واقعية محمّد السادس وأفكاره العملية

واقعية محمّد السادس وأفكاره العملية

المغرب اليوم -

واقعية محمّد السادس وأفكاره العملية

بقلم - خيرالله خيرالله

استطاع المغرب في السنوات الـ24 الماضية، أي منذ إغلاق الحدود بينه وبين الجزائر، تطوير نفسه. هذا لم يمنعه من التفكير بضرورة أن تنسحب تجربته على غيره من دول المنطقة، بما في ذلك الجزائر.

يتعاطى الملك محمد السادس مع الواقع بعيدا عن أي نوع من الأوهام التي تتحكم بكثيرين في المنطقة. ليست دعوته الجديدة إلى فتح الحدود المغربية – الجزائرية المغلقة منذ العام 1994 سوى محاولة لتجاوز كلّ أنواع العقد، والعمل مع البلد الجار من أجل مستقبل أفضل لشعبيْ البلديْن، في وقت فيه تمرّ الجزائر في مرحلة انتقالية.

لعلّ أفضل ما يعبّر عن هذه المرحلة الانتقالية غياب أي خيار آخر لدى الممسكين بمفاصل السلطة غير ترشيح الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، المقعد منذ العام 2013 لولاية رئاسية جديدة.

اختار العاهل المغربي الذكرى الـ43 لـ”المسيرة الخضراء” ليؤكد مجددا أن همّه لا يقتصر على ضمان مستقبل أفضل للمواطن المغربي، بل إنّ المطلوب في هذه المرحلة التفكير في المستقبل من زاوية أوسع. المغرب استعاد أراضيه بعد “المسيرة الخضراء”. لا يستطيع أحد إعادة الاستعمار إليها أو خلق كيان مسخ فيها يتسبب بمشاكل لكلّ دول المنطقة وشعوبها. لكنّ ذلك يجب ألا يحولَ دون إطلاق أفكار بناءة في حال كان مطلوبا التصدّي للفقر والتخلّف وظاهرة الإرهاب التي تهدّدُ الجميع، بما في ذلك الجزائر.

كانت كلمة محمّد السادس في ذكرى “المسيرة الخضراء” التي عبّرت في العام 1975، عن الإرادة القويّة للشعب المغربي في عدم التخلي عن حبة تراب من الصحراء، دعوة إلى التعقل والاعتدال. إنّها دعوة إلى اعتماد المنطق قبل أيّ شيء آخر. لذلك قال العاهل المغربي “من هذا المنطلق، أود الوقوف على واقع التفرقة والانشقاق داخل الفضاء المغاربي، في تناقض صارخ وغیر معقول مع ما یجمع شعوبنا من أواصر الأخوة، ووحدة الدین واللغة، والتاریخ والمصیر المشترك. فهذا الواقع لا یتماشى مع الطموح الذي كان یحفز جیل التحریر والاستقلال إلى تحقیق الوحدة المغاربیة، والذي جسده، آنذاك، مؤتمر طنجة سنة 1958، الذي نحتفل بذكراه الستین. وقبل ذلك، ساهم موقف المملكة المساند للثورة الجزائریة في توطید العلاقات بین العرش المغربي والمقاومة الجزائریة، وأسس للوعي والعمل السیاسي المغاربي المشترك. فقد قاومنا الاستعمار معا، لسنوات طویلة حتى الحصول على الاستقلال، ونعرف بعضنا جیدا. وكثیرة هي الأسر المغربیة والجزائریة التي تربطها أواصر الدم والقرابة. كما ندرك أن مصالح شعوبنا هي في الوحدة والتكامل والاندماج، دون الحاجة لطرف ثالث للتدخل أو الوساطة بیننا. غیر أنه یجب أن نكون واقعیین، وأن نعترف بأن وضع العلاقات بین البلدین غیر طبیعي وغیر مقبول. ویشهد الله أنني طالبت، منذ تولیت العرش، بصدق وحسن نیة، بفتح الحدود بین البلدین، وبتطبیع العلاقات المغربیة – الجزائریة”.

لم يقتصر كلام العاهل المغربي على التذكير بالماضي وبما يربط بين الشعبين الجزائري والمغربي. تعمّد الخوض في ما يمكن عمله الآن. قدّم أفكارا عملية للخروج من وضع لا يمكن أن يستمرّ إلى ما لا نهاية، كما أنّه ليس مقبولا أن يصير أبديا، لا لشيء سوى لأن استمرار هذا الوضع سينعكس سلبا على الجميع. قال في هذا المجال “بكل وضوح ومسؤولیة، أؤكد الیوم أن المغرب مستعد للحوار المباشر والصریح مع الجزائر الشقیقة، من أجل تجاوز الخلافات الظرفیة والموضوعیة، التي تعیق تطور العلاقات بین البلدین. ولهذه الغایة، أقترح على أشقائنا في الجزائر إحداث آلیة سیاسیة مشتركة للحوار والتشاور، یتم الاتفاق على تحدید المستوى التمثیلي فيها، وشكلها وطبیعتها. وأؤكد أن المغرب منفتح على الاقتراحات والمبادرات التي قد تتقدم بها الجزائر، بهدف تجاوز حالة الجمود التي تعرفها العلاقات بین البلدین الجارین الشقیقین. وتتمثل مهمة هذه الآلیة في الانكباب على دراسة جمیع القضایا المطروحة، بكل صراحة وموضوعیة، وصدق وحسن نیة، وبأجندة مفتوحة، ودون شروط أو استثناء. یمكن لهذه الآلية أن تشكل إطارا عملیا للتعاون، بخصوص مختلف القضایا الثنائیة، خصوصا في ما یتعلق باستثمار الفرص والإمكانات التنمویة التي تزخر بها المنطقة المغاربية، كما ستساهمُ في تعزیز التنسیق والتشاور الثنائي لرفع التحدیات الإقلیمیة والدولیة، لا سیما في ما یخص محاربة الإرهاب وإشكالية الهجرة. ونود هنا أن نجدد التزامنا بالعمل، یدا بید، مع إخواننا في الجزائر، في إطار الاحترام الكامل للمؤسسات الوطنیة. واعتبارا لما نكنّه للجزائر، قیادة وشعبا، من مشاعر المودة والتقدیر، فإننا في المغرب لن ندّخر أي جهد، من أجل إرساء علاقاتنا الثنائیة على أسس متینة، من الثقة والتضامن وحسن الجوار”.

المغرب قادر على الاستفادة من الجزائر، والجزائر قادرة على الاستفادة من المغرب. لا تفيد القطيعة في شيء…

أن يقترح المغرب عبر محمّد السادس أفكارا عملية من أجل علاقة أفضل مع الجزائر دليل قوّة قبل أي شيء آخر، ودعوة إلى ربط الماضي، بما فيه من تجارب ذات طابع إيجابي بالمستقبل. لذلك قال “نواصل الدفاع عن وحدتنا الترابیة، بنفس الوضوح والطموح، والمسؤولية والعمل الجاد، على الصعیدین الأممي والداخلي. ویتجسد هذا الوضوح في المبادئ والمرجعیات الثابتة، التي یرتكز علیها الموقف المغربي، والتي حددناها في خطابنا بمناسبة الذكرى الثانیة والأربعین للمسیرة الخضراء. وهي المرجعیات نفسها التي تؤسس لعملنا إلى الیوم. كما یتجلى في التعامل، بكل صرامة وحزم، مع مختلف التجاوزات، كیفما كان مصدرها، والتي تحاول المس بالحقوق المشروعة للمغرب، أو الانحراف بمسار التسویة عن المرجعیات المحددة. أما الطموح، فیتمثل في تعاون المغرب الصادق مع السید الأمین العام للأمم المتحدة (أنطونيو غوتيريش)، ودعم مجهودات مبعوثه الشخصي قصد إرساء مسار سیاسي جاد وذي مصداقیة. كما تعكسه أيضا، المبادرات البناءة، والتجاوب الإیجابي للمغرب، مع مختلف النداءات الدولیة، لتقدیم مقترحات عملیة، كفیلة بإیجاد حل سیاسي دائم، على أساس الواقعیة وروح التوافق، وفي إطار مبادرة الحكم الذاتي”.

في الإمكان المتاجرة بقضية الصحراء المغربية إلى ما لا نهاية. في الإمكان استغلال هذه القضيّة المفتعلة للإساءة إلى المغرب ومنعه من تكريس كل موارده من أجل الاستثمار في التنمية، التي هي تنمية بشرية قبل أي شيء آخر. ولكن ماذا بعد ذلك؟ من يستفيد من أي عرقلة للانطلاق بالمنطقة كلّها، أي بالجزائر والمغرب والدول القريبة منهما، نحو فضاءات مختلفة بعيدا عن المناكفات والاستثمار في كلّ ما يمكن أن يخدم التطرّف والتخلّف؟

وضع محمد السادس عبر خطاب الذكرى الـ43 لـ”المسيرة الخضراء” الأسس لمرحلة جديدة تتجاوز المملكة. يُفترض أن يسعى المسؤولون في كلّ دول شمال أفريقيا إلى العمل على بلوغ هذه المرحلة التي تقوم قبل أي شيء آخر على التخلي عن أفكار بالية.

في نهاية المطاف، استطاع المغرب في السنوات الـ24 الماضية، أي منذ إغلاق الحدود بينه وبين الجزائر، تطوير نفسه. هذا لم يمنعه من التفكير بضرورة أن تنسحب تجربته على غيره من دول المنطقة، بما في ذلك الجزائر.

المغرب قادر على الاستفادة من الجزائر، والجزائر قادرة على الاستفادة من المغرب. لا تفيد القطيعة في شيء… أما قضية الصحراء فهي ليست قضية إلا بالنسبة إلى الذين استخدموها لخدمة أهداف معينة. من بين هذه الأهداف ابتزاز المغرب. كان ذلك ممكنا في مرحلة معيّنة تجاوزها الزمن. من يريد ابتزاز المغرب هذه الأيام هو مثل من يريد ابتزاز نفسه ولا شيء آخر غير ذلك…

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

واقعية محمّد السادس وأفكاره العملية واقعية محمّد السادس وأفكاره العملية



GMT 14:36 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

انتقام... وثأر!

GMT 14:29 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 14:20 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

GMT 13:58 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

بايدن والسعودية

بلقيس بإطلالة جديدة جذّابة تجمع بين البساطة والفخامة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 08:24 2024 الخميس ,18 إبريل / نيسان

نصائح لاختيار العطر المثالي لمنزلكِ
المغرب اليوم - نصائح لاختيار العطر المثالي لمنزلكِ

GMT 00:24 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

دينا فؤاد تُعلن شرطها للعودة إلى السينما
المغرب اليوم - دينا فؤاد تُعلن شرطها للعودة إلى السينما

GMT 15:40 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 10:44 2022 الأربعاء ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ارتفاع طفيف لأسعار النفط قبل بيانات أمريكية

GMT 10:23 2022 السبت ,08 تشرين الأول / أكتوبر

المغرب يستورد مليون طن من القمح الفرنسي

GMT 14:29 2021 الأربعاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

عزيز أخنوش يشيد بأدوار البرلمانيات في حزب "الأحرار"

GMT 03:55 2019 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

الأرصاد المصرية تحذر من سقوط أمطار غزيرة خلال الفترة القادمة

GMT 17:35 2018 الجمعة ,26 تشرين الأول / أكتوبر

شركة نيسان تكشف عن "ماكسيما 2019" بتحديثات جديدة

GMT 06:55 2018 الإثنين ,23 تموز / يوليو

تعرف على بطلة "التسجيل السري" الجديدة لترامب

GMT 14:52 2018 الأحد ,14 كانون الثاني / يناير

الملك محمد السادس ينعى وفاة الدولي السابق حميد العزاز

GMT 19:00 2015 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار ومواصفات مازدا CX5 2016 في المغرب
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib