كول الغلة وسب الملة

كول الغلة وسب الملة

المغرب اليوم -

كول الغلة وسب الملة

بقلم : رشيد نيني

هناك رياضة وطنية لدى السياسيين المغاربة اسمها «كول الغلة وسب الملة»، بحيث «يغمس» السياسي بيديه ورجليه في «المرقة» لسنوات طويلة وعندما يصبح مدعوا للقيام عن المائدة يمسح فمه بكم معطفه ويستعيد ملامح وجهه القديمة ويشرع في «تخراج العينين» وإعطاء الدروس كما لو أنه خارج لتوه من صف المعارضة وليس الأغلبية الحكومية.

نماذج مثل هذه نسمع ثرثرتها كل يوم، منهم اتحاديون سابقون ويساريون متقاعدون وجمهوريون أيام الآحاد.

الجديد اليوم هو أن تتحول المعارضة إلى أداة تهديد، والحال أن المعارضة مهمة شريفة يمارسها نواب الأحزاب غير المشاركة في الحكومة لمراقبة الأغلبية الحكومية خدمة لمصالح دافعي الضرائب.

والمعارضة كما هو معروف في أدبيات الفكر السياسي هي أداة لمراقبة أداء الأغلبية الحاكمة في البرلمان، ولم نسمع قط في أي مكان من العالم الديمقراطي أن حزبا معينا فاز بالمرتبة الأولى في الانتخابات وفكر في عدم المشاركة في الحكومة وفضل العودة إلى المعارضة، وكأن المعارضة أصبحت هي علبة السيراج الذي يحكه كل حزب على وجهه كلما فقد بريقه وبهت لونه. وعندما يضربون الشيتة جيدا في المعارضة ويلمعون صورتهم التي علاها الصدأ، سيرجعون للانتخابات أكثر لمعانا من «مسيو بروبر»، وهكذا سيحصلون على ثقة المواطنين من جديد بأغلبية مطلقة.

هذا بالضبط ما يفكر فيه العدالة والتنمية هذه الأيام، وهناك أصوات من داخل الحزب تدعوه صراحة إلى أن يعود إلى كرسي المعارضة لإعادة بناء نفسه و«استرجاع إشعاعه»، يعني عليه أن يعود إلى كراسي المعارضة في البرلمان ويخبط الطبالي على وزراء الحكومة، كما كان يصنع بنكيران والرميد وبوليف أيام المعارضة.

والحقيقة أن هذا الفهم السياسي للمعارضة هو أغرب فهم سمعته في حياتي، فالمعارضة لا تصلح في نظر هؤلاء «الوزراء السابقين» سوى لاسترجاع الإشعاع الضائع، واستعادة البريق المفقود.

وعندما نتأمل الرسالة التي يحاول بعثها هؤلاء الوزراء السابقون للملك عبر التلويح بإمكانية العودة إلى كرسي المعارضة، نكتشف أنهم في الحقيقة يخفون وراءها رغبة متحرقة للبقاء في الحكومة لخمس سنوات إضافية، وهم يذهبون في سبيل هذه الرغبة إلى حدود التهديد.

ومثلما ادعى الاتحاد الاشتراكي ذات وقت أنه هو الذي أنجح انتقال العرش، بشكل سلس وبدون مشاكل، من الملك الراحل الحسن الثاني إلى الملك محمد السادس، ولذلك استنكر تعيين التكنوقراطي جطو مكان اليوسفي الذي حل حزبه أولا، فإن العدالة والتنمية اليوم يتبنى نفس الخطاب، مدعيا أنه أنقذ البلاد من الدمار الذي كان قادما على أمواج الربيع العربي، ولذلك فهو يستحق أن يتقاضى أتعابه كاملة عن هذه الخدمة.

لذلك فسؤال «المنهجية الديمقراطية» الذي يطرحه الحزب اليوم، لديه سبب واحد، وهو التفاوض للبقاء في الحكومة خمس سنوات أخرى والحصول على الحقائب الأساسية.

وقد فضل الحزب هذه المرة أن يطبق سياسة «سبق العصا قبل الغنم» حتى لا يفاجئه القرار الملكي فيما إذا فشل العثماني في تشكيل الحكومة.

وفي كل الأحوال فالمغاربة اليوم يريدون حكومة تقطع مع نفس الوجوه التي ظلت تتقاسم مقاعد المجالس الحكومية. لقد مل المغاربة من رؤية نفس الوجوه يتفاوضون في ما بينهم حول الحقائب معطية الانطباع بأن الحكومة التي سيعلنون عنها هي حكومة جديدة، فيما هم سيستمرون لخمس سنوات مقبلة يتبادلون الأدوار.

لقد أتعبوا المغاربة بضرورة استغلال هذه الفرصة التاريخية لممارسة واجبهم في التصويت، والذي تتبرع به علينا الحكومة مرة واحدة فقط كل خمس سنوات، لكن الحكومة في غمرة مطالبة الشعب بالقيام بواجبه نسيت أنها هي الأخرى لم تقم بواجبها الوطني مع الشعب في أحيان كثيرة.

الحكومة لم تقم بواجب ضمان تعليم عمومي فعال وقوي لأبناء الشعب، وتركتهم اليوم بين أيدي تجار المدارس الخصوصية.

الحكومة لم تقم بواجب ضمان نظام رعاية صحي عمومي للمواطنين، وسكتت عندما كتبت كل الصحف عن المواطنين الذين يموتون أمام أبواب المستشفيات العمومية بسبب عدم قدرتهم على دفع تكاليف الدخول إلى المستشفى، وتخلت عن متوسطي الدخل منهم لصالح جزاري المصحات الخاصة.

الحكومة لم تقم بواجب ضمان عدالة صارمة ومستقلة للمواطنين، وبالمقابل ضمنت للمحظوظين من أبناء النافذين إفلاتا محترما من بين أيديها.

إن من يتكفل بإظهار هذه النقائص الحكومية هي المعارضة، ويبدو أن هذه المهمة اليوم بحاجة إلى توضيح لكي لا تبقى مجرد أداة للتخويف والابتزاز.

إن المعارضة الحقيقية اليوم ليست هي تلك التي تمارسها الأحزاب في البرلمان، بل تلك التي تمارسها الصحافة المستقلة ومواقع التواصل الاجتماعي.

فالسياسيون يمارسون المعارضة ليس من أجل سواد عيون الشعب بل من أجل تحسين مواقعهم التفاوضية، وكم من ملف حارق نشرناه وتكونت حوله لجنة لتقصي الحقائق ولجان برلمانية وفي الأخير تم طي كل شيء بعدما توصلت «الأطراف» إلى صيغة ترضيها ضاربة بعرض الحائط مصلحة دافعي الضرائب.

ولعل الدرس الذي يجب أن يستخلصه السياسيون بإزاحة بنكيران وتعيين العثماني هو أن السياسي عابر في منصب عابر، فيما الصحافي المستقل باق في مكانه يراقب كل من يحل في موقع المسؤولية ويحصي عليه أنفاسه وحركاته وسكناته لمصلحة الشعب

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كول الغلة وسب الملة كول الغلة وسب الملة



GMT 05:05 2017 الثلاثاء ,06 حزيران / يونيو

حتى أنت يا مصيطيفة

GMT 05:06 2017 السبت ,03 حزيران / يونيو

الدرهم العائم

GMT 06:18 2017 الخميس ,01 حزيران / يونيو

يتيم في العيد

GMT 06:30 2017 الثلاثاء ,30 أيار / مايو

عادات سيئة

GMT 05:40 2017 السبت ,27 أيار / مايو

ولاد لفشوش

GMT 19:55 2024 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مولود برج الحمل كثير العطاء وفائق الذكاء

GMT 18:51 2019 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

حمد الله ينافس ليفاندوفسكي على لقب هداف العام

GMT 14:43 2018 الجمعة ,28 كانون الأول / ديسمبر

قائمة بأسماء أفضل المطاعم في مدينة إسطنبول التركية

GMT 20:29 2018 السبت ,27 تشرين الأول / أكتوبر

منة فضالي " فلّاحة" في "كواليس تصوير مشاهدها بـ"الموقف"

GMT 06:46 2017 الإثنين ,25 كانون الأول / ديسمبر

ماكياج عيون ناعم يلفت الأنظار ليلة رأس السنة

GMT 03:29 2017 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

أصالة تبهر جمهورها خلال احتفالات العيد الوطني في البحرين

GMT 07:40 2014 الأحد ,28 كانون الأول / ديسمبر

اللاعب مروان زمامة مطلوب من ثلاث فرق مغربية

GMT 06:44 2016 الأربعاء ,15 حزيران / يونيو

اختيار هرار الأثيوبية رابع أقدس مدينة في الإسلام

GMT 04:44 2015 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

شركة ألعاب "إيرفكيس" الشهيرة تطلق ألعاب خاصة للفتيات

GMT 09:18 2015 السبت ,26 كانون الأول / ديسمبر

هواوي Y6 تبيع 5 آلاف وحدة من الهاتف النقال
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib