المواطنة

GMT 19:42 2014 الثلاثاء ,26 آب / أغسطس

"إل جي" تكشف رسميًا عن هاتفها الذكي LG G3

GMT 04:38 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

مارغريت ريدلمان تُشير إلى أسباب الصداع الجنسي

GMT 15:33 2022 الأحد ,23 تشرين الأول / أكتوبر

طرق لإضفاء المساحة على غرفة الطعام وجعلها أكبر

GMT 15:10 2021 الإثنين ,11 تشرين الأول / أكتوبر

إطلالات أنيقة وراقية للنجمة هند صبري

GMT 11:44 2020 الإثنين ,26 تشرين الأول / أكتوبر

أفكار مذهلة لزينة طاولات زفاف من وحي الطبيعة

GMT 07:11 2018 الثلاثاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

3 نصائح للرجال لاختيار لون ربطة العنق المناسب
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib