نحو طيّ صفحة الميليشيات الإيرانية

نحو طيّ صفحة الميليشيات الإيرانية

المغرب اليوم -

نحو طيّ صفحة الميليشيات الإيرانية

خيرالله خيرالله
بقلم: خيرالله خيرالله

لا تدري إيران أن هناك صفحة طويت. هذه الصفحة هي صفحة ميليشياتها وذلك سواء عاد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض أم لم يعد.

كشفت السنة 2019 التي تشرف على نهايتها، بداية تراجع سطوة الميليشيات المذهبية التي أنشأتها إيران والتي كانت تعتقد أنّها السلاح الأساسي في الترويج لمشروعها التوسّعي في المنطقة كلّها، خصوصا حيث هناك وجود عربي، بدءا بسوريا والعراق ولبنان… وصولا إلى اليمن، مرورا في طبيعة الحال بالبحرين وكلّ بلد عربي قريب أو بعيد.

ما يكشف بداية التراجع يتمثّل في تلك الهجمة الشرسة التي تشنّها إيران عبر أدواتها المختلفة في العراق ولبنان وسوريا واليمن من أجل تأكيد أن مشروعها لم يتعرّض لنكسة حقيقية، وأن ثمّة مجالا لاستمراره في المدى الطويل. لا تدرك إيران، التي هي منذ العام 1979 في حال هروب مستمرة إلى خارج حدودها، أنّ مشروعها عاجز عن أن يوفّر نموذجا ناجحا في أيّ مجال من المجالات نظرا إلى أنّ ليس في استطاعته تقديم أي شيء، لا سياسيا ولا اقتصاديا ولا حضاريا ولا تربويا ولا اجتماعيا. كلّ ما يستطيع تقديمه هو البؤس والتخلّف ونشر الفقر، فضلا عن إثارة الغرائز المذهبية في منطقة في غنى عن مثل هذا النوع من الممارسات.

تبذل إيران كلّ ما تستطيع كي يبقى العراق على حاله، أي في ظل الوصاية الإيرانية. هذا ما يفسّر التهديدات التي وجّهها الجنرال قاسم سليماني قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” الإيراني لشخصيات عراقية تجرّأت على الاعتراض على الإملاءات الإيرانية، بمن في ذلك مقتدى الصدر. قبل أسابيع قليلة وضع مقتدى الصدر نفسه في تصرُّف “المرشد” علي خامنئي عندما جلس جلسة التلميذ المطيع في مجلسه في طهران. يبدو أن ذلك ليس كافيا. ما هو مطلوب من مقتدى الصدر أن ينسى أنّه عراقي والقبول بأنّه مجرّد جندي آخر في جيش الوليّ الفقيه.

ليس ما تقوم به إيران في العراق أو في سوريا أو في لبنان سوى دليل ضعف. إنّه نتيجة الفشل في إيجاد نظام اقتصادي فعّال قابل للحياة في المدى الطويل. لهذا السبب، نرى حاليا إيران تسعى إلى تأكيد أنّها لن تتراجع لا في سوريا ولا في العراق ولا في لبنان ولا في اليمن؟ ففي سوريا، على سبيل المثال، هناك توسّع إيراني أكيد وصولا إلى مشارف حلب، لكنّ القرار السياسي السوري صار روسيّا أكثر مما هو إيراني، في وقت بدأت تطرح فيه أسئلة في موسكو عن جدوى وضع روسيا نفسها في خدمة مشروع إيراني لا مستقبل له. يحصل ذلك في حين أن المطلوب روسيّا هو استخدام سوريا ورقة في لعبة التجاذبات بين موسكو وواشنطن التي انسحبت عسكريا من الشمال السوري من دون أن تنسحب منه.

أين انكشف المشروع الإيراني؟ الجواب، بكلّ بساطة أنّه انكشف بعد حصول التغيير الأميركي في عهد دونالد ترامب. هناك للمرّة الأولى إدارة تعرف تماما ما هو النظام الإيراني وتتعاطى معه بطريقة مختلفة. لعلّ أهم ما يحدث حاليا هو وجود مفاوضات أميركية – إيرانية سرّية مباشرة وغير مباشرة. بعد كلّ جولة مفاوضات تلجأ الإدارة الأميركية إلى دفعة عقوبات جديدة على إيران، أو على أدوات إيرانية في العراق ولبنان. هذا ما يميّز الإدارة الحالية عن الإدارات السابقة، أقلّه إلى الآن. هناك شروط أميركية لا مفرّ لإيران من الرضوخ لها. هذه الشروط واضحة ومنطقية. فالمشكلة لم تكن يوما في الملفّ النووي الإيراني، كما كان يعتقد باراك أوباما والمحيطون به. المشكلة في سلوك إيران على الصعيد الإقليمي. هل هي دولة طبيعية أم لا… أمّ أنّها قوّة إقليمية تظن أن في استطاعتها لعب دور خارج حدودها، وجعل دول عربية معيّنة مجرد جرم يدور في فلكها؟

إلى ما قبل فترة قريبة، كان الاعتقاد السائد على الصعيدين الإقليمي والدولي، أن لا مجال لوقف الاندفاعة الإيرانية، خصوصا بعدما سلّمت إدارة جورج بوش الابن العراق على صحن من فضّة إلى “الجمهورية الإسلامية” في العام 2003، وبعدما اعتقدت طهران أن في استطاعتها التلاعب بأيّ إدارة أميركية واستخدامها في خدمة مشروعها. ليس تمرير الإدارة الأميركية لاغتيال رفيق الحريري في شباط – فبراير 2005 وحلول إيران مكان الوصيّ السوري على لبنان سوى دليل كانت طهران في حاجة إليه كي تترسّخ لديها قناعة بأن في استطاعتها التعاطي مع الإدارات الأميركية المختلفة، واحتواء ردود أفعالها بما يخدم مصالحها.

لا شكّ أن إيران ستحاول الصمود في وجه العقوبات الأميركية التي يبدو أنّها أثرت كثيرا عليها وجعلتها تلجأ إلى مزيد من العدائية، خصوصا في العراق ولبنان وداخل إيران نفسها حيث احتاج الأمر إلى ما يزيد على ثلاثمئة قتيل لإخماد الانتفاضة الشعبية الأخيرة، وهي انتفاضة قابلة لأن تتجدّد في كلّ لحظة في غير محافظة إيرانية.

يبدو أن الرياح تخدم الإدارة الأميركية في وقت ليس فيه ما يشير إلى أن دونالد ترامب سيخسر انتخابات تشرين الثاني – نوفمبر 2020، وذلك على الرغم من كلّ الصعوبات الداخلية التي يواجهها في الكونغرس، بما في ذلك سعي الديمقراطيين الذين يسيطرون على مجلس النواب إلى عزله.

لا يزال دونالد ترامب في موقع قويّ إلى إشعار آخر، في وقت هناك رهان إيراني على تغيير في أميركا في خريف 2020. لا تزال إيران تراهن على الديمقراطيين وعلى أنّهم سيعودون إلى المربّع الأوّل، أي إلى قناعة فحواها أنّ الملف النووي الإيراني يختزل كلّ مشاكل المنطقة وأزماتها، وأنّه يكفي التمسك بالاتفاق الموقّع صيف العام 2015 كي تنصرف طهران مجددا إلى هوايتها المفضلة، أي إلى لعب دور القوة الإقليمية المهيمنة التي تمارس السلطة في هذا البلد العربي أو ذاك، وتبتز أميركا وأوروبا في الوقت ذاته.

لا تدري إيران أن هناك صفحة طويت. هذه الصفحة هي صفحة ميليشياتها وذلك عاد ترامب إلى البيت الأبيض أم لم يعد. لا يعود طيّ الصفحة إلى أن المشروع الإيراني فشل فشلا ذريعا لأسباب اقتصادية أوّلا وأخيرا فحسب، بل يعود أيضا إلى أن على إيران عاجلا أم آجلا الاهتمام بالإيرانيين وليس بتهديد مقتدى الصدر، أو بالإتيان بحسّان دياب ليكون رئيسا لمجلس الوزراء في لبنان…

في كلّ الأحوال، سيتأكد في السنة 2020 أن المشروع الإيراني لا يمكن إلا أن يتراجع، لا لشيء سوى لأنّه مشروع مصطنع. من أين ستأتي إيران بتمويل لهذا المشروع في وقت صار لبنان بلدا مفلسا، وفي وقت أصبحت مرفوضة من معظم الشعب العراقي، من الشيعة قبل السنّة؟ فما تبيّن في نهاية المطاف أن سلاح العقوبات الذي في أساسه الدولار ناجع أكثر بكثير من أي ضربة عسكرية توجّه هنا أو هناك أو هنالك.

 

قد يهمك ايضا
لبنان والعراق وعامل الوقت
القطاع المصرفي وسقوط لبنان

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نحو طيّ صفحة الميليشيات الإيرانية نحو طيّ صفحة الميليشيات الإيرانية



GMT 15:33 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

شعر عربي اخترته للقارئ

GMT 15:29 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

شعر المتنبي - ٢

GMT 15:18 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

من شعر المتنبي - ١

GMT 23:58 2021 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

شعر جميل للمعري وأبو البراء الدمشقي وغيرهما

GMT 21:18 2021 الإثنين ,25 كانون الثاني / يناير

أقوال بين المزح والجد

GMT 18:42 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

الأميرة للا مريم تترأس اجتماعا بالرباط
المغرب اليوم - الأميرة للا مريم تترأس اجتماعا بالرباط
المغرب اليوم - جراحون يزرعون للمرة الثانية كلية خنزير لمريض حي

GMT 06:51 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

أفضل أنواع الستائر الصيفية لإبعاد حرارة الشمس

GMT 17:53 2024 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

محمد صلاح يضيف لرصيده 3 أرقام قياسية جديدة

GMT 13:50 2012 الخميس ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

البيئة النظيفة.. من حقوق المواطنة

GMT 21:44 2021 الأحد ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

أشهر الوجهات السياحية المشمسة في الشتاء

GMT 00:48 2021 الإثنين ,04 تشرين الأول / أكتوبر

إسبانيول يفاجئ ريال مدريد بخسارة مؤلمة

GMT 00:06 2021 الأحد ,03 تشرين الأول / أكتوبر

مباراة "قناة رقمية" تثير تساؤلات في جامعة أكادير

GMT 21:44 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك تغييرات في حياتك خلال هذا الشهر

GMT 22:47 2012 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

إشتقت إلى الرقص الشرقي وسعيدة بـ"30 فبراير"

GMT 11:34 2024 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

بايرن ميونخ يرفض رحيل توماس توخيل
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib