العمارة السودانية السواحلية

العمارة السودانية السواحلية

المغرب اليوم -

العمارة السودانية السواحلية

بقلم - مصطفى فحص

من بيروت إلى بغداد، اتسعت وحشة الطرقات، وعلى جانبيها قمصان سوداء وحواجز ملثمين وأقنعة قناصين، ويزداد قلقي كلما حاولت التدقيق في ملامح ضحاياهم، ويعتريني الخوف كلما طمرت هوية القاتل وعلقت صورة المقتول. بالأمس رفع العراقيون صورة هشام الهاشمي مقتولاً، وأعلنوا التحاقه بصفاء السراي ورفاقه الـ600 الذين سقطوا برصاص القناصين، ولكن هل يدرك القناص أو القاتل المُلثم الفرق بينه وبين ضحيته، بين من يخفي وجهه ليغطي فعلته ومن يشهر وجهه ويقول كلمته؟!
في الأمس، وجّه القاتل رصاصه إلى جسد هشام، لكن المُستَهدف كل ما ينتمي إليه هشام. كانت الفوضى تحذر الدولة من ألا تقترب أكثر، ومن أن رأسها سيصبح هدفها التالي، منذ مساء الاثنين بات مصطفى الكاظمي في مرمى القناص، الذي حذره من أي محاولة لنزع الأقنعة، ومن مغبة مد يده على سلاحه ومكاسبه وغنائمه.
اغتيال هشام الهاشمي في هذا المنعطف الخطير من تاريخ العراق، هو أعنف رسالة توجه إلى مصطفى الكاظمي منذ تسلمه رئاسة الوزراء، تطال دائرته الضيقة والمقربين منه، وتحاول إسكاتهم أو إخضاعهم بهدف إيقافه ومنعه من تنفيذ وعوده، وتجريده من الكفاءات الوطنية المحيطة به التي بنت تجربتها خارج السياقات السياسية، لا أحزاب السلطة التي عبثت بالدولة، كما كانت جزءاً من انتفاضة أكتوبر (تشرين الأول) وتبنت مطالبها، وبات الكاظمي في هذه اللحظة ومن باب الثائر لدم هشام مُطالب بتنفيذها، حيث لم يعد أمامه إلا حلّ من اثنين؛ إما التسليم بالواقع والاعتراف بالعجز، وإما المواجهة التي ستحرره من ابتزاز أحزاب السلطة وتجنبه مواجهة الشارع الذي لم يعد يقبل بأنصاف الحلول.
لا أحد في العراق يعرف تفسير الخوف بقدر ما يعرفه مصطفى الكاظمي، وهو الذي كان كتاب «جمهورية الخوف» جزءاً أساسياً من تكوينه السياسي والمعرفي، فقبل أن يكون رئيساً لجهاز المخابرات، عمل الكاظمي لعقد من الزمن على تدوين وتوثيق وتسجيل جرائم النظام السابق، وجمع ذاكرة شفوية لعشرات الآلاف من ضحاياه، وطالب بتطبيق العدالة لهم وليس الانتقام، وهو الآن مطالب أيضاً بتطبيق العدالة لصديقه هشام وكل الذين سقطوا برصاص الملثمين والقناصين، لحماية من تبقى في بغداد ومدن العراق الأخرى ممن يؤمنون بخيار الدولة والسيادة والعدالة.
في دولة البعث أقام صدام حسين جمهورية من الرعب والخوف وجلس على رأسها، أما في عراق ما بعد البعث، فتعددت الرؤوس وضاعت الدولة وعبث القناصون بمؤسساتها وأعادوا إنتاج جمهورية الخوف والرعب، فبعد 17 عاماً انتقل العراق من استبداد الفرد إلى الاستبداد الديني، الذي أفرغ الدولة وهدم فكرتها وتصرف بالعراق ساحة لا وطناً، وأمعن في قسوته إلى أن استعاد شباب الأول من تشرين زمام المبادرة، فتحولت ساحة التحرير إلى ساحة نزال ما بين القناصين الملثمين وجيل ما بعد البعث، بين من يرى شرعية سماوية لعنفه ومن يرى شرعية وطنية لمطالبه.
هو ليس الاغتيال الأول ولكن يجب أن يكون الأخير، ولكي يكون كذلك على القائمين على الدولة ألا يترددوا في استخدام ما يمتلكون من أدوات القوة والسلطة والعدالة، حتى لو كانت التكلفة مؤلمة وكبيرة لحماية ما تبقى من العراق من الفوضى التي لن تتردد في اغتيال كل من يشبه هشام.
يا صديقي أنا حزين، سألتني صباحاً متى أعود إلى بغداد، فقلت لك إني لست مستعجلاً على حياتي، أجبتني بلهجتك البغدادية: «أنتم السادة شنو عليكم مين يقرب منكم مو مثلنا»، وثم ضحكت وقلت: «يا معود تعال ماكو شي»...
أصبت هذه المرة ولم تصب، لكنك أصبتني بحزن ووحشة، ووجع انتظارك وحيداً في شوارع بيروت والكرادة وأبو نواس والجادرية...
هشام.. يا وحشة الطرقات... لا خبر يجيء من العراق، وداعاً.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العمارة السودانية السواحلية العمارة السودانية السواحلية



GMT 15:33 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

شعر عربي اخترته للقارئ

GMT 15:29 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

شعر المتنبي - ٢

GMT 15:18 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

من شعر المتنبي - ١

GMT 23:58 2021 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

شعر جميل للمعري وأبو البراء الدمشقي وغيرهما

GMT 21:18 2021 الإثنين ,25 كانون الثاني / يناير

أقوال بين المزح والجد

GMT 02:25 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

نصائح لجعل المنزل أكثر راحة وهدوء
المغرب اليوم - نصائح لجعل المنزل أكثر راحة وهدوء

GMT 09:48 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

قافلة طبية جراحية تتدخل في إقليم ميدلت
المغرب اليوم - قافلة طبية جراحية تتدخل في إقليم ميدلت

GMT 06:26 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الثور الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 18:41 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

محمد صلاح يعادل رقماً تاريخياً في الدوري الإنكليزي

GMT 23:21 2021 الأحد ,05 أيلول / سبتمبر

أفضل فنادق شهر العسل في سويسرا 2021

GMT 01:18 2021 السبت ,24 تموز / يوليو

صارع دبا لمدة أسبوع وصدفة أنقذت حياته

GMT 04:34 2019 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

سلاف فواخرجي تنعي المخرج شوقي الماجري عبر "إنستغرام"

GMT 19:14 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

الآثار المصرية تنقل 4 قطع ضخمة إلى "المتحف الكبير"

GMT 17:46 2014 السبت ,14 حزيران / يونيو

"سابك" تنتج يوريا تزيد كفاءة محركات الديزل

GMT 15:11 2012 الخميس ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

البيئة النظيفة.. من حقوق المواطنة

GMT 19:42 2014 الثلاثاء ,26 آب / أغسطس

"إل جي" تكشف رسميًا عن هاتفها الذكي LG G3

GMT 04:38 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

مارغريت ريدلمان تُشير إلى أسباب الصداع الجنسي

GMT 15:33 2022 الأحد ,23 تشرين الأول / أكتوبر

طرق لإضفاء المساحة على غرفة الطعام وجعلها أكبر

GMT 15:10 2021 الإثنين ,11 تشرين الأول / أكتوبر

إطلالات أنيقة وراقية للنجمة هند صبري

GMT 11:44 2020 الإثنين ,26 تشرين الأول / أكتوبر

أفكار مذهلة لزينة طاولات زفاف من وحي الطبيعة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib