إيران بين الصبر الاستراتيجي والاقتصاد المقاوم

إيران بين الصبر الاستراتيجي والاقتصاد المقاوم

المغرب اليوم -

إيران بين الصبر الاستراتيجي والاقتصاد المقاوم

مصطفى فحص
بقلم: مصطفى فحص

يُتقن نظام طهران تغليف قراراته الاقتصادية والسياسية والثقافية بغطاء آيديولوجي، فقاموسه الثوري الغني بالمصطلحات العقائدية لم يزل يسعفه في إضفاء بُعد عقائدي على هذه القرارات، خصوصاً تلك التي صدرت بعدما أعادت واشنطن فرض عقوباتها المالية والنفطية عليه، فمنذ أن اتخذت إدارة البيت الأبيض قرارها بتصفير صادرات إيران النفطية، أعلنت طهران عن انتقال المواجهة مع الولايات المتحدة إلى مرحلة جديدة ومختلفة عن سابقاتها، أطلقت عليها شعار «الصبر الاستراتيجي»، القائم على معادلة تقطيع الوقت والالتفاف على تداعيات العقوبات والتعامل معها بصبر حتى نهاية ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترمب، حيث كان ولم يزل رهان طهران على سقوطه.

وقد سعت طهران منذ بداية العام الحالي إلى استدراج الإدارة الأميركية لمواجهة عسكرية تكتيكية تكون تداعياتها استراتيجية، فقد كان هدف طهران الاستراتيجي في حال تعرضها لضربة أميركية، إما جرّ واشنطن إلى طاولة المفاوضات، بعيداً عن شروط وزير خارجيتها مايك بومبيو، عبر الضغط الأوروبي والعالمي من أجل حفظ الاستقرار الدولي، وإما أن يلتف النظام على نفسه في حال تعرضه لضربة توجعه ولا تسقطه، سيستثمرها داخل الولايات المتحدة انتخابياً، حيث كانت طهران تُعَوّل على أن تتحول إلى ناخب مُرَجِّح في السباق الرئاسي الأميركي المقبل، وذلك في إطار المصالح المتبادلة بينها وبين الحزب الديمقراطي ومع مراكز الضغط التي تدافع عن الاتفاق النووي الذي أبرمته إدارة الرئيس السابق باراك أوباما معها، ولكن طهران صدمت بمواقف واشنطن وعواصم عربية مؤثرة قرروا عدم الانجرار وراء الكمين الذي نصبته إيران في الخليج، ومارست هذه العواصم بدورها صبراً استراتيجياً نزع من طهران واحدة من أقوى أوراق المواجهة.

في الآونة الأخيرة وبعد أحداث انتفاضة الوقود التي اجتاحت أغلب المحافظات الإيرانية، ووُصِفت بأنها أوسع حركة احتجاجات أفقية في إيران منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية سنة 1979، عاد النظام إلى معجم مفرداته العقائدية في مخاطبة الداخل، وذلك لتمرير واحدة من أضعف الموازنات المالية في تاريخ إيران الحديث، فتحت شعار «الاقتصاد المقاوم» قدم رئيس الجمهورية حسن روحاني ميزانية حكومته للعام الفارسي الجديد الذي يبدأ في 21 مارس (آذار) 2020، وقال روحاني أمام مجلس الشورى (البرلمان) إن «ميزانية العام المقبل، هي ميزانية مقاومة وصمود في وجه العقوبات، وسنعلن للعالم أنه رغم العقوبات، فإننا سندير البلاد، خصوصاً فيما يتعلق بالنفط».

لم يجد النظام إلا دعوة الشعب إلى الصمود لمواجهة العقوبات بميزانية لم تتجاوز قدرتها الإنفاقية 36 مليار دولار، لكنها تضمنت زيادة في الإنفاق على قوات «الحرس الثوري» و«الباسيج» حيث رفعت الحكومة حصة العسكر في الميزانية إلى نحو 5 مليارات دولار، وعززت نفقات المؤسسات العقائدية كافة التابعة للنظام من حوزات ومدارس تبليغ وجامعات، خصوصاً «جامعة المُصطفى العالمية» التي نالت حصة الأسد؛ إذ بلغت حصتها من الميزانية العامة التقشفية 26 مليون دولار، في الوقت الذي يواجه فيه الشعب الإيراني صعوبات اقتصادية وتراجعاً في القدرة الشرائية نتيجة السياسة الحكومية والعقوبات الأميركية، وتوقعات بانكماش في الاقتصاد يصل إلى نسبة 9.5 في المائة، وارتفاع بمستوى التضخم إلى 40 في المائة، وعجز 5 في المائة بالميزانية، إلا إن تقديرات صندوق النقد الدولي هي أن الميزانية الإيرانية تحتاج إلى سعر 194.6 دولار لبرميل النفط لتحقيق توازن في ميزانية العام المقبل، فيما وضعت الحكومة ميزانيتها على معدل 54 دولاراً للبرميل، حيث تعاني طهران من تراجع صادراتها النفطية إلى 80 في المائة بعد تطبيق واشنطن قرار تصفير النفط الإيراني.

وعليه؛ يقول المفكر اللبناني وضاح شرارة في كتابه «طوق العمامة»: «ربط الطاقم الحاكم في إيران منذ بداياته المضطربة وإرادته (تصدير الثورة) وبسط سلطانه الداخلي والساحق والتام على المحافظات والجماعات والموارد والحدود وعلى الأفراد، بمكانة إقليمية ودولية عالية ونافذة». إلا إن سلطانه الداخلي تعرض منذ أسابيع لزلزال لم تنتهِ ارتداداته ولم يتم احتواء نتائجه، خصوصاً أنه خَلّف انقساماً عمودياً بين الدولة والمجتمع ليس من السهل إعادة ترميمه أو ردم الهوة بينهما، فرفع شعار «الاقتصاد المقاوم والصمود» لن يؤمّن للنظام سطوة في الداخل يحتاجها لضمان استقراره في مرحلة يتعرض فيها نفوذه الخارجي في لبنان والعراق إلى ضربات قاسية تُذهب مكانته.

 

قد يهمك ايضا
لبنان... الطريق إلى الجمهورية الثالثة
لبنان بين صيغتين

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران بين الصبر الاستراتيجي والاقتصاد المقاوم إيران بين الصبر الاستراتيجي والاقتصاد المقاوم



GMT 15:33 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

شعر عربي اخترته للقارئ

GMT 15:29 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

شعر المتنبي - ٢

GMT 15:18 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

من شعر المتنبي - ١

GMT 23:58 2021 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

شعر جميل للمعري وأبو البراء الدمشقي وغيرهما

GMT 21:18 2021 الإثنين ,25 كانون الثاني / يناير

أقوال بين المزح والجد

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت - المغرب اليوم
المغرب اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 02:31 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

دراسة جديدة تكشف العلاقة بين الحب والسمنة
المغرب اليوم - دراسة جديدة تكشف العلاقة بين الحب والسمنة

GMT 02:15 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

ياسمين عبدالعزيز تفكر بالزواج مجددًا بعد طلاقها
المغرب اليوم - ياسمين عبدالعزيز تفكر بالزواج مجددًا بعد طلاقها

GMT 06:16 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

سعر الذهب في المغرب اليوم الإثنين 03 نوفمبر/تشرين الثاني 2025

GMT 21:44 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك تغييرات في حياتك خلال هذا الشهر

GMT 16:06 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

لا تتهوّر في اتخاذ قرار أو توقيع عقد

GMT 18:33 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 20:18 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

وفاة خالة الشقيقتين المغربيتين صفاء وهناء

GMT 14:36 2019 الإثنين ,10 حزيران / يونيو

الرئيس اللبناني ميشال عون يلتقي وفدًا أميركيًا

GMT 12:29 2019 الخميس ,30 أيار / مايو

مجلس الحكومة يعيد تنظيم مسرح محمد الخامس

GMT 05:01 2019 الأربعاء ,10 إبريل / نيسان

دافنشي كان يكتب بيديه الاثنتين بكفاءة

GMT 23:51 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

رامز جلال يسخر من غادة عبد الرازق والأخيرة تتوعد له

GMT 12:50 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

22لاعبًا في لائحة فارس النخيل استعدادًا إلى مواجهة الوداد

GMT 07:54 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

ملك إسبانيا يخفض راتبه بنسبة 7.1%

GMT 04:51 2017 الأربعاء ,19 إبريل / نيسان

مصر تتصدر العرب فى الحرب على الفتنة.. المصنعة!

GMT 15:08 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هيمنة المتشددين على المجتمع الطلابي في جامعة وستمنستر
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib