الكل هاوِِ والكرة محترفة

الكل هاوِِ.. والكرة محترفة!

المغرب اليوم -

الكل هاوِِ والكرة محترفة

عبد الله الدامون

عندما حدثت تلك الفاجعة في ملعب محمد الخامس الأحد الماضي، وزهقت أرواح مشجعين رجاويين في «اقتتال داخلي» غريب، استغل البعض ذلك ودعوا على الفور إلى إغلاق ملاعب الكرة، وزادوا على ذلك بأن طالبوا بتحويل أرضيتها إلى مزارع للبصل. يجب أن نعترف بالمشكلة، أولا، كي نبحث عن حل، فليس من الممكن إغلاق الملاعب مثلما لا يمكن كذلك إغلاق المدارس والجامعات بسبب سقوط أرواح على أبوابها، وكم من أرواح سقطت داخل وحول مؤسساتنا التعليمية والجامعية. على مدى العقود الماضية قتل العشرات من الطلبة في صراعات دموية شرسة في الجامعات المغربية من أقصى البلاد إلى أقصاها، لكن لا أحد يطالب بإغلاق الجامعات، لكن الناس يجدون سهولة كبيرة في المطالبة بوقف مباريات الكرة وإغلاق الملاعب بعد سقوط أول ضحية، وشتان ما بين طلبة جامعيين قمة في الوعي وبين مشجعين كرويين قطع من الجهل. يجب أن نتذكر جيدا ما قاله «فلاسفة كرويون» من أن الكرة أفيون الشعوب، ليس لأنها أفيون حقيقي، بل لأن الكثير من الأنظمة الخائفة من شعوبها الجائعة والجاهلة والفقيرة، جعلت من الكرة وسيلة لتفريغ الغضب والأحقاد ونسيان الهموم، لذلك كان من الطبيعي أن توجد فرق قوية وملاعب كبيرة في بلدان لا تجد ما تأكله. لنتذكر ما فعله فرانكو بالإسبان في وقت لم يكن الناس يجدون ما يسدون به رمقهم. ففي الوقت الذي كان عدد كبير من الإسبان يربطون سراويلهم بالحبال لأنهم لا يملكون القدرة لشراء أحزمة، وأيضا لأنهم يتوارثون السراويل أبا عن جد، كانت في البلاد هستيريا كروية حقيقية، وصارت فرق مثل ريال مدريد وبرشلونة وأتلتيكو مدريد تصنع الرأي العام الإسباني، الذي يفرغ كل أسبوع إحباطاته في ملاعب كرة عملاقة، ثم يمضي الناس باقي أيام الأسبوع في انتظار المباريات المقبلة، وفوق كل هذا اشتدت العداوة والبغضاء بين كل مناطق البلاد بسبب الكرة، بينما فرانكو يمسك بعنق الشعب كله بيد من حديد. كان ذلك أفيونا حقيقيا استخدمه دكتاتور يعرف ما يفعل، لكن فرانكو رحل وبقيت فرق الكرة وجمهور الكرة وملاعب الكرة، وها هي تدر اليوم على البلاد الكثير من المال والمجد وملايين السياح الذين يحلمون بمشاهدة مباراة في «البيرنابيو» أو «النوكامب». لقد تحول الأفيون إلى منجم ذهب، وذهبت الدكتاتورية وجاءت الديمقراطية، والملاعب عامرة كل أسبوع والاقتصاد يدور ويدور. لكي نتوقف عن إطلاق الدعوات غير المنطقية بوقف مباريات الكرة يجب أن نفهم أن المشكلة ليست في الكرة، بل في الظروف العامة المحيطة بالكرة، فالمغرب بلد متخلف، رغم أنه أجمل بلد في العالم، وهذه أول مرة في تاريخ البشرية يتزاوج فيها التخلف المزمن مع الجمال المطلق. بلادنا تحتاج إلى زمن طويل كي تكتشف شيئا اسمه التقدم والازدهار، لكن ذلك لم يمنعنا من الكذب على أنفسنا، فسمينا البطولة المغربية في كرة القدم بطولة احترافية، بينما لا شيء عندنا يسير بمقاييس احترافية، بدءا بأصحاب المناصب السياسية العالية وانتهاء بماسحي الأحذية. أردنا أن نكون مزدهرين في الكرة فقط وبنينا الملاعب الكبيرة في المدن الكبيرة كي نملأها بكثير من الشباب والمراهقين المحبطين والمنقطعين عن الدراسة، أو من الجهلة الذين يعتقدون أن الكرة هي كل شيء، وما عداها لا شيء. الذين يطالبون بإغلاق الملاعب ووقف مباريات الكرة بسبب ما جرى مؤخرا لا يطالبون بذلك عندما يسمعون باستمرار عن فرق تشتري البطولات كما تشتري البطاطا، وعن لاعبين وحكام ومسؤولي فرق يتاجرون في المباريات كما لو أنهم في سوق الجملة. إذا كان لا بد من إغلاق ملاعب الكرة فليكن ذلك من أجل أشياء كثيرة فاسدة، في الكرة وفي غير الكرة. لسنا أغبياء كي نقول إن الشغب في الملاعب غول لا يستطيع أحد إيقافه، وإلا لماذا استطاعوا وقف احتجاجات شعبية كثيرة كانت تناهض الفساد والرشوة، بينما لا يستطيعون إيقاف حفنة من مشاغبي الملاعب؟! ولماذا يلاحقون فقط أولئك المواطنين الصالحين الذين يطالبون بإنقاذ هذه البلاد من الإفلاس، بينما لا يعرفون كيف يطاردون بضعة رؤوس من مثيري الشغب في الملاعب؟ ولماذا يتدخل رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، من أجل العفو عن مشاغبين زرعوا الرعب بين سكان وتجار الدار البيضاء، بينما لا يتدخل للعفو عن شرفاء يتابعون ظلما وعدوانا؟ 
فوق كل هذا وذاك يسمون مباريات الكرة بطولة احترافية، مع أن لا أحد في هذه البلاد يريد أن يمارس عمله بشرف واحترافية. الكل هاو.. والكرة محترفة. عجيب!!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الكل هاوِِ والكرة محترفة الكل هاوِِ والكرة محترفة



GMT 08:09 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

جرأة نواف سلام ... في استقبال هنيبعل !

GMT 08:08 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الشيخان

GMT 08:07 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل الردع الأميركي تقرره روسيا في أوكرانيا

GMT 08:06 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

لماذا الهُويّة الخليجية؟

GMT 08:01 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

جيش السودان... لا جيش «الكيزان»!

GMT 08:00 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

هل تعود مجوهرات اللوفر المسروقة؟

GMT 08:00 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

البابا ليو: تعلموا من لبنان!

GMT 07:59 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الطبع الأميركي يغلب التطبع!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت - المغرب اليوم
المغرب اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 02:15 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

ياسمين عبدالعزيز تفكر بالزواج مجددًا بعد طلاقها
المغرب اليوم - ياسمين عبدالعزيز تفكر بالزواج مجددًا بعد طلاقها

GMT 06:16 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

سعر الذهب في المغرب اليوم الإثنين 03 نوفمبر/تشرين الثاني 2025

GMT 21:44 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك تغييرات في حياتك خلال هذا الشهر

GMT 16:06 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

لا تتهوّر في اتخاذ قرار أو توقيع عقد

GMT 18:33 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 20:18 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

وفاة خالة الشقيقتين المغربيتين صفاء وهناء

GMT 14:36 2019 الإثنين ,10 حزيران / يونيو

الرئيس اللبناني ميشال عون يلتقي وفدًا أميركيًا

GMT 12:29 2019 الخميس ,30 أيار / مايو

مجلس الحكومة يعيد تنظيم مسرح محمد الخامس

GMT 05:01 2019 الأربعاء ,10 إبريل / نيسان

دافنشي كان يكتب بيديه الاثنتين بكفاءة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib