لبنان الدولة المعلّقة

لبنان... الدولة المعلّقة

المغرب اليوم -

لبنان الدولة المعلّقة

مصطفى فحص
بقلم - مصطفى فحص

فقط في لبنان، المخالف للطبائع والطبيعة وعكسها، يراوح الزمان مكانه، وحتى الطبيعة التي ترفض الفراغ تعيد ملأه بفراغ آخر. وكأن هذا الكيان، منذ نشأته، يعيش في فراغ مستمر. كيان لم تملأ طوائفه أكثر من مكانها، وتملأ أحزابه أقل من مكانها، أما أفراده، فما زالوا منذ قيامته وحتى يوم القيامة يبحثون عن مكان.

في الطبيعة، أو من الطبيعي، أن تكون الدولة مكاناً نهائياً للجميع: للطوائف إن كانت نعمة، وللجماعة الطائفية حتى لو كانت عِلّة، وللأحزاب إن كانت حقيقية، وللأفراد إن كانوا مصرّين على المواجهة. لكن الطبيعة الطائفية، التي يمكن عدّها ما فوق السياسية، فيما يمكن تسميته باسم «الاستعصاء والاستثناء اللبنانيين»، هي القطع والوصل، أي الشيء ونقيضه، في تركيبة الاجتماع والدولة.

منذ الاستقلال، يشكو اللبنانيون من فراغٍ ما، فكل طائفة أو حزب أو جماعة أو فرد يغنّي على فراغه، ويعلّقه على جدار الآخر، المعلّق على جدار الدولة. ودولة الطوائف، من الاستقلال 1943 إلى الطائف 1989، وما بعد الطائف 2005 حتى 2025، اعتاد أولياء أمرها ملء الفراغ بالفراغ؛ أي الهيمنة على الآخرين بما تيسّر من فوائض ميسّرة، هي في الحقيقة ليست إلا تعليقاً للدولة ودورها، وحصر تمثيلها وقرارها بمن استشعر قوة زائدة مرحلية، واستخدمها لممارسة سلطته على فراغ الآخرين.

وفي وصف الفراغ، وكأن الدولة من الفراغ وإليه تعود. فملء فراغها ليس في إنهاء الفراغ الدستوري ولا في حكومة جديدة فقط، ففي وصف حالتنا الآن، ليس الفراغ غياباً في المناصب أو الأشخاص، بل هو غياب للدولة ومؤسساتها ودورها الفاعل واستقلاليتها. ما يعني أن مثلث الفراغ الحالي واضح: الأول تشريعي من خلال القبض على عمل البرلمان، أما الثاني فهو سيادي من خلال ازدواجية القرار، فالدولة تواجه صعوبة في احتكار قرار العنف أو أحادية قرار الحرب والسلم، والثالث إصلاحي من خلال قدرة المنظومة الفاسدة على تعطيل الإصلاحات المالية والاقتصادية. والأخطر في تداعيات هذه الثلاثية، أنها تعزز فراغاً آخر هو مجتمعي، في انعدام ثقة المواطنين تقريباً بالدولة كحامٍ ومنقذ، مما يدفع إلى العودة إلى سلطة الطوائف وأحزابها.

في الزمان اللبناني المعلّق، تعاني الدولة والمجتمع من تعطيل سياسي ومؤسساتي، وكأن الزمان متوقف ومهدد بانفجار جديد للنظام الطائفي، بعد الانفجار الأول عام 1975 (الحرب الأهلية)، والثاني عام 2005 (اغتيال الرئيس رفيق الحريري). فالدولة المرجوّة عالقة بين عهدين: قديم له أسس قوية، وجديد مرتبك؛ فرئيسا الجمهورية والحكومة اللذان يشكّلان العهد الجديد، الأول حائر بين الدور والصلاحيات، وفي موقعه دوره لا يحتاج إلى صلاحيات، أما الثاني فعالق بين الصلاحيات والدور، ولا يمكنه فصلهما عن بعضهما بعضاً، أما العهد القديم الممثَّل برئيس مجلس النواب، فهو الراسخ في مكانه ودوره وفعله.

وعليه، فإن الدولة المعلّقة في لبنان في حالة انتظار، والانتظار هنا متعدد، وفي بعض جوانبه سيّئ. فهناك من ينتظر الحرب ونتائجها، أو انكسار جماعة طائفية لتملأ فراغها جماعة أخرى، وهناك من ينتظر استقامة سياسية في لحظة تخلٍّ، أما البعض منا، فإما بانتظار انتخابات نيابية قد لا تغيّر الكثير، وإما بهجرة من الدولة أو هجرها.

 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان الدولة المعلّقة لبنان الدولة المعلّقة



GMT 18:25 2025 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

المبالغة في التحذيرات “مثل قلتها”

GMT 18:23 2025 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

حقّاً أهرام

GMT 18:19 2025 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

أمامَ محكمة الرُّبعِ الأول

GMT 18:17 2025 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

مِثال علاء عبد الفتاح

GMT 18:14 2025 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

لبنان ومخاطر الإدارة المجتزأة

GMT 18:10 2025 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

فى متحف الشمع!

GMT 18:05 2025 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

شيطنة الجسد الأنثوى

GMT 18:01 2025 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

الحكاية ليست «الملحد»

نادين نسيب نجيم تتألق بإطلالات لافتة في عام 2025

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 18:59 2025 الثلاثاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

اعتقال 21 شخصا على صلة بالنظام السابق في اللاذقية السورية
المغرب اليوم - اعتقال 21 شخصا على صلة بالنظام السابق في اللاذقية السورية

GMT 15:05 2025 الثلاثاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

الاعتراف رسميًا بنوع خامس جديد من مرض السكري
المغرب اليوم - الاعتراف رسميًا بنوع خامس جديد من مرض السكري

GMT 13:59 2025 الخميس ,18 كانون الأول / ديسمبر

انستغرام يطلق تطبيق Reels مخصص للتليفزيون لأول مرة

GMT 19:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يتيح أمامك هذا اليوم فرصاً مهنية جديدة

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 15:51 2021 الأربعاء ,20 كانون الثاني / يناير

التعليم عن بعد في مؤسسة في سطات بسبب انتشار "كورونا"

GMT 00:41 2016 السبت ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

Ralph&Russo Coutureِ Fall/Winter 2016-2017

GMT 01:36 2017 الأحد ,01 تشرين الأول / أكتوبر

نورتون يعرض منزله المميّز المكوّن من 6 غرف نوم للبيع

GMT 15:06 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

تألق كيني ومغربي في نصف ماراثون العيون

GMT 00:29 2025 الجمعة ,08 آب / أغسطس

توقعات الأبراج اليوم الجمعة 08 أغسطس/آب 2025

GMT 18:23 2022 الإثنين ,24 كانون الثاني / يناير

شقيق محمد الريفي يفجرها"هذا الشخص وراء تدهور صحة أخي"
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib