اللياقة السياسية

اللياقة السياسية

المغرب اليوم -

اللياقة السياسية

بقلم : نور الدين مفتاح

سيعود ملك البلاد إلى الرباط، وستبدأ طاحونة المعارك الجديدة تدور، فكسب معركة من مثل العودة للاتحاد الإفريقي ليس هو كسب الحرب، كان لنا حق الاحتفاء وربما الاحتفال، ولكن تؤخذ الدنيا غلابا.

أسئلة شائكة على المستوى الديبلوماسي هي منتصبة الآن، وخرجة الوزير المنتدب في الخارجية ناصر بوريطة طرحت جزءا منها بردة فعله على اعتبار الجزائر والبوليساريو أن دخول المغرب إلى الاتحاد الإفريقي هو اعتراف بالجمهورية العربية الصحراوية وتطبيلهما لهذا في إعلامهما. والذي اطلع على ما نشرته "جون أفريك" في عددها الأخير حول تفاصيل المداولات التي دامت ثلاث ساعات بين رؤساء الدول سيمسك بخيط الصعوبات التي تنتظرنا، وبحجج الخصوم التي ستعاركنا في القريب بمضمون الفصل 42 من الدستور المغربي، الذي يقول إن الملك هو ضامن استقلال البلاد وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقّة. وتجرأ زعيم البوليساريو على القول في ذات الاجتماع إن هذه الحدود الحقة للمملكة تهدد أربع دول، ملمحا بخبث إلى الحادثة الديبلوماسية الناجمة عن التصريح الأرعن للسيد حميد شباط من كون موريطانيا أراضي مغربية محضة.

وإذا كان وجه العملة الجيد هو أن منبر الاتحاد الإفريقي لن يبقى لطرف واحد يستعرض فيه عضلاته ويدين المغرب في غيابه، وسيصبح للمغرب صوت ولأصدقائه سند، فإن وجه العملة الآخر هو أننا سنضطر للصبر على الجلوس مع جمهورية صحراوية لا تتوفر فيها مقومات الدولة وسنخوض حربا قانونية ومسطرية شرسة داخل هذا الاتحاد، وسنضطر للاجتهاد في مستجدات كانت محلولة قبل دخولنا، وهي مثلا أن القمة الهندية الإفريقية أو الفرنسية أو العربية الإفريقية لم تكن تتم بحضور البوليساريو لأنها بسببنا لم تكن قمة لهؤلاء مع الاتحاد الإفريقي، واليوم سيصعب أن نفرض على الآخرين عدم الجلوس مع جمهورية لا نعترف بها ونحن نجلس معها داخل الاتحاد.

ولا أعتبر هذا مدعاة للخوف، ولكن من الحصافة ألا يعتقد الرأي العام المغربي المتشبث بوحدته الترابية أن عودتنا للاتحاد هي نهاية المشكلة، بل إنها بداية لـ "الجهاد الأكبر"، ولهذا لابد أن يختار المغرب من أبنائه أكفأهم، وأخلصهم وأدراهم بالقانون والسياسة، لتمثيله في هذه الحرب السياسية التي انطلقت والتي لن تقبل الأخطاء ولا التثاؤب الذي نعرفه في بعض جوانب الديبلوماسية المغربية، فهذا الذي يبنى في إفريقيا هو كل متراص إذا ضعفت فيه لبنة اهتز البنيان، وبما أن المعارك شرسة فلا زبونية ولا تساهل ولا "صاحبي" حيث يجب أن يكون الجنود الأكفاء.

إن المغامرة في السياسة خطرة، ولكن المجازفة مطلوبة، وهذا ما قمنا به لحد الآن، وكسبنا دخولا لساحة الوغى، فلابد من تثمين المعرفة- وأستغرب كيف يتم التفكير اليوم في إغلاق معهد الدراسات الإفريقية- مع أن دولة كالولايات المتحدة الأمريكية لا تتخذ قراراتها المصيرية إلا بسند من مراكز البحوث الاستراتيجية (Think thanks) ولابد من رص الجبهة الداخلية وتعزيز دولة الحق والقانون، وإعطاء الإشارة تلو الأخرى في أن الانتقال الديموقراطي في المغرب وإن كان بطيئا فهو خيار لا رجعة فيه.

لابد أن نعود لنسلط الضوء على مآل العشر مليارات من الدولارات التي خصصت للنهوض بأقاليمنا الجنوبية، وأين وصلت المشاريع المبرمجة وأين وصل معها إخواننا الصحراويون، لابد أن نواصل البناء في الإنسان المغربي الصحراوي، لأن الانفصال نزعة تبدأ بإحساس بالحكرة وتتحول إلى موقف سياسي لا إرادي.

إننا بعيد أيام على عودتنا للاتحاد الإفريقي استفقنا على صراع جديد مع الاتحاد الأوربي من مخلفات الحكم  الاستئنافي للمحكمة الأوربية الذي يستثني أقاليمنا الجنوبية، نعم سنتحدى هذا الاتحاد لأنه كما قال بنوع من البسط والتبسيط رئيس فيدرالية الفلاحة بكنفدرالية أرباب العمل المغاربة: "القضية الوطنية أحسن من ثمانية الكوربات ديال ماطيشة نصدروهم"، ولكن تنتظرنا معارك مع خصوم شرسين استعملوا كل الأساليب وسيواصلون: القضاء الأوربي، والملف الحقوقي في الأمم المتحدة، وثروات الصحراء، وسيكون علينا في أبريل المقبل أن نواجه التقرير الجديد للمبعوث الأممي كريستوفر روس الكامن، وكل شيء هناك جديد، رئيس مندفع في البيت الأبيض وأمين عام جديد للأمم المتحدة.

إن الدولة المغربية قد برهنت على أنها يمكن أن تمشي في كل الطرق الوعرة بدون حكومة، ولكن هذا ليس سببا في رهن المؤسسات الدستورية، فالإرادة الشعبية مقدسة، وهي تتجسد في الانتخابات وفي جميع من شاركوا فيها من الأول من حيث النتائج إلى الأخير، ولا يليق ببلد صاعد أو رائد أن تتعثر حكومته لأكثر من أربعة أشهر، ويتعطل معها التشريع والاستثمار العمومي وعجلة الإصلاح في الهامش المتروك للجهاز التنفيذي.

نحن دولة مؤسسات، وتعطيل مؤسسة من هذه المؤسسات هو إضعاف للياقة السياسية للبلاد، وهذا الإضعاف هو مس بالمصالح العليا للمملكة معنويا، وقد قلنا في السابق إن الأحزاب تتحمل المسؤولية في هذا الوضع، ولكن هذه الأحزاب تشتغل في بيئة نعرف خروبها جميعا، وحان الوقت كي يشهر الحزم لاستحضار العزم ونقول على بركة الله.

باختصار، ماتزال أمامنا سنوات من الحرب على جبهة الوحدة الترابية للمملكة، وعلى جبهة التنمية والكرامة، وعلى جبهة محاربة الفساد والفوارق الاجتماعية، وهذا لن يتم بالانتشاء الذاتي وإشهار الاستثناء المغربي المكرور، لأن هذا الاستثناء ليس ركنا رابعا من أركان ثوابت المملكة، ولكنه عمل دؤوب جبّار إذا وهن زال، وعلى قدر أهل العزم تكون العزائم.

المصدر : جريدة الأياد 24

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اللياقة السياسية اللياقة السياسية



GMT 13:17 2019 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

ثلث المغاربة لا يفتخرون بمغربيتهم..لماذا؟

GMT 05:26 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

تأملات على هامش ستينية الاتحاد الاشتراكي

GMT 03:32 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

تأملات على هامش ستينية الاتحاد الاشتراكي

GMT 00:36 2019 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

في هجاء الريسوني

GMT 04:55 2019 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

قراءة في طلاق ملكي

نادين لبكي بإطلالات أنيقة وراقية باللون الأسود

بيروت ـ المغرب اليوم

GMT 14:23 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

طرق سهلة لتحسين صحة الأمعاء والحفاظ عليها

GMT 15:05 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

نادين نجيم تكشف عن علامتها التجارية الخاصة

GMT 08:00 2023 الثلاثاء ,03 كانون الثاني / يناير

إنطلاق أكبر عملية صيد للذئاب في السويد أمس الاثنين

GMT 07:39 2023 الثلاثاء ,21 آذار/ مارس

مكياج مناسب ليوم عيد الأم

GMT 22:07 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

أنهار سياحية تستقطب هواة المغامرات

GMT 15:24 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

هالة سرحان سفيرة معرض أبوظبي الدولي للكتاب

GMT 08:30 2019 الأحد ,22 أيلول / سبتمبر

هل تغير لون عيني الطفل أمر طبيعي؟
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib