القاضي الشرفي

القاضي الشرفي!

المغرب اليوم -

القاضي الشرفي

بقلم : رشيد مشقاقة

أُخْبِرَت القاضية المتقاعدة برفض طلب منحها صفة القاضي الشرفي، وذكر لها المخبر أسماء من حصلوا عليها، وواساها قائلا: “ليست هناك معايير محددة للاستفادة من صفة القاضي الشرفي، ثم إنها لا تسمن ولا تغني من جوع”! وقد أبدت القاضية أسفها وغضبها وهي تحكي لي الواقعة!

ولعل هذه الجزئية كانت من بين ما انتقد المنتدى المغربي للقضاة الباحثين إبان إعداد مشروع القانون التنظيمي للقضاة وللمجلس الأعلى للسلطة القضائية، فهي بنصها القديم تدخل ضمن الصيغ الفضفاضة التي تَسْتَأسِدُ فيها السلطة التقديرية ومبدأ سلطان الإرَادَة بدون حسيب ولا رقيب، ولم يقبل القائمون على إعداد القانونين التنظيميين أعلاه باقتراحاتنا في إعادة صياغة المادة المنظمة للقاضي الشرفي، فأعادوا كتابتها حرفيا بنفس المفردات اللفظية، فجاءت المادة 105 كالتالي:

» يمكن للمجلس أن يمنح صفة قاض شرفي للقضاة المحالين على التقاعد الذين قدموا خدمات جليلة ومتميزة للقضاء والعدالة، ويدعون بهذه الصفة لحضور الاحتفالات الرسمية التي تقيمها المحاكم.

لا يترتب عن صفة القاضي الشرفي أي امتيازات عينية أو مالية.

لا يجوز للقاضي الشرفي استعمال صفة القاضي إلا مع الإشارة إلى كونه قاضيا شرفيا «.

نحن انتقدنا الأسلوب الغامض غير المجدي الذي يصبح به قاضي أو قاضية ما، شرفيا دون أن تكون هناك فِعلا مساهمة فعلية واقعية صادقة في تقديم خدمات جليلة ومتميزة للقضاء والعدالة كما يقتضيها القانون.

كما انتقدنا الحمولة الجوفاء الفارغة التي تعبر عنها هذه الصفة، وفي الوقت ذاته حز في أنفسنا أن يتباهى بها – على علاتها تلك – من لا يستحق حتى صفة قاض، فبالأحرى أن يكون قاضيا شرفيا!(…)

ليس في نص المادة 105 من القانون أعلاه ما يقيد المجلس الأعلى للسلطة القضائية الجديد بشروط ما في منح صفة القاضي الشرفي، فهو إعادة مُمِلَّة للمقتضى السابق، وبذلك كانت ضرورة حضور الجمعيات المهنية للقضاة إِبَّانَ صياغة هذا المقتضى ومقتضيات أخرى تسيطر فيها السلطة التقديرية والانتقائية والمزاجية وتبادل المصالح بأحكام فاعلة، ولعلها من بين الإخفاقات التي أثرت بشكل سلبي على متانة وجرأة وفعالية القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية!

ليست صفة القاضي الشرفي إكرامية تمنح للنادل، أو إجراء تعبديا بلا هدف، فالقوانين التنظيمية المقارنة تسند هذه الصفة إلى أولئك الذين أبلوا البلاء الحسن في إثراء مجالهم الذي اشتغلوا فيه علما وعملا، لا قولا ونفاقا وتزلفا ورياء، ولا تقتصر وظيفتها على دعوة الحاصلين عليها في أية مناسبة لحضور مراسيمها، فيرتدون بدلاتهم الزرقاء ويوزعون نظراتهم بين الحضور، بل تنصرف وظيفتها بالأساس إلى إعلان مَانِحِيهَا لهذه الفئة أن القضاء لازال مُمْتنا لأعمالهم ولإشْرَاكِهم في تصاريف أشغاله في القوانين والاجتهادات القضائية ويسمع لمشورتهم، وهم بهذا المعنى يَظَلُّونَ قضاة مُسْتَمِرِّينَ في إغناء صفة القاضي الشرفي التي يَحْمِلُونَهَا، وهو ما لا يُفَعَّل في من استحوذ عليها بدون وجه حق، فهو إما منغمس إلى أخمص قدميه في تجارته أو مهنته الحرة، ناسيا أنه كان يوما ما قاضيا أو كانت قاضية، فبالأحرى أن يكون قاضيا شرفيا أو قاضية شرفية!

يحتاج القانون التنظيمي للقضاة والمجلس الأعلى للسلطة القضائية إلى مقتضيات قانونية مُفَسرة في شكل مناشِير أو دوريات ودلائل لِتَقْيِيد ما هو مطلق وَتَتَحَكَّمُ فيه المزاجية والتعسف في استعمال الحق، سواء تعلق الأمر في إسناد المسؤوليات أو التمديد أو إضفاء صفة القاضي الشرفي. يقول القانون إنَّه يمنع على من منحت له هذه الصفة أن يَقْرِنَ كَلِمَةَ قَاضٍ بذكر كلمة »شرفي «حتى لا يقع التباس إلاّ إذا قرنها بصفة شرفي، فإذا أصبح تاجرا أو مقاولا أو احترف مهنة حرة أخرى، وقطع أسلاك اتصاله بِمِهْنَتِه الأم التي هي القضاء، ولم يُفَعِّل تِلْكَ الصفة التي غصبها من مستحقيها سواء بعد أن منحت له أو لَمَّا كان مستأسِدا بوظيفته، فكيف تناديه بالقاضي الشرفي؟! وَتَسْتَدْعيه لِحضور الحفلات والمهرجانات!

ليست صفة القاضي الشرفي بطاقة لحضور الحفلات، بل هي تقدير لمجهود بُذِل، ولآخر يَنْبَغِي أن يستمر إلى أن يلبي القاضي أو القاضية داعي ربه، ولعل هذه أضغاث أحلام، لن تتحقق إلاّ بتغيير العَقْلِيَات!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القاضي الشرفي القاضي الشرفي



GMT 04:53 2017 الأربعاء ,17 أيار / مايو

غَنِّي لِي شْوَيَّ وْخُذْ عينيَّ!

GMT 04:46 2017 الأربعاء ,10 أيار / مايو

السَّمَاوِي!

GMT 05:44 2017 الأربعاء ,03 أيار / مايو

شُفْتِنِي وَأَنَا مَيِّت!

GMT 04:55 2017 الأربعاء ,19 إبريل / نيسان

لاَلَّة بِيضَة!

GMT 05:42 2017 الأربعاء ,05 إبريل / نيسان

الصَّرْدي مفخرة وطنية!

أيقونة الجمال كارمن بصيبص تنضم لعائلة "Bulgari" العريقة

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 15:05 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

نادين نجيم تكشف عن علامتها التجارية الخاصة
المغرب اليوم - نادين نجيم تكشف عن علامتها التجارية الخاصة

GMT 14:23 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

طرق سهلة لتحسين صحة الأمعاء والحفاظ عليها
المغرب اليوم - طرق سهلة لتحسين صحة الأمعاء والحفاظ عليها

GMT 19:55 2024 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مولود برج الحمل كثير العطاء وفائق الذكاء

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 11:44 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

زلزال بقوة 5.3 ريختر يضرب شرق إندونيسيا

GMT 19:28 2024 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

ماكرون يلمح لانتقال مبابي إلى الريال

GMT 19:47 2024 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

حكيمي أساسي في قمة برشلونة وباريس

GMT 18:52 2024 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

خافيير باستوريؤكد أنّ عودة حكيمي سيغير الكثير
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib