الرئيسية » أخبار الثقافة والفنون
الكاتب المغربي محمد أقديم

الرباط - عمار شيخي

أكَّد المستشار في التخطيط التربوي، والباحث المهتم بالتحولات الاجتماعية والثقافية في المغرب الكاتب المغربي، محمد أقديم، على أن تقييم الوضع الثقافي في المملكة، يحتاج الى وضع معايير أو مؤشرات معينة التي بناء عليها يمكن تقييم وضعية الشأن الثقافي، مشيرًا إلى أن هذا المفهوم لا يُمكّن من إعطاء صورة موجزة عن الوضع، الذي من الصعب التمييز فيه بين الجانب الثقافي الصّرف، والجانب الفنّي  والإبداعي الذي يعتبر مجال تداخل بين  قطاعي الإعلام والثقافة".

ويرى أقديم، أنه "يمكن الحديث عن انتعاش لسوق ثقافية من خلال ظهور مجموعة من الإصدارات العلمية والدراسات  والترجمات، سواء على شكل كتب أو على شكل دراسات ومساهمات في المجلّات والدوريات، و في كل مجالات تقريبا، خاصة بالنسبة للعلوم الاجتماعية (التاريخ- السوسيولوجي-  الأدب- الدراسات الإسلامية)، و نفس الأمر ينطبق على الإعمال الإبداعية، موضحًا أنه بين الفينة والأخرى تنزل أعمال شعرية وأعمال سردية (روائية و قصصية)، و هذا ما انعكس في المعرض الدولي للكتاب خلال شهر شباط/فبراير الماضي، مع الإشارة إلى ملاحظة مهمّة، ويضيف أن وسائل التواصل الإجتماعي، استطاعت أن تجدب إليها العديد من الأقلام الإبداعية المعروفة، التي تقوم في بعض الأحيان بنشر العديد من قصائدها الشعرية أو مقاطع منها أو نُتَفِ من بعض أعمالها السردية، و تحظى بمتابعة كبيرة من قبل القراء.

وبيَّن في مقابلة مع "المغرب اليوم" أن الرداءة لازالت تهيمن على الساحة الفنية (غناء وموسيقى وإنتاج تليفزيوني أو سينمائيا)، رغم ما يحظى به هذين القطاعين من تمويل و دعم  عموميين، مع بعض الاستثناءات الجيدة، الرائدة التي تؤكّد قاعدة هيمنة الرداءة، مبينًا أن ذلك يكمن في المشهد الإعلامي، والسمعي البصري منه على وجه الخصوص، أضاف, الرداءة التي اكتسحت معظم الأعمال الدرامية التي  يقدمها إعلامنا السمعي البصري، و يكون هذا جليًا خلال شهر رمضان على وجه الخصوص، حيث يضطر المشاهد المغربي إلى الهروب إلى القنوات الفضائية الأجنبية تحت القصف اليومي بالمنتوج الدرامي  الرديء لإعلامنا التليفزيوني.

وأشار إلى أنه يُتخَيّل للمواطن والمشاهد المغربي أن هيمنة الرداءة على إعلامنا السمعي البصري، ومعظم الأعمال الإبداعية التي يعرضها، هي سياسة مقصودة  تستهدف  تمييع ذوقه الفنّي والاستهزاء بقيمه المجتمعية والدينية، و إلهاءه عن قضاياه  الاجتماعية و همومه الحياتية"، مضيفا، "هكذا يتضّح أن هنا فئة من النخبة السياسية تسعى الى توظيف  الثقافة الإعلام من أجل خوض معارك إيديولوجية و سياسية، تحت عناوين مختلفة  من قبيل "الحداثة" و " التحديث" و ّ الحريات الفردية"، كما أنّ هناك فئة من النّخبة المثقّفة، غالبًا ما تتجاوز مهمّتها الثقافية و تنخرط في معارك إيديولوجية وسياسية  بغطاء ثقافي وبأدوات إبداعية، وفنية على وجه الخصوص، وكثيرا ما يتمّ توظيفها من طرف السياسيين من أجل  الوصول إلى أهداف سياسية صرفة". مؤكدا أن "هذا التوظيف السياسي للثقافي، أو توريط المثقّف في معارك سياسية  ناتج عن قصور في الفهم  وعدم تمييز للمجالات ودون فصل بينها، فالمثقف أو المبدع يجب أن يفهم أن المجال الثقافي مجال للثوابت والمشترك بين مختلف فئات المجتمع و طبقاته، في حين يعتبر المجال السياسي مجال للمتغيرات والاختلاف و التّعدّد، و بالتالي لا يمكن العبث بالمشترك و 
بالثوابت الاجتماعية  من أجل مصالح سياسية آنية، فقد نتّفق ثقافيا، و لكنّنا نختلف إلى حد التناقض سياسيا".

ولفت إلى أن القضية اللغوية، من بين القضايا الثقافية التي يتمّ التلاعب بها سياسيًا، و توظيفها إيديولوجيا، بشكل يستهدف وحدة المجتمع، حيث يُسْتَغَلُّ تنوعّه و غناء الثقافي، قصد تفكيك لحمته و ضرب انسجامه و وحدته"، مضيفا أن "هذا ما يجرّ إلى الحديث عن الوضع اللغوي بالمغرب، والقضايا و التحديات التي يطرحها، لارتباطه  بهوية المغرب الثقافية".

ونوَّه إلى أن موقع المغرب الجيوسياسي جعله تاريخيًا جسر عبور، و منطقة توافد جماعات بشرية عديدة و مجال تأثير كبريات الحضارات البشرية : الفينيقية، الرومانية والوندالية والبيزنطية المسيحية وأخيرًا العربية الإسلامية، منها من تصارع مع السكان الأصليين الأمازيغي (الرومانية، الوندالية، البيزنطية المسيحية) ، ومنها من تعايش معهم (الفينيقية والعربية الإسلامية)، حيث حدث التمازج والأخذ والعطاء، وتداخلت الثقافات الوافدة والعابرة مع الثقافات المحلية الأصلية، وأضاف أن الحضارة العربية الإسلامية تعتبر أهم حضارة عمّرت المغرب قرون عديدة، ولازال تأثيرها حاضرا و بقوة إلى اليوم، حيث يشكل الإسلام واللغة العربية جزءً من الهوية المغربية"، لافتًا إلى أن الوضع اللغوي والثقافي ازداد تنوعا وتعقيدا بعد سقوط المغرب تحت الاستعمار الفرنسي في الوسط والاحتلال الاسباني في الشمال والجنوب، ليظهر على الساحة اللغوية فاعل لسني جديد (الفرنسية وبالدرجة الأولى ثم الاسبانية بالدرجة الثانية)،

وأوضح أن الفاعل "اللسني" الوافد مع الاستعمار، عمل على الهيمنة والسيطرة على المجالات الحيوية التي كانت اللغات القديمة تحتلها، ونتيجة للسياسة اللغوية التي نهجتها السلطات الاستعمارية الفرنسية خصوصا في المغرب، الموجهة أساسا ضد اللغة العربية، المتمثلة في إقصاءها من مجالات استعمالها خاصة في المناطق الناطقة الامازيغية، وتعويضها بالفرنسية، ولما كانت السياسية اللغوية الاستعمارية تستهدف ضرب اللغة العربية باللغة الامازيغية، من اجل الإبقاء على اللغة الفرنسية سائدة ومهيمنة، مشيرًا إلى أن ذلك كان رد فعل الحركة الوطنية المغربية بعد الاستقلال"، وأضاف، "تم اعتماد "التعريب"  كأحد مبادئ السياسة التعليمية، دون إيلاء أي اهتمام الأمازيغية، من حيث إدماجها في التعليم والإعلام والإدارة وباقي مجالات الحياة، إلا أن اعتماد تعميم التعليم كمبدأ ثاني للسياسة التعليمية لما بعد الاستقلال، مكن أبناء المناطق الناطقة الامازيغية من ولوج المدرسة والارتقاء في أسلاك التعليم والإدارة، ليشكلوا في ما بعد نخبة وحركة ثقافية تطالب بإعادة الاعتبار للغة والهوية الامازيغية، وتصحيح الوضع اللغوي في المغرب، وباعتماد سياسة لغوية عادلة ومتوازنة، تمكن الامازيغية 
من المكانة اللائقة بها، بما في ذلك إدماجها في مجالات التربية والإدارة والتعليم والإعلام، وتمكينها من وضع قانوني متميز".

وشدد أقديم على أن العديد من الدول قد عملت على التعامل مع تعددها اللغوي وتنوعها الثقافي من خلال رسم سياسة لغوية وتخطيط لغوي مكنها من إعادة الاعتبار للغاتها، من خلال الاعتراف القانوني بتعدد روافد هويتها، والاهتمام وتثمين رأسمالها الرمزي (لغات وثقافات)، بحمايتها و دسترتها، مؤكدًا على أن المغرب ما زال يفتقد الرؤية الواضحة التي تمكنه من تدبير وضعه اللغوي، من خلال وضع سياسة لغوية عادلة وراشدة، في ظل ظروف عالمية تتسم بزحف العولمة الثقافية في ركاب عولمة اقتصادية استهلاكية، تسعى إلى تنميط الشعوب في قالب ثقافي واحد".

وبالإشارة إلى جوابه على سؤال حول الوضع اللغوي في المغرب، أكَّد على أنه في انتظار صدور القانون التنظيمي للأمازيغية، في ما تبقى من عمر هذه الحكومة، وفي انتظار إخراج المجلس الأعلى للغات والثقافة المغربية، اللذان يُنْتَظَرُ منهما أن ينصفا اللغتين العربية والأمازيغية مما لحقهما من ظلم تاريخي وإجحاف سياسي، إجمالا يمكن القول أن الوضع اللغوي في المغرب يعيش وفق قانون الغاب، حيث اللغة القوية المسنودة اقتصاديا وتربويا وإعلاميا تفترس اللغات الضعيفة"، مضيفا، أنه لذلك "يعرف هذا الوضع اللغوي اختلالا خطير، ينذر بالوصول إلى درجة الحديث عن "الافتراس اللغوي" الذي يصل في حدوده القصوى إلى الإبادة اللغويةlinguicide، التي عادة ما تتلوها الإبادة العرقية الجماعية génocide، وأضاف أن هذا ما يطرح ضرورة التدخل العاجل من خلال امتلاك رؤية واضحة، تستهدف الحفاظ على التنوع اللغوي في المغرب، باعتباره ثروة يجب استثمارها، وليس مشكلة يجب حلها، بما يمكن من الدفع بعجلة التنمية الى الإمام، و بوضع سياسة لغوية عادلة وشاملة مندمجة، يعتبر دسترة وتقنين وتنظيم هذا الوضع اللغوي والثقافي محورا من المحاور الرئيسية لتلك السياسة، وفق ما تنص عليه المواثيق الدولية المؤطَّرة للحقوق اللغوية والثقافية".

View on Almaghribtoday.net

أخبار ذات صلة

مُباحثات تجمع وزير الثقافة المغربي وسفير إسبانيا لبحث سبل…
وزير الأوقاف المغربي يؤكد أن قروض البنوك ليست محرمة…
تظاهرة "أيام رمضان" المغربية تحتفي باليوم العالمي للشعر
المملكة المغربية تُشارك في أشغال قمة الثقافة التي تحتضنها…
بنسعيد يُؤكد أن الوزارة منكبة على تعزيز إدماج عناصر…

اخر الاخبار

معلومات استخباراتية مغربية تمكن إسبانيا من إجهاض تهريب أزيد…
سفارة بانكوك بالرباط تكشف حقيقة اختطاف وتعذيب مغاربة في…
أكثر من 40 شخصا ينجحون في تسلل سبتة خلال…
غانتس يتفوّق على نتنياهو

فن وموسيقى

الفنان المغربي ديستانكت يطرح جديده الفني بعنوان ''سلام''
إيمي سمير غانم تعود للسينما عقب تجاوز أحزان وفاة…
غادة عادل تشعر بالنضج الفني وتتمنى تقديم أعمال ذات…
المغربي سعد لمجرد يزُور قبر عدد من نجوم الفن…

أخبار النجوم

تفاصيل حادث سير كبير كاد يُنهي حياة كارمن بصيبص
محمد هنيدي يتوّجه إلي السعودية خلال أيام لتصوير فيلمه…
ميّ كسّاب تعلّق على عدم معرفة الجمهور بأنها مغنّية
وفاء عامر تكشف تفاصيل تعاونها مع شقيقتها آيتن في…

رياضة

مدرب باريس يُهدّد بالكشف عن كافة تفاصيل قضية كيليان…
تشافي ينتقد حكم المباراة عقب الخسارة من باريس سان…
فرنسا تطرد مئات المٌهاجرين من باريس قبل انطلاق الألعاب…
مبابي يقود باريس إلى قبل النهائي من دوري أبطال…

صحة وتغذية

وزير الصحة المغربي يُعطي انطلاقة خدمات 34 مؤسسة صحية…
طرق سهلة لتحسين صحة الأمعاء والحفاظ عليها
جراحون يزرعون للمرة الثانية كلية خنزير لمريض حي
الكشف عن صلة بين استخدام المستحلبات والإصابة بالسكري

الأخبار الأكثر قراءة

وزير الأوقاف المغربي يؤكد أن قروض البنوك ليست محرمة…
تظاهرة "أيام رمضان" المغربية تحتفي باليوم العالمي للشعر
المملكة المغربية تُشارك في أشغال قمة الثقافة التي تحتضنها…
بنسعيد يُؤكد أن الوزارة منكبة على تعزيز إدماج عناصر…