في يوم المعلم

في يوم المعلم

المغرب اليوم -

في يوم المعلم

حسن البطل
بقلم: حسن البطل

عادل وظالم. هكذا كنّا تلاميذ ابتدائي نميز معلماً عن معلم، منتصف عقد الخمسينيات من القرن المنصرم، آنئذ كانت المرحلة الابتدائية من خمس سنوات وخمسة صفوف، ولكل صف معلم واحد.

من بين خمسة معلمين لا أتذكر سوى معلم الصف الثاني، كامل عزيواتي، ومعلم الصف الثالث أنيس الخطيب لسببين: الأول ان المعلم كامل السوري كان ظالماً، والثاني أن أنيس كان فلسطينياً. السبب الثاني أنني التقيت الاثنين مصادفةً بعد سنوات طوال، ففي العام ١٩٦٩ التقيت المعلم الظالم كامل في مقصف جامعة دمشق، وفي العام ١٩٨٣ حظيت بلقاء المعلم أنيس في صنعاء على هامش مؤتمر الاتحاد العام للكتاب والصحافيين الفلسطينيين، كان هو ممثل المنظمة في الإمارات، وكنت أنا مدير تحرير المجلة المركزية، ثم مرة ثانية تناولنا وجبة فول وحمص في مطعم شعبي برام الله التحتا، استأذنته بالدفع.

كان المعلم كامل قاسياً وظالماً مع تلاميذ صفه الكسالى والمشاغبين، ولا أعرف سبباً لظلامته لي، مع أنني كنت شاطر الصف في درس الإملاء، وما كنت قطّ  تلميذاً مشاغباً.

كانت علامتي في درس الإملاء إمّا كاملة عشرة على عشرة، او تسعة ونصف، بينما علامة أكسل الكسلاء «صفر مكعب»، كان على تلاميذ الصف قراءة نصف مقطع درس الإملاء، ثم كتابته وفق إملاء المعلم، الذي كان يتمشى بين مقاعد الصف وكانت هذه مشكلتي في قراءة شفاه المعلم ان كان في خلفية الصف.

كنت حافظاً لكلمات النص، وحصل ان كان المعلم يكرر كل جملة مرتين او ثلاثاً، ولما أطلّ عليّ كنت كتبت كلمة مسبقة قبل أن يمليها علينا، ارتبكت بعد وعيده لي بالعقاب، فنسيت همزة على الألف في كلمة، ودمجت نقطتين في كلمة واحدة، فحصلت للمرة الاولى على علامة ثمانية ونصف. تلقيت عقوبةً صارمة من عصاه على راحتي يدّي، تزيد عما ناله الكسالى في درس الاملاء.

مع شطارتي المشهودة، كنت تلميذه الوحيد الذي يعاني من ضعف سمع، وكان لا يتورع عن قيادة تلاميذ الصف في السخرية مني: روح تعلم صنعة تنفعك على كَبَر، وعلى كَبَر عرفت انه كان سادياً، وحده بين معلمي المدرسة من كان يعاقب تلاميذ الصفوف برفع «الفلَقة» على راحتَي القدمين، مع وجبة ركض بين ضربات عصاه، لم يوقع بي هذا العقاب.

ناداني بكنيتي «البطل» في نصف الجامعة، وخربط في اسمي الأول، واستغرب أنني تخرجت من انتساب مع دوام كامل، وهو طالب منتسب بلا دوام.

ماذا كان انتقامي من ظلمه لي؟ جلبت من الكافتيريا فناجين قهوة لجلساء الحلقة باستثنائه هو وحده .. ثم انسحبت الى طاولة أخرى، لا بأس، مجرد رد لؤم التلميذ وقد شب على لؤم المعلم الظالم.

في الصف الثالث لم يستخدم المعلم الفلسطيني أنيس عصاه قط، وسُرّ لما عرف ان اشطر تلميذين في صفه هما من فلسطين مثله، فجعلنا عريفَي الصف.

في عيد المعلم الفلسطيني سألت المعلم زياد خداش، والصحافي عبد المجيد سويلم: هل كان في المدرسة الابتدائية الفلسطينية نظام رسوب للتلاميذ؟ نعم، كان هناك نظام رسوب حتى للصف الأول الابتدائي في المدرسة السورية الرسمية، وفي كل سنة يعيد اربع أو خمسة تلاميذ صف الرسوب لسنة أخرى، ثم يخرج من المدرسة اذا رسب مرةً ثانية، إلى أن أدخلت وزارة التربية والتعليم السورية، نظام الترفيع الآلي لتلاميذ المرحلة الابتدائية، بعد الوحدة السورية - المصرية.

في المرحلة الثانوية من الدراسة كان نظام الامتحانات ترسيب الطلاب إن أحرزوا علامة في اللغة العربية تقل عن ٥٠٪ ولو نجحوا في باقي مواد المنهاج.

أتذكر من اجتيازي المرحلة الثانوية، ثم الجامعية بنجاح دون رسوب سنة، أمرين في الصف السابع والصف الحادي عشر.

في الصف السابع كان معلم العربية يكتب على السبورة آية قرآنية، يتلوها طالب ما مشكولةً ثم يكلفه بإعرابها النحوي، زجر المعلم ووبخ طالباً كان يخربط في قراءة نصف الآية: يا حمار .. يا أعمى.

كان ذلك الطالب من قرية ثانوية فقيرة في ريف سورية، اسمها «حفّير» وكان شاطراً وصديقي، وفي الفرصة سألته، تعرفت أن لديه علّه في البصر .. بكى، وفي اليوم التالي ترك المدرسة نهائياً.

في الصف الحادي عشر، تحولت من منهاج القسم العلمي الى منهاج القسم الأدبي. السبب، ان معلم الفيزياء والكيمياء كان يشرح المعادلات إما وجهُه الى السبورة، وإما وهو يستند الى الحائط آخر الصف .. فكيف عليّ أن أفهم شرحه بقراءة شفاهه.

في عيد المعلم الفلسطيني قرأت على الفيسبوك نصف قصيدة «أمير الشعراء» المصري أحمد شوقي، ولعله الشاعر الوحيد الذي حشر  كلمة «وفِّهِ» التبجيلا، فكان أن ردّ عليه الفلسطيني إبراهيم طوقان بقصيدة على وزن قصيدته، لكنها ساخرة، وعقّب عادل الأسطة ببيت شعر من عندياته أو لغيره يقول: يا من يريد الانتحار وجدته / إن المعلم لا يعيش طويلاً».

في كل سنة يتم تنظيم مسابقة «أمير الشعراء» في دولة خليجية، مع جائزة نقدية مجزية، لا أقرأ لهم، ولا أحفظ أسماءهم، ولا أذكر من قصائد «أمير الشعراء» احمد شوقي سوى واحدة عن المعلم، وأخرى عن سورية تحت الانتداب الفرنسي: «سلام من صبا بردى أرقّ / ودمع لا يكفكف يا دمشق».

كان خليل مطران «شاعر القطرين»: لبنان ومصر وصار درويش شاعر العالم العربي قاطبةً: «يا أيها الشعراء لا تتكاثروا، دمي بريد الأنبياء».

 

قد يهمك ايضا
تلك كنيسة تحتضن كنيسة!
«ارجع يا زمان..» هيهات !

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في يوم المعلم في يوم المعلم



GMT 15:33 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

شعر عربي اخترته للقارئ

GMT 15:29 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

شعر المتنبي - ٢

GMT 15:18 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

من شعر المتنبي - ١

GMT 23:58 2021 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

شعر جميل للمعري وأبو البراء الدمشقي وغيرهما

GMT 21:18 2021 الإثنين ,25 كانون الثاني / يناير

أقوال بين المزح والجد

أيقونة الجمال كارمن بصيبص تنضم لعائلة "Bulgari" العريقة

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 06:51 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

أفضل أنواع الستائر الصيفية لإبعاد حرارة الشمس

GMT 17:53 2024 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

محمد صلاح يضيف لرصيده 3 أرقام قياسية جديدة

GMT 13:50 2012 الخميس ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

البيئة النظيفة.. من حقوق المواطنة

GMT 21:44 2021 الأحد ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

أشهر الوجهات السياحية المشمسة في الشتاء

GMT 00:48 2021 الإثنين ,04 تشرين الأول / أكتوبر

إسبانيول يفاجئ ريال مدريد بخسارة مؤلمة

GMT 00:06 2021 الأحد ,03 تشرين الأول / أكتوبر

مباراة "قناة رقمية" تثير تساؤلات في جامعة أكادير

GMT 21:44 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك تغييرات في حياتك خلال هذا الشهر

GMT 22:47 2012 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

إشتقت إلى الرقص الشرقي وسعيدة بـ"30 فبراير"

GMT 11:34 2024 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

بايرن ميونخ يرفض رحيل توماس توخيل
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib