الفيديو كليب صورة افتراضية

الفيديو كليب صورة افتراضية

المغرب اليوم -

الفيديو كليب صورة افتراضية

الدكتورة مارغو حداد أكاديمية في الجامعة الاميركية*
بقلم: الدكتورة مارغو حداد * _المغرب اليوم

الثقافة الغنائية والموسيقية تستهدف فئة المراهقين والشباب، فئة تتسم بالقابلية للإيحاء، والاستغراق في أحلام اليقظة والإنفتاح على عوالم الطموح والرغبة في تحقيق الذات، والبحث عن مثل عُليا يجري التوحد معهم من خلال نموذج الجنس الذي تطلقة الأغاني. وبهذا يكون لمثل هذه الوسائط والقنوات تأثيرها البالغ في اتجاهات المراهقين والشباب، وفي ميولهم  وتفضيلاتهم الجمالية والتربوية والأخلاقية، معتقدين أن ما يرونه هو الواقع، في حين أن ما يرونه ما هو إلا مجرد صورة للواقع، صورة افتراضية له، صورة يراد لهم أن يحلموا بها ويسعوا إلى العيش فيها، في حين أنها مجرد صورة وهمية أو غير حقيقية.                      

تبين أن الفكرة الرئيسية في بعض هذه الأغاني تدور حول قدرة المرأة على استخدام جمالها للسيطرة على الرجل. وبالإجمال قد تكون الموسيقى هي أكثر أنواع وسائل الإعلام تنميطاً في إظهارها للنساء، إذ ان صور النساء في الأغاني تحتوي على إيحاءات جنسية واضحة، مما يعيد تصنيفهن ضمن مجموعات محددة من قبل أدوارهن الجندرية. ويتم نشر هذه الصور من خلال أغطية الألبومات الغنائية التي تظهر النساء بطريقة وحشية أشبه بالحيوانات. إن المواضيع الجنسية أصبحت تعتبر أكثر عدائية من العنف ضد المرأة بحد ذاته، وبشكل عام. فمثلاً  تظهر موسيقى الروك النساء على أنهن عاطفيات، غير منطقيات، مليئات بالخوف يعتمدن على الآخرين وسلبيات، وغالباً ما يُرى الرجال كأشخاص مغامرين أو مسيطرين على الأمور وعنيفين. إن أثر هذه “الفيديو كليبات” على الجندر لم يوثق بعد بشكل علمي، ولكن بما أنها تعرض الخيال الجنسي والعدواني معاً، فإنها تفتح مجالاً لدراسات أخرى تقترح بأن الغرض من مثل هذه الصور لا يؤدي فقط إلى الرغبة في ممارسة الجنس، بل أيضاً إلى زيادة العنف ضد المرأة ، وقد تخلق بشكل غير مباشر بيئة قد يصبح فيها الرجال غير مبالين أو حتى مساندين للعنف ضد المرأة خلال الممارسة الجنسية .

كانت الأغنية في الماضي سواء في كلماتها ولحنها أو صوت المغني أو المغنية، تتحدث عن الحب بين الرجل والمرأة (وبالعكس). ومع هذا كان هناك أنواع أخرى من الأغاني: فكان هناك أغنية أو اثنتان تتحدث عن الأم، أو عن علاقة الأم بابنتها، أو عن الطبيعة، أي عن علاقات إنسانية خارج إطار موضوع الحب بين الرجل والمرأة. كما كان هناك أغان بالفصحى لبعض كبار الشعراء مثل شوقي، والأخطل الصغير، وإبراهيم ناجي، وأغاني اسمهان مثل ليالي الأنس في فيينا، وبعض أغاني عبد الحليم حافظ مثل لا تلمني، وأغاني فيروز، وماجدة الرومي، حيث كان هناك تنوع في الموضوعات، وكان المونولوج الكوميدي للممثل إسماعيل ياسين وثريا حلمي، والأوبريتات (مجنون ليلى) وأغاني الأفلام غزل البنات، وأغاني التمثيليات الإذاعية كتمثيلية عوف الأصيل. وبالطبع كان هناك الأغاني الوطنية التي كنا نسمعها طوال العام وليس في يوم واحد في السنة، وهناك أغان دينية للمطربة فايدة كامل الشهيرة (إلهي ليس لي إلاك عونا )، وأغنية أسمهان (عليك صلاة الله وسلامة) واغاني الحب بين الرجل والمرأة مثل: أغنية محمد العربي (عيون بهية)، وأغنية محمد رشدي (قولوا لمأذون البلد ييجي يتمم فرحتي)، وأغنية نجاة الصغيرة (كلمني عن بكرة وابعد عن امبارح)، وأغاني ليلى مراد (بحب اتنين سوى- شفت منام واحترت أنا فيه – الحب جميل للي عايش فيه)، وأغاني محمد عبد الوهاب (جفنه علم الغزل – عاشق الروح -الخطايا) وأغاني عبد الحليم حافظ (سمراء-وأنا كل ما أقول التوبة يا بوي) وأغاني أسمهان (دخلت مرة الجنينة – يا طيور)، وأم كلثوم (ما دام تحب بتنكر ليه) و (الأطلال). فقد اختفى هذا التنوع تقريبا، فأغاني “الفيديو كليب ” في الماضي كانت متنوعة، لكنها اليوم تنحصر في الحب بين الرجل والمرأة .

وكانت الأغنية السينمائية المتنوعة في الشكل والمضمون كانت تقدم من خلال الأفلام،  فمنها الأغنية الكوميدية، مثل أفلام نجيب الريحاني (الممثل الكوميدي الراحل)، حيث كانت هذه الأغاني الكوميدية ، واحياناً تكون مع فرقة استعراضية ضمن سياق الفيلم، كالأغنية السياسية، المتخصصة في الأفلام ذات الطابع السياسي خاصة الأفلام الوطنية التي تحارب الأستعمار مثل فيلم (الأرض) ليوسف شاهين وأغنية (أرضنا عطشانة)، وكالأغنية العاطفية التي كانت تستخدم للتعبير عن الحب والعاطفة الانسانية عموماً، وكالأغنية الاستعراضية، التي كانت تعتمد على شهرة مطربي مصر عبر مراحل تطور الأغنية أو على الرقص الشرقي، وكالأغنية الدينية، إذ جاءت بداياتها مع بدايات السينما العالمية من خلال التراتيل الدينية من أجل ترسيخ المشاعر الدينية مثل فيلم (صائد الغزلان) لمايكل شميينوو، وكما جاء في مراحل لاحقة، الفيلم العربي (الرسالة) لمصطفى العقاد و(عمر المختار) وكان يخاطب العالم لمعرفة صورة العرب الحقيقية، أما اليوم فما زال دور الأغنية الدينية قاصراً في ادائها , كالأغنية التاريخية، ظهر هذا النوع في أفلام مثل “الناصر صلاح الدين ” مما أعطاها نكهة خاصة ودوراً متميزاً، والفيلم العالمي (ماكبث) و (أيفان الرهيب)، وكالأغنية الفولكلورية، مثل أفلام صلاح ابو سيف واستخدامه المتكرر للأغنية الفولكلورية (آه يا زمن)  والمخرج السوري “سمير ذكري في ” وقائع العام المقبل ” و”الأرض” ليوسف شاهين، وكالأغنية الدرامية، التي كانت تستخدم للضرورة الدرامية مثل ” عودة الابن الضال ” للمخرج يوسف شاهين.

والمعروف، أن الفن الموسيقي إبداع يرتقي بالذوق الاجتماعي والفهم الاجتماعي، ويناقش قضايا الأمة من خلال الكلمة والنص واللحن الجميل، ويقودك لترى من الواقع ما لا تستطيع أن تراه بمفردك لكن ما يحدث في بعض القنوات الفضائية المتخصصة في بعض أغاني “الفيديو كليب” هو التدني بمستوى الفن، وهذا لا يمنع من قيام نقاشات وحوارات تسعى في اتجاه ترسيخ الفن العربي الراقي الذي تتكامل أدواته من نصوص قوية، وألحان جيدة وأداء يمزج كل عناصر الأغنية العربية ، ليخاطب المشاهد العربي بلغة الإبداع والفن الحقيقي، وليس بلغة الصور المثيرة والجسد .

فرضت العولمة بواسطة أدوات الاقتصاد المباشرة وغير المباشرة نمطاً واحداً من التفكير على سكان الكرة الأرضية. لذا، اضحت الأغنية حملة دعائية لأمر سلعي خارج عن الفن تقاس في رؤوس الأموال التي يقررها المنتج وليس بنسبة طاقتها الإبداعية ومن المعروف أن مقومات الأغنية تقوم على عناصر رئيسية هي: الكلمة والتلحين والأداء. وكل عنصر من هذه العناصر متمم للآخر. لكن الأغنية أضحت تقدم بشكل غير مسؤول بهدف تجاري بحت، وكان من نتائجه الإساءة لأذواق المشاهدين وخاصة الأطفال وتخريب وسائل التربية الموسيقية في المدارس. وكما قال موسيقار الأجيال الراحل (محمد عبد الوهاب): “كلما كانت الأغنية منهارة في معناها وموسيقاها، أصبحت نوعا من التخريب الاجتماعي ” أن واقع الأغنية الحالي يسهم في هذا التخريب الاجتماعي سواء من حيث الكلمات، أو شكل الصورة، أو التلحين، أو الأداء. لذا ظهور الشركات التي تنتج اغاني” الفيديو كليب ” واعتماد البعض منها على الأنتاج الكمّي لا النوعي، في ترويج وتكريس للعبثية المشهدية التي لا نعرف الهدف منها إلا صرف النظر عن الجدية الفنية الهادفة، وثمة بلا ريب من يعمل على تهميشها، عبر استسهال مفجع في بعض كلمات الأغنية وتسطيح هائل في محاكاة الذهنية وتخريب متعمّد للذائقة الانسانية.

ان جعل الصورة تتمادى في جلب كل ما هو خيالي وما وراء الخيالي من أجل خلق ثقافة تكون الصورة فيها هي المجاز الكلي في عمليات الاتصال البشري. بل اصبحت القيمة تجارية، حيث يصعب في كثير من الأحيان ذكر أسماء كثير من المطربين أو المطربات، إنهم يظهرون فنشاهدهم ونتابعهم ويختفون فلا نتذكرهم، واصبح التكرار والإلحاح آلية من آليات ثقافة الصورة، ومهد الطريق للقول أن رسالة ما بعد الحداثة تكمن في أن الصورة أصبحت الآن سلعة تنتج آلياً، وجزءاً من منظومة السلع. مما يعمل على بروز ” أغنية افتراضية ” خالية من مقومات الأصالة والأبداع .

 الدكتورة مارغو حداد أكاديمية في الجامعة الاميركية*

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الفيديو كليب صورة افتراضية الفيديو كليب صورة افتراضية



أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت - المغرب اليوم

GMT 16:54 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

تقرير يكشف أن"غروك" يشارك معلومات حساسة لأشخاص عاديين
المغرب اليوم - تقرير يكشف أن

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:03 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الأيام الأولى من الشهر

GMT 18:18 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

قد تمهل لكنك لن تهمل

GMT 01:36 2016 الجمعة ,03 حزيران / يونيو

سميرة شاهبندر المرأة التي رأت صدام حسين باكيا

GMT 03:52 2021 الجمعة ,17 كانون الأول / ديسمبر

الإعلامي ريكاردو كرم يُطلق مبادرة لدعم أطفال لبنان

GMT 15:23 2018 الثلاثاء ,17 إبريل / نيسان

كاف ترفض مقترح الوداد بدوري أبطال أفريقيا

GMT 07:05 2012 الجمعة ,05 تشرين الأول / أكتوبر

تغريم مطعم لبناني بسبب لافتة خادشة للحياء

GMT 11:31 2015 الجمعة ,27 شباط / فبراير

المُـثـقـفـون والاصـلاح الـديـنـي

GMT 00:31 2021 الخميس ,09 كانون الأول / ديسمبر

التحقيق في شيكات أموات تتجول بالأسواق المغربية

GMT 17:12 2021 الأربعاء ,13 تشرين الأول / أكتوبر

راضي يؤكد أن رؤية السيسي في مكافحة الإرهاب تحظى بتقدير الغرب

GMT 18:07 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

كوكب عطارد يمر أمام الشمس في ظاهرة فلكية نادرة

GMT 03:06 2019 الثلاثاء ,05 شباط / فبراير

إليزابيث هيرلي تظهر بإطلالة جذَّابة

GMT 19:21 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

موعد طرح فيلم شاروخان الجديد "زيرو" في دور العرض المصرية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib