الحموشي والأحداث المغربية

الحموشي والأحداث المغربية

المغرب اليوم -

الحموشي والأحداث المغربية

توفيق بو عشرين


في توقيت محسوب، نزل قرار تعيين عبد اللطيف الحموشي مديرا عاما للأمن إلى جانب احتفاظه بمديرية مراقبة التراب الوطني dst، أي قبل ساعات من حلول الذكرى الـ12 لأحداث 16 ماي الأليمة، وعلى بعد يوم من عيد الشرطة. الرسالة واضحة: العزم على الاستمرار في محاربة الإرهاب بكل الإمكانات المتاحة للدولة، ولهذا وضع رمز مكافحة الإرهاب المخبر الأول للمملكة على رأس المديرية العامة للأمن الوطني، وأتيحت له إمكانات جديدة لملاحقة الخلايا النائمة والمستيقظة للإرهاب. الرسالة الثانية من وراء تعيين الحموشي على رأس الإدارة العامة للأمن الوطني هي إحساس الدولة بأن هذه الإدارة تحتاج إلى إصلاح وتحديث وعصرنة، لأنها إدارة شاخت وحرمت، لسنوات طويلة، من الإمكانات المالية والبشرية والوسائل العصرية والإدارة الحديثة، ولهذا أعطيت قيادتها لمسؤول أمني شاب أظهر نجاحا وتفوقا في إعادة بناء جهاز dst، وعهد إليه بمهمة حساسة ومهمة وهي تجريب وصفته في الأمن بعد أن نجحت في المخابرات. هذه هي أهم رسائل قرار وضع قبعتي الأمن والمخابرات فوق رأس الحموشي، وبقي أن نطرح سؤالا على هذا القرار الذي فاجأ الجميع:

 ألا يحتاج هذا القرار إلى إطار قانوني جديد يقربنا أكثر من مطلب الحكامة الأمنية الذي مازال معلقاً منذ انتهاء هيئة الإنصاف والمصالحة من عملها قبل 10 سنوات، حيث أوصت هيئة بنزكري الدولة خيرا بهذه الحكامة التي تبدأ بالإطار التشريعي الواضح للممارسة الأمنية، وتنتهي بالتربية على احترام حقوق الإنسان، مرورا بربط المسؤولية بالمحاسبة وتجريم الإفلات من العقاب.

 النصوص التي تنظم عمل الأجهزة الأمنية في بلادنا قليلة جداً وقديمة جداً، يعود بعضها إلى بداية الاستقلال. لقد وضعت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي معايير كثيرة لحكامة الأجهزة الأمنية وتطوير مهنيتها، وإبعادها عن التسييس أو الاستغلال من قبل جهة ضد جهة، أو التصرف خارج قواعد الديمقراطية ودولة الحق والقانون. لقد رأينا كيف لعبت هذه الأجهزة الحساسة أدوارا خطيرة في مصر وتونس والجزائر… لقد حدث تطور لافت في عمل الأجهزة الأمنية المغربية، حيث توقف الاختطاف والاختفاء القسري، مثلا، وتراجع التعذيب في مخافر الشرطة والسجون، ورأينا أحكاما تلغى لأن الاعترافات انتزعت تحت الضغط أو التعذيب، وسمعنا عن توقيف وزير العدل قاضيا رفض عرض متهمين على الخبرة الطبية بعد ادعائهم التعرض للتعذيب، لكن عمل الأجهزة الأمنية في بلادنا مازال يحتاج إلى مدونة قانونية حديثة وعصرية. مثلا، الجميع يعرف أن الأجهزة الأمنية في المغرب تضع تقارير عن الأشخاص المرشحين لتولي مناصب مهمة في الدولة، وهذا أمر اعترف به حديثا وزير في البرلمان، وقال إن التقارير الأمنية تعتبر حاسمة في قرارات تعيين الوزراء للمديرين والكاتب العامين ورؤساء المؤسسات العمومية، وبلا شك الأمر يطال الوزراء أيضاً، لكن لا أحد سأل في البرلمان أو خارجه عن النص القانوني الذي ينظم هذه العملية الحساسة، وعن اللوائح التي تؤطر كتابة التقارير الأمنية حول المرشحين للمناصب العليا، وفي حالة وقوع خطأ في كتابة هذه التقارير، أو تدخل اعتبارات سياسية أو شخصية لدى البعض للانتقام من المرشح لمنصب سامٍ، كيف السبيل لمراجعة هذه التقارير ومراقبة كاتبيها وتصحيح أخطائهم. هذا نموذج فقط عن غياب النصوص المنظمة لعمل أجهزة الأمن، وإلا فإن هناك أمثلة كثيرة خاصة في عمل الضابطة القضائية، وطريقة كتابة المحاضر، والتعامل مع الموقوفين، وجمع الأدلة واستجواب الشهود…

الموضوع الثاني لهذه الافتتاحية هو الحملة التي تشنها «الأحداث المغربية» ضد جريدة «أخبار اليوم» بمناسبة ودون مناسبة، لكن سعار هذه الأحداث المغربية وصل إلى الحدود التي تستوجب منا الرد أمام القراء وأمام القضاء في الوقت نفسه (لا حظوا أني أستعمل اسم الأحداث المغربية دون كتابة جريدة لأنها منذ انتقلت ملكيتها من السيد البريني وشركائه إلى آخرين لم تعد جريدة بالمعنى المهني للكلمة، أصبحت منشورا لجهات أخرى تستعملها ضد الجسم الصحافي وضد مبادئ المهنية وقواعد الممارسة الصحافية، وهذا موضوع آخر لا نحتاج فيه إلى دليل لأن المتابع يكتشفه كل صباح دون عناء).

الأحداث المغربية ساءها أن ننظم ندوة حول: «الربيع العربي ومآلات الانتقال الديمقراطي.. الحالة المغربية نموذجا» بالرباط، وأزعجها أن نستدعي وزراء ومثقفين وفاعلين وخبراء من كل طيف للحديث في الموضوع. وعلى طريقة كتابة التقارير الأمنية التي تبحث عن الإدانة والشيطنة قبل أي شيء آخر، كتبت الأحداث، حتى قبل أن تدور أشغال المنتدى، تشكك في أهداف هذه الندوة، والجهة التي تقف خلف تمويلها، مع التلميح إلى وجود تمويل خارجي، ووصلت الوقاحة بمن يشرف على صدور هذا المنشور أن قذفني بعبارة غير أخلاقية في عموده بعيدا عن التقيد بالأخلاق التي لا يعرفها، وبالآداب العامة للحوار بين المختلفين مهما كانت درجة الاختلاف بينهم. طبعا هذه المنشورات لا تكلف نفسها عناء تقديم الدليل على ما تقوله، ولا على ما تدعي أنها «مسخرة للكذب وخلط الأوراق وبث الإشاعات» لأهداف صغيرة، وهدفها أن تدعي أن أولاد عبد الواحد كلهم واحد، وأنه لا يوجد صحافي شريف لديه ضمير في هذه البلاد، وأنك إذا لم تكن تابعا لفلان فأنت مسخر عند فلان…

لا أعرف جريدة في العالم متخصصة في الكتابة عن جريدة أخرى.. عوض أن تنشغل بتتبع الأخبار والبحث عن المعلومات وانتقاد المسؤولين الذين يتصرفون في السلطة والمال العام، تنشغل بالصحافيين.. وهذا ما يكشف الأدوار التي أوكلت إلى هذا المنشور.. أما نحن فلا نحتاج إلى الدفاع عن أنفسنا وعن استقلاليتنا، وعن سلامة ووضوح وشفافية ماليتنا، ومن لديه دليل آخر فلينشره (فضحه الله إن سترنا). نحن لا نلعب في الداخل ولا في الخارج، ولا نقبل رشوة ولا تمويلا تحت الطاولة، ولا بيعا وشراء في أسواق السلام! 

إذا كان استدعاء عزمي بشارة إلى المغرب للحديث عن الربيع العربي والمراحل الانتقالية محظورا، فلتكتبوا هذا في قانون أو مرسوم ونحن سنلتزم بالقانون، ثم إذا كانت لدينا أهداف أخرى غير الأهداف العلمية والإعلامية من وراء هذه الندوة، كما يدعي البعض زورا وبهتانا، هل كان عزمي بشارة سيقول في محاضرته بالرباط: «إن التجربة المغربية في التعاطي مع الربيع العربي إيجابية، وإنها تتميز بحركية إصلاحية متواصلة ولم تتوقف إلى الآن، وإن في المغرب شرعية عميقة للمؤسسة الملكية تمتد إلى قرون، وإن في المغرب أحزابا حقيقية، واللعبة مفتوحة، ولم يقع أي تراجع عن الإصلاحات كما حصل في بلدان الربيع العربي». لا يؤسفي شيء غير شغل القراء بما لا يستحق الرد ولا الاهتمام، ولولا أن ألح علي الكثير من الأصدقاء للرد على الأحداث لما فعلت، فأنا منذ مدة طويلة لا ألقي بالا لما يكتب عني في الجرائد الصفراء والمواقع الأكثر اصفرارا، أعرف من يحركها وأعرف أغراضهم.. هذه ضريبة الجرأة والمهنية والمصداقية التي تتشبث بها هذه الجريدة، ونحن نقبل بنفس راضية مطمئنة أن ندفع هذه الضريبة…

 

 

 

 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحموشي والأحداث المغربية الحموشي والأحداث المغربية



GMT 07:02 2024 الأربعاء ,01 أيار / مايو

لمن سيصوت شباب أميركا في 2024؟

GMT 06:58 2024 الأربعاء ,01 أيار / مايو

أرض نستردّها... وأرض نبكي عليها!

GMT 06:47 2024 الأربعاء ,01 أيار / مايو

يعقوب يكتب مذكراته

GMT 06:24 2024 الأربعاء ,01 أيار / مايو

عصام الشماع موهبة قهرها الزمن!!

GMT 06:06 2024 الأربعاء ,01 أيار / مايو

ماذا يقرأ المتظاهرون؟!

GMT 05:56 2024 الأربعاء ,01 أيار / مايو

البلدية جاية

GMT 05:46 2024 الأربعاء ,01 أيار / مايو

«ساق البامبو» في سوق التحف

نادين لبكي بإطلالات أنيقة وراقية باللون الأسود

بيروت ـ المغرب اليوم

GMT 13:52 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

اللون الذهبي يرسم أناقة النجمات في سهرات الربيع
المغرب اليوم - اللون الذهبي يرسم أناقة النجمات في سهرات الربيع

GMT 20:40 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

مارسيل غانم يعود مع "صار الوقت" ويفتتح خريف MTV

GMT 10:30 2018 الأربعاء ,04 إبريل / نيسان

أجمل الأفكار لديكور طاولة العروسين في حفل الزفاف

GMT 06:20 2023 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

المركزي الصيني يضخ 421 مليار يوان في النظام المصرفي

GMT 09:35 2023 الأحد ,05 شباط / فبراير

وما أدراك ما أشباه الرجال!

GMT 20:35 2023 الأحد ,15 كانون الثاني / يناير

الإمارات تُطلق تحالف إعادة تدوير الألومنيوم

GMT 08:22 2018 الخميس ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

"لاند روفر ديفندر" تعود بإمكانيات مطورة عام 2020

GMT 21:06 2018 الإثنين ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الحموشي ينشر عناصر أمنية فى الأحياء الشعبية لسلا

GMT 20:37 2018 الأحد ,14 تشرين الأول / أكتوبر

الإعلامية زينة يازجي تعود إلى "الشاشة" من جديد

GMT 05:28 2018 الأربعاء ,09 أيار / مايو

حقيبة الظهر من"بولغاري" تناسب المرأة الأنيقة

GMT 10:54 2018 الإثنين ,29 كانون الثاني / يناير

فوزنياكي تقتنص صدارة تصنيف التنس وتتويجها بلقب أستراليا
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib