الضحية تقتل الجلاد في قصيدة البقرة البيضاء
آخر تحديث GMT 00:46:49
المغرب اليوم -

الضحية تقتل الجلاد في "قصيدة البقرة البيضاء"

المغرب اليوم -

المغرب اليوم - الضحية تقتل الجلاد في

قصيدة البقرة البيضاء
الرباط - المغرب اليوم

المخرجان الإيرانيان “بهتاش سنيحة ” و”مريم مقدم” يرسمان من خلال شريطهما “قصيدة البقرة البيضاء”، (المشارك مؤخرا في مهرجان برلين السينمائي في دورته الـ71 – المسابقة الرسمية)، صورة ما لعلاقة الضحية والجلاد. وبلغة حكي مفعمة بلمسة الواقع، عهدناها في المدرسة السينمائية الإيرانية، استطاع المخرجان أن يصنعا فيلما جيدا فيه شروط السرد السينمائي والجمالي. وتضم هذه المعالجة الإخراجية بين ثناياها رمزية الشريط في طرح تساؤلات عميقة يواجهها المجتمع الإيراني.

سورة البقرة وحكاية وجع إيراني..
يفتتح الشريط بنص الآية 67 من سورة البقرة: “وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ”. اللقطة الموالية تظهر “بقرة بيضاء” تتوسط فناء شبه فارغ، وسجناء بلباس أسود يقفون على حافة الفناء.

اختار المخرجان أطول السور القرآنية عنوانا لهذا العبور داخل الشريط، لأن سورة البقرة تشكل ركنا مقدسا في الحياة الاجتماعية الإيرانية، وتؤسس المنظومة القانونية والفقهية في البلاد القائمة على حكم القصاص: “العين بالعين، والسن بالسن”.

أُعدم “بابك” بتهمة القتل، وتعلم زوجته “مينه” (هي “مريم مقدم” مخرجة الفيلم) أن زوجها مظلوم في كل القضية. “مينه” لا تتوقع اعتذاراً من الدولة، بل فقط دية مالية لن تعوضها عن زوجها الذي أعدم بسبب جريمة لم يرتكبها. بطلة الشريط لا تريد أن تستسلم، وتطالب باعتذار رسمي عن خطأ جسيم. لا شيء يحدث سوى زيارة مفاجأة يقوم بها “رضا” إلى “مينه ” في بيتها، ليدعي أنه مدين لـزوجها “بابك” بمبلغ من المال، وقرر أن يساندها في محنتها.

عندما تتحطم حياة امرأة..
يحكي الشريط كيف تحطمت حياة “مينه” بعد إعدام زوجها ظلما، وكيف فشلت في الوصول إلى الحقيقة وإنصاف زوجها ضد القتلة الحقيقيين. تعيش “مينه” في هذا العالم، كامرأة وحيدة، وهذا أمر صعب للغاية.. ولأنها تسمح للغريب “رضا” بالدخول إلى بيتها، تسلط عليها كل أعين الجيران قبل طردها من شقتها. تلوح في الأفق كارثة تواجه البطلة، وتصبح القصة أكثر تشويقًا في سياقها الميلودرامي.

“مينه” التي تعمل في مصنع للحليب وتعتني بابنتها الصماء تجد نفسها بعد مرور الزمن تواجه سؤال بنتها عن حقيقة غياب أبيها “بابك”، فتضطر حينها أن تقول لها إنه ذهب بعيدًا في رحلة طويلة ولن يعود، وسنلتحق به مستقبلا.

الفيلم لا يخرج عن طابع الأفلام الإيرانية التي تكشف الأحداث فيها عن أبعاد ورموز عدة، على سبيل المثال لا الحصر إيواء البطلة للجاني “رضا”، في بيت قام هو نفسه بتأجيره لها بعدما دخل في حياتها دون أن تنتبه إلى ما يحمله من أسرار عن إعدام زوجها. “مينه” تنقل “رضا” إلى المستشفى وتساعده بعد إصابته بجروح في رأسه، هذا قبل قتله في المشهد ما قبل الأخير.

السينما الإيرانية وسؤال الأخلاق ..
عادة لا نجد أفضل من نموذج السينما الإيرانية عند استحضار سؤال الأخلاق. جل الأفلام الإيرانية المعروضة في المهرجانات الدولية تتناول قضايا القوانين الجائرة أو المعضلات الأخلاقية. وحتى المخرج الإيراني محمد رسولوف، الذي مازال قيد الإقامة الجبرية، وهو الحاصل على جائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين السينمائي في دورة العام الماضي، لا يخرج عن هذه القاعدة. هذا العام، تحول رسولوف من مخرج مشارك إلى عضو في لجنة تحكيم المهرجان. لا ندري كيف يرى فيلم “قصيدة بقرة بيضاء”، المفعم بالكثير من العقد الفكرية والقضايا المتناقضة أخلاقياً.

في هذا الشريط، لا يتعلق الأمر بسؤال شرعية عقوبة الإعدام أو عدمها، في حين رأت الصحافة الألمانية أنه يمثل صوتا رافضا ينضاف إلى مجموع الأفلام المناهضة لعقوبة الإعدام والقادمة من إيران. لا يتوقف فيلم ” قصيدة البقرة البيضاء” عند قضية الإعدام في حد ذاتها، بل على العكس من ذلك، يطرح السؤال: كيف يمكن للفرد في المجتمع الإيراني أن يفلت من العقاب في ظل النظام الإيراني؟.

القتل كموقف رمزي..
سؤال التحرر من واقع المجتمع والنظام الإيراني تبلوره علاقة البطلة “مينة” بشخصية “رضا” المحاطة بالكثير من الأسرار.. “رضا”، ذلك الرجل الذي لعب دوره في إعدام زوجها، يقدم نفسه للضحية كملاك أتى من السماء لإنقاذها من محنتها.

هل تستطيع “مينه” أن تتصرف كما يريد أن يفعل النظام؟ أم إنها تظل محاصرة داخل حلقة هذا النظام وأخلاقه وقوانينه الجائرة؟ تتطور دراما الشريط إلى أن تقرر البطلة قتل “رضا”، وكأنها تنتقم من النظام الإيراني الفاسد المتستر على الحقيقة، والذي لا يريد إنصافها..إنها الضحية التي تقتل الجلاد.. في مشهد تقدم بطلة الفيلم السم في كأس الحليب، فيشربه “رضا” قبل أن يسقط على الأرض. تغادر “مينه” الشقة رفقة بنتها في مشهد نهاية درامية. هي رسالة “بهتاش سنيحة” و”مريم مقدم”، وخطابهما السينمائي المرسوم في نهاية الشريط المغلقة. المخرجان لا يفضلان النهاية المفتوحة حتى لا تسقط الحكاية في طي التأويلات، ما قد يفسد جوهر الفيلم. القتل هو موقف رمزي، ووجهة نظر في شريط “قصيدة البقرة البيضاء” .

قد يهمك أيضَا :

مهرجان برلين السينمائي الـ71 ينطلق الاثنين "أونلاين" بسبب كورونا

مهرجان برلين السينمائي يطالب بالإفراج غير المشروط عن الإيرانية نسرين ستوده

almaghribtoday
almaghribtoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الضحية تقتل الجلاد في قصيدة البقرة البيضاء الضحية تقتل الجلاد في قصيدة البقرة البيضاء



بلقيس بإطلالة جديدة جذّابة تجمع بين البساطة والفخامة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 08:24 2024 الخميس ,18 إبريل / نيسان

نصائح لاختيار العطر المثالي لمنزلكِ
المغرب اليوم - نصائح لاختيار العطر المثالي لمنزلكِ

GMT 00:24 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

دينا فؤاد تُعلن شرطها للعودة إلى السينما
المغرب اليوم - دينا فؤاد تُعلن شرطها للعودة إلى السينما

GMT 15:40 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 10:44 2022 الأربعاء ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ارتفاع طفيف لأسعار النفط قبل بيانات أمريكية

GMT 10:23 2022 السبت ,08 تشرين الأول / أكتوبر

المغرب يستورد مليون طن من القمح الفرنسي

GMT 14:29 2021 الأربعاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

عزيز أخنوش يشيد بأدوار البرلمانيات في حزب "الأحرار"

GMT 03:55 2019 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

الأرصاد المصرية تحذر من سقوط أمطار غزيرة خلال الفترة القادمة

GMT 17:35 2018 الجمعة ,26 تشرين الأول / أكتوبر

شركة نيسان تكشف عن "ماكسيما 2019" بتحديثات جديدة

GMT 06:55 2018 الإثنين ,23 تموز / يوليو

تعرف على بطلة "التسجيل السري" الجديدة لترامب

GMT 14:52 2018 الأحد ,14 كانون الثاني / يناير

الملك محمد السادس ينعى وفاة الدولي السابق حميد العزاز

GMT 19:00 2015 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار ومواصفات مازدا CX5 2016 في المغرب
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib