ماذا سنصنع بـ«دواعشنا»

ماذا سنصنع بـ«دواعشنا»؟

المغرب اليوم -

ماذا سنصنع بـ«دواعشنا»

بقلم - توفيق بو عشرين

في خضم انشغال الرأي العام والنخب السياسية بالمسار المعقد لتشكيل الحكومة، وألاعيب الأحزاب للالتفاف على نتائج الاقتراع، وإعادة تكييفها لتأخذ شكلا آخر يصب في طاحونة «التراجع عن الخيار الديمقراطي»، صدر تقرير مهم عن المركز الدولي لمكافحة الإرهاب، يرسم السيناريوهات المحتملة التي سيتخذها مقاتلو داعش بعد انهيار مركز الخلافة المزعومة في مدينة الموصل، وتراجع دفاعات البغدادي، تحت تأثير الحرب العالمية عليه، إلى رقعة ضيقة في العراق وسوريا، حيث كان قبل سنتين يسيطر على مساحة تقرب من مساحة بريطانيا، بعدما حطم الحدود بين العراق وسوريا، ومد طريقا مفتوحا بين «عاصمة الخلافة» في الموصل وولاية الرقة في الشام… وأصبح يبشر بتهشيم الحدود بين الدول العربية، وسك عملة جديدة موحدة، وعقد البيعة لإمام واحد، وحمل راية الجهاد لقتال كل الكفار، في محاولة للرجوع بالعالم خمسة قرون إلى الوراء، ودون الانتباه إلى أن الأحلام لا تتحقق بمجرد التفكير فيها، وأنها أقرب إلى الأوهام منها إلى شيء آخر.

بلادنا ليس بعيدة عن هذه الأزمة الدولية الكبيرة، التي تورط فيها الكبار والصغار، لأن المغرب يسهم بأكثر من 2500 مقاتل هاجروا من المغرب وأوروبا للقتال تحت راية البغدادي، وأمضوا مع عائلاتهم أكثر من سنتين يتدربون، ويتثقفون، ويقتلون، ويصنعون المتفجرات، ويلتقطون الصور، ويمنون النفس بخلافة تحكم العالم كما كان أجدادهم من قبل.

تقرير المركز الدولي لمكافحة الإرهاب وضع ثلاثة مسارات أو خيارات ستحكم مصير بقايا تنظيم داعش بعد انهياره القريب: إما التخفي وسط مدن وقرى الشام، وإما الهجرة نحو بؤر توتر أخرى لمواصلة «الجهاد»، أو العودة إلى بلدانهم الأصلية.

التقرير اعتبر أن قادة التنظيم ووجوهه البارزة لا مفر لها من الخيار الأول، أي التخفي في قرى سوريا والعراق وانتظار الأسوأ، أي القتل أو السجن في أفضل الأحوال، الذي سيعقبه الإعدام لا محالة. أما المجموعة ثانية، فأمامها خيار إعلان الولاء لتنظيمات جهادية أخرى، ومن ثم الذوبان في تنظيمات جديدة، ومواصلة القتال، أما الخيار الثالث، أي العودة إلى البلدان الأصلية، فيبقى، في نظر التقرير، أكثر الخيارات إشكالية ومدعاة للقلق.

بقايا تنظيم القاعدة ليسوا كتلة واحدة متجانسة، بل هم ثلاث فئات على الأقل حسب المركز البحثي المذكور: الأولى هم «المغرر بهم»، والثانية من تخلوا عن الوسيلة لا الغاية، أي الذين لا تهمهم داعش أو القاعدة أو النصرة، بل يهمهم «الجهاد»، أما الفئة الثالثة فهي العناصر المحترفة التي اتخذت من القتال باسم الرب حرفة ومشروع حياة.

وضمن هذا التقسيم، اعتبر التقرير أن مصدر الخطر الأكبر في المستقبل سيأتي من الفئة الثالثة داخل العائدين، أي العناصر العملية والمحترفة، وهي تلك التي ستبحث، فور وصولها إلى بلدانها أو إلى السجن أو إلى مناطق قريبة من بلدانها، عن تشكيل خلايا إرهابية، وإيقاظ أخرى نائمة، وتنفيذ هجمات وأعمال إرهابية بتنسيق مع القادة المتبقين على قيد الحياة للتنظيم في سوريا أو العراق أو ليبيا أو مناطق أخرى.

التقرير يوصي بالأخذ بيد «المغرر بهم»، وتوفير علاج نفسي ومواكبة اجتماعية لحالاتهم واحدة بواحدة، وعدم اللجوء إلى سجنهم أو تعذيبهم، لأن ذلك سينقلهم من الفئة الأولى إلى الفئة الثانية أو الثالثة. في المقابل، يرى التقرير أن من غادروا التنظيم دون أن تغادر أذهانهم فكرة الخلافة، سيظلون على استعداد للانخراط في أي مشروع جديد يحمل لواءها، وهنا لا حل إلا بالتقليل من عدد الدول الفاشلة في الشرق الأوسط وإفريقيا، ودعم سيطرة الدولة على حدودها، والتعاون الأمني والاستخباراتي لضبط حركة السلاح وتنقل المقاتلين الجوالين، ووضع خريطة طريق لحل جل الأزمات الدولية التي تنعش خلايا النحل الإرهابية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

بلادنا لا تعرف هذا النوع من النقاش، للأسف، ومراكزها القليلة لا تملك خبرة الدخول إلى هذا النوع من الموضوعات، إلى درجة سمعنا قبل أسابيع عبد الحق الخيام، رئيس مكتب الأبحاث القضائية، يلوم المثقفين والمفكرين والباحثين على عدم انخراطهم في مكافحة الإرهاب، وتفكيك إيديولوجيته، التي لا يمكن أن تقوم بها الأجهزة الأمنية التي تتحرك بعديا، وليس قبليا، لمحاصرة الظاهرة الإرهابية. جل الخطاب السياسي والإعلامي، وحتى البحثي، المنتشر في المغرب يسارع إلى الحكم قبل الفهم، ويعيد صدى تقارير الأجهزة الأمنية، ولهذا لم يطور عدة مفاهيمية، ولا أدوات منهجية، ولا حتى قاعدة معلومات دقيقة تساعد على تتبع الظاهرة وتفكيك خطابها وإيديولوجيتها، لهذا، لا بد من إنشاء مرصد وطني لدراسة الإرهاب يكون مستقلا عن الدولة، ويلعب دور مطبخ للتفكير والتحليل واقتراح السياسات العمومية التي تستطيع محاصرة الظاهرة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ماذا سنصنع بـ«دواعشنا» ماذا سنصنع بـ«دواعشنا»



GMT 06:03 2017 السبت ,11 آذار/ مارس

«مسلمات» أخرى بحاجة للمراجعة

GMT 06:26 2016 الأربعاء ,12 تشرين الأول / أكتوبر

التصويت كفعل مقاومة سياسية

GMT 08:11 2016 الثلاثاء ,30 آب / أغسطس

مثل صيف لن يتكرر!

GMT 06:17 2016 الثلاثاء ,05 إبريل / نيسان

دور المثقف في المجتمعات العربية

GMT 07:28 2016 السبت ,02 إبريل / نيسان

الطنز العكري

GMT 02:25 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

نصائح لجعل المنزل أكثر راحة وهدوء
المغرب اليوم - نصائح لجعل المنزل أكثر راحة وهدوء

GMT 09:48 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

قافلة طبية جراحية تتدخل في إقليم ميدلت
المغرب اليوم - قافلة طبية جراحية تتدخل في إقليم ميدلت

GMT 06:26 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الثور الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 18:41 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

محمد صلاح يعادل رقماً تاريخياً في الدوري الإنكليزي

GMT 23:21 2021 الأحد ,05 أيلول / سبتمبر

أفضل فنادق شهر العسل في سويسرا 2021

GMT 01:18 2021 السبت ,24 تموز / يوليو

صارع دبا لمدة أسبوع وصدفة أنقذت حياته

GMT 04:34 2019 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

سلاف فواخرجي تنعي المخرج شوقي الماجري عبر "إنستغرام"

GMT 19:14 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

الآثار المصرية تنقل 4 قطع ضخمة إلى "المتحف الكبير"

GMT 17:46 2014 السبت ,14 حزيران / يونيو

"سابك" تنتج يوريا تزيد كفاءة محركات الديزل

GMT 15:11 2012 الخميس ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

البيئة النظيفة.. من حقوق المواطنة

GMT 19:42 2014 الثلاثاء ,26 آب / أغسطس

"إل جي" تكشف رسميًا عن هاتفها الذكي LG G3

GMT 04:38 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

مارغريت ريدلمان تُشير إلى أسباب الصداع الجنسي

GMT 15:33 2022 الأحد ,23 تشرين الأول / أكتوبر

طرق لإضفاء المساحة على غرفة الطعام وجعلها أكبر

GMT 15:10 2021 الإثنين ,11 تشرين الأول / أكتوبر

إطلالات أنيقة وراقية للنجمة هند صبري

GMT 11:44 2020 الإثنين ,26 تشرين الأول / أكتوبر

أفكار مذهلة لزينة طاولات زفاف من وحي الطبيعة

GMT 07:11 2018 الثلاثاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

3 نصائح للرجال لاختيار لون ربطة العنق المناسب
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib