ما وراء «تسخين» الجبهات في سورية

ما وراء «تسخين» الجبهات في سورية

المغرب اليوم -

ما وراء «تسخين» الجبهات في سورية

بقلم - عريب الرنتاوي

الذين حالوا دون مشاركة بعض الفصائل المسلحة عن الالتحاق باجتماعات “استانا 3”، هم أنفسهم الذي أصدروا “أمر العمليات” للفصائل ذاتها بفتح جبهات القتال على محوري جوبر – القابون وريف حماة الشمالي الشرقي ... هكذا بدت التكهنات غداة “استانا 3” وعشيتها، وهذا ما تنبأت الدبلوماسية الروسية وهي تتابع تلكؤ وفود المعارضة المسلحة في السفر للعاصمة الكازاخية.

بعض رعاة المعارضة من العرب، يدخلون على خط “التصعيد” و”التعطيل” من بوابتين: الأولى، بوابة الاستقواء باستعادة العلاقة مع واشنطن وتنشيطها في عهد الرئيس دونالد ترامب، في محاولة لاستثمار مواقفه شديدة العداء لإيران وحلفائها، ولحظة الانتقال التي تمر بها سياسات واشنطن حيال عدد من الأزمات الإقليمية، ومن بينها سوريا، لصالح هذه الأطراف ... والثانية، بوابة إعادة تعويم النصرة وتقديمها من جديد بوصفها جزءا من المعارضة السورية، وليست جزءاً من جبهة “الجهاد العالمي” الذي تقوده القاعدة وتشكل عموده الفقري.

تركيا المهجوسة بالملف الكردي، لا تلبث أن تهرب من “نار” التحالف الأمريكي – الكردي، واختيار ترامب للأكراد، وليس الأتراك، كشركاء أساسيين وموثوقين في الحرب على “داعش”، حتى تجد نفسها تتقلب على “رمضاء” التحالف الروسي – الكردي، والذي دخل خلال الأيام القليلة الفائتة منعطفاً مهماً، على وقع الصور التي تداولها النشطاء للأعلام الروسية ترفرف بصورة استعراضية فوق دبابات “الجيش الأحمر” في “كانتون عفرين” ... تركيا التي ترى “درع الفرات” محشوراً بين خطوط حمراء روسية وأمريكية، ترقب بقلق، التقدم المتسارع لـ “غضب الفرات” على جبهة الرقة وجوارها، ولديها أعمق المصالح في إعادة فرض وصيانة دورها “المُهدد” في الأزمة السورية.

وفي التفاصيل أيضاً، والتي من دونها لا يمكن فهم ما يجري من تصعيد مفاجئ للمعارك على جبهات عدة (من بينها درعا وتدمر)، أن محاولة جديدة يقوم بها محور إقليمي (تركيا – قطر) من أجل تعويم جبهة النصرة، وأن شيوخاً ونافذين على المسرح “الجهادي” يتحركون بنشاط في معقل الجبهة في إدلب، من أجل إقناع أميرها، باتخاذ خطوة جديدة على طريق الاندماج بالمعارضات المسلحة والاستظلال بها، وأن المدعو “أبو ماريا القحطاني”، يقود تحركاً يدفع باتجاه إلحاق النصرة بمسار المفاوضات السورية الدائرة، من أستانا إلى جنيف، بعد أن أدرك رعاة المعارضة، أنه من دون النصرة، لن تتوفر لهم القدرة على إبقاء “الخيار العسكري” مطروحاً من بين الخيارات المتاحة لتحسين الشروط ورفع سقف التوقعات في أية تسوية إقليمية لسوريا.

ليس بعيداً عن هذا وذاك وتلك من التطورات الميدانية والسياسية، يمكن إدراج الغارة الإسرائيلية على مواقع للجيش السوري شرق حمص وشمال تدمر ... تلك الغارة التي أراد بها نتنياهو تكريس قواعد “الاستباحة” للأجواء السورية، وربما إعادتها إلى ما كانت عليه، حتى قبل التدخل الروسي العسكري في سوريا في الثلاثين من أيلول/ سبتمبر 2015... نقول تلك الغارة التي من غير المستبعد أن تكون قد نسقت مسبقاً مع واشنطن، هدفت كسب السباق نحو الرقة، وعرقلة الاستعداد السورية على ذاك المحور، لضمان أن تكون واشنطن وحلفاؤها، هم من يملؤون فراغ داعش في تلك المنطقة، وليست موسكو وحلفاؤها.

أطراف عديدة لها مصلحة في تعطيل مسار أستانا – جنيف، بعضها – إسرائيل – لها مصلحة استراتيجية في إطالة أمد الحرب الدائرة في سوريا وعليها ... بعضها الآخر، له مصلحة في تعزيز نفوذه و”تكبير” حصته من كعكة الحل النهائي للأزمة السورية ... وبعضها الثالث، يسعى في تهيئة الظروف لمساومات ومقايضات مع القطبين الدوليين: روسيا والولايات المتحدة.

من درعا (المنشية) جنوباً وحتى شمال – شرق حماة، مروراً بالغوطة الشرقية، تضطلع النصرة بدور قيادي في الميدان، وتقود ائتلافاً يضم فصائل مشاركة في مسار أستانا، ومحسوبة على بعض العواصم العربية والإقليمية، والمفارقة أنه في الوقت الذي كان فيه إعلام هذه العواصم، يتعمد التغطية على دور النصرة في حروب المعارضة ومعاركها، نرى أن هذا الإعلام ذاته (بعضه على الأقل)، يتقصد اليوم إبراز دور “هيئة تحرير الشام” في هذه المعارك، وربما من ضمن عملية إعادة التأهيل التي أشرنا إليها.

خلاصة القول، أن التصعيد الميداني الذي تشهده اليوم بعض محاور القتال في سوريا، يأتي من ضمن السياقات السابقة، وليس متوقعاً له أو منه، أن يفضي إلى تحول “استراتيجي” في مسارات الحرب والسلام في سوريا، والأرجح أن يبقى في الإطار “التكتيكي”، الذي يستهدف تحسين شروط الميدان حيناً أو تعديل شروط التفاوض في أستانا وجنيف حيناً ثانياً، وإعادة التوازن لعلاقات بعض القوى الإقليمية (تركيا بخاصة) مع اللاعبين الدوليين حيناً ثالثاً.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما وراء «تسخين» الجبهات في سورية ما وراء «تسخين» الجبهات في سورية



GMT 02:13 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

نسور استراتيجية

GMT 02:12 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

من مونيكا إلى ستورمي

GMT 02:08 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

الذكاء الاصطناعي يتحدى إيمانويل كانط

GMT 02:04 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

زوجة واحدة لا تكفي!

GMT 02:01 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

تدليل أمريكي جديد لإسرائيل

GMT 01:57 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

«العيون السود»... وعيون أخرى!

GMT 01:52 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

إيران وإسرائيل والمسرحية.. والمتفرجون

GMT 01:48 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

الإمارات.. إدارة الأزمة بفعالية
المغرب اليوم - جراحون يزرعون للمرة الثانية كلية خنزير لمريض حي

GMT 11:44 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

زلزال بقوة 5.3 ريختر يضرب شرق إندونيسيا

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 16:42 2024 الإثنين ,15 إبريل / نيسان

الأولمبياد أولى أزمات ريال مدريد مع مبابي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib