حقائق تقرير تشيلكوت ودلالاته
أخر الأخبار

حقائق تقرير تشيلكوت ودلالاته..!!

المغرب اليوم -

حقائق تقرير تشيلكوت ودلالاته

بقلم : عبد الحسين شعبان

كشف تقرير تشيلكوت الخاص بدور المملكة المتحدة في احتلال العراق، تفاصيل مشاورات رئيس الوزراء البريطاني توني بلير مع رئيس الولايات المتحدة جورج دبليو بوش، من خلال رسائل بعثها بلير إلى بوش. وقال بلير في إحدى رسائله مخاطباً بوش (يوليو/ تموز/ العام 2002): "سوف أقف إلى جانبك مهما كلّف الأمر"، وفي رسالة أخرى خاطبه: "علينا وضع خطة ذكية" لإطاحة الرئيس العراقي صدام حسين، وكان قد أعلن عن استعداده المشاركة في الحرب في رسالة بتاريخ 4 ديسمبر (كانون الأول) 2001.
والمبررات التي زعم بلير أنها تقف خلف توجّهه هي إقامة نظام عالمي جديد حقيقي في أعقاب انتهاء الحرب الباردة، والوقوف بوجه الإرهاب الدولي المنبعث من المنطقة، والقضاء على دكتاتور مجرم بيده أسلحة دمار شامل، ونشر قيم الديمقراطية والحريّة والتسامح. وكان صقرا الحرب قد تبنّيا سياسة مفادها إقامة ما يسمى بالشرق الأوسط الكبير أو الشرق الأوسط الجديد، وهو ما عبّرت عنه كونداليزا رايس وزيرة خارجية الولايات المتحدة عقب حرب يوليو (تموز) على لبنان العام 2006.
لم يدرك قائدا مرحلة النيوامبريالية، أن الأمر ليس بهذه السهولة، فبلدان وشعوب المنطقة ليست لعبة شطرنج أو دومينو يتم التحكّم بها، على الرغم من الضعف والتّشتت الذي أصابها وشحّ الحريات وانهيار خطط التنمية وتراجع المشاريع السياسية التحرّرية عموماً.
وقد قادت طائفة من الوقائع بعد فترة وجيزة من احتلال العراق إلى التصريح أن الأمور خرجت عن السيطرة، الأمر الذي اضطر واشنطن للاعتراف بأنها "قوة احتلال" وليس "قوة تحرير"، خصوصاً بصدور القرار 1483 في 22 مايو (أيار) العام 2003، وبدلاً من تطبيق اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949 وملحقيها بروتوكولي جنيف لعام 1977 وقواعد القانون الدولي الإنساني، خصوصاً مسؤوليتها في حماية أرواح وممتلكات المواطنين، فإنها لجأت إلى تغيير قوانين البلد، وحلّت الجيش والمؤسسات الأمنية بما فيها شرطة النجدة وشرطة مكافحة الجريمة وشرطة الحدود وغيرها من مؤسسات الدولة، وتركت البلاد لفوضى عارمة بحيث عادت به إلى مرحلة ما قبل الدولة، باستشراء الموجة الطائفية – الإثنية التي ترسخّت في مجلس الحكم الانتقالي والحكومات التي أعقبته.
أياً كانت التقديرات، فإن الوقائع التي يعرضها تقرير تشيلكوت تؤكّد عدداً من الحقائق والدلالات، من أهمها: 
أولاً – التضليل الذي مارسه بلير ومعه بوش وقادة التحالف الغربي ضد العراق، فقد شنّوا حرباً إعلامية وآيديولوجية وثقافية، قبل الغزو وخلال فترة الحصار الدولي، والهدف هو "أبلسته"، حيث روّجوا لفريّة أنه يمتلك أسلحة دمار شامل، بل جاؤوا بمن لفّقوه من "العراقيين" لخدمة أغراضهم، مثلما "اخترعوا" العلاقة بالإرهاب الدولي وتنظيم القاعدة، وهو ما اتضح زيفه وكذبه، على الرغم من حجم الخداع والمكر اللذان استخدما جميع أساليب الدعاية السوداء لإثبات فرضياتهما، لكنه بعد أن تم مسح العراق شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً، اضطرا للإعلان (العام 2005) أن لا وجود لأسلحة دمار شامل، وما كان في بداياته تم تدميره، طبقاً لقرار مجلس الأمن الدولي 687 الذي صدر في 3 أبريل (نيسان) العام 1991 بعد هزيمة الجيش العراقي في الكويت وانسحابه منها.
ثانياً – الإصرار على مشروعية الحرب "المقدسة" على العراق، على الرغم من عدم حصولها على قرار لما يسمى بالشرعية الدولية، وامتناع الأمم المتحدة تفويض واشنطن أو غيرها بمهمة شنّ الحرب، لكن بلير وبوش ومعهما عدد من قادة دول التحالف بينهم جون هاورد رئيس وزراء استراليا الأسبق، لا زالوا يصرّون باقتناع، أن العالم أفضل حالاً بدون صدام حسين، على الرغم مما جلبته الحرب من ويلات ومآسي وآلام وتدمير للعراق.
وعلى الرغم من أن بلير يعترف عشية الغزو بأن الرأي العام البريطاني والأوروبي لا يزال يعارض بشدّة التدخل العسكري في العراق، لكنه يؤكد عزمه على القيام بالغزو مهما كانت التكلفة والنتائج (من رسالة بلير إلى بوش في 9 فبراير (شباط) 2003)، أي قبل حوالي شهر من الغزو الفعلي. وكان قد أبدى غضبه من رئيس لجنة المفتشين الدوليين هانز بليكس واهتزاز ثقته به، لأنه كان قد أكّد على تعاون العراق بشكل أكبر مع اللجنة، واستمرّ بلير في تأكيده أن الغزو ضرورة ملحّة.
ثالثاً – المصالح ثم المصالح، وتلك حقيقة السياسة، فهي على مرّ التاريخ: صراع واتفاق مصالح، الأمر الذي تؤكّده يومياً السياسات الغربية، حتى وإن أكثرت من رطانة في حديثها عن القيم الديمقراطية. وإذا كان الهدف الإطاحة بدكتاتورية مجرم كما برّر بلير في رسائله، فقد كان النظام الذي أعقبه قد أوجد عدد من الدكتاتوريين الصغار، بأسماء رجال دين وزعماء طوائف وإثنيات وعشائر، ودفع البلاد كلها إلى التناحر والطائفية والعنف والإرهاب، وأدى إلى استشراء الفساد المالي والإداري ونهب المال العام، فأية قيم تلك التي تبرّر الإطاحة بدكتاتور، دعم عشرات الدكتاتوريين من الذين أوصلوا البلاد إلى حافة الانهيار والتشطير وغياب الحد الأدنى من معايير الدولة التي أصبحت معروضة للغنائم في إطار نظام زبائني طائفي وإثني، وهو السبب الذي كان وراء وقوع ثلث البلاد بيد داعش ولا تزال منذ عامين ونيّف غير قادرة على طرده واجتثاث جذوره وتجفيف منابعه.
رابعاً – خطأ التعويل على الخارج وخطره، فلهذا "الخارج" أجنداته الخاصّة التي قد تتعارض جوهرياً مع مصالح شعوبنا وتطلّعاتها، الأمر الذي سيعني "اقتناعاً" أو اضطراراً التسليم له بمقتضيات المستقبل بفعل دوره. ولعلّ تجربة المعارضة "الرسمية" العراقية التي تعاونت مع واشنطن خير دليل على ذلك، فهذه الأخيرة لم تتحكّم بها فحسب، بل تحكّمت بمصير البلاد بعد احتلاله. وتلك عبرة لمن يريد الاعتبار، سواء في مشروعه العراقي أو في مشروعه العربي أو في مشروعه الكردي أو في مشروعه الإسلامي. 
إن استبدال الدكتاتور بمن هم أسوأ منه، إنما هو جريمة بكل ما تعني الكلمة، يتحمّلها صقور الحرب، لا سيّما بلير وبوش وأضرابهما، مثلما يتحمّلها من تعاون لتنفيذ هذا المشروع الجهنمي. وتبقى الحقيقة صارخة، حتى وإن تم تغطيتها بدثار من الأكاذيب والخدع، وحتى لو لم يتم التمكن من الوصول إلى المسؤولين عن جريمة الحرب ومحاسبتهم قانونياً على ما ارتكبوه بحق العراق، إلاّ أن سخط الرأي العام وسقوط السمعة وافتضاح زيف السياسات، هو وجه من وجوه المساءلة الأدبية والمعنوية والأخلاقية.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حقائق تقرير تشيلكوت ودلالاته حقائق تقرير تشيلكوت ودلالاته



GMT 12:55 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

الملكة رانيا تُعيد ارتداء إطلالة بعد تسع سنوات تعكس ثقتها وأناقتها

عمّان - المغرب اليوم

GMT 21:52 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

أفكار مختلفة لأطقم ربيعية تناسب المحجبات
المغرب اليوم - أفكار مختلفة لأطقم ربيعية تناسب المحجبات

GMT 06:53 2024 الأحد ,14 كانون الثاني / يناير

توقعات الأبراج اليوم الأحد 14 يناير/ كانون الثاني 2024

GMT 10:53 2024 الجمعة ,23 شباط / فبراير

توقعات الأبراج اليوم الجمعة 23 فبراير / شباط 2024

GMT 09:56 2024 الخميس ,18 كانون الثاني / يناير

توقعات الأبراج اليوم الخميس 18 يناير/ كانون الثاني 2024
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib