المرأة السعودية على طريق التمكين

المرأة السعودية على طريق التمكين

المغرب اليوم -

المرأة السعودية على طريق التمكين

بقلم : عبدالله بن بجاد العتيبي

 
الدول التي تسابق الزمن تحرق مراحل التاريخ، وتكثف معرفتها وخبرتها، وتستفيد من كل مواردها وإمكاناتها لتصنع الفارق وتترقى في مدارج الكمال، تتخفف من أعباء الماضي وتصحح الأخطاء وتنطلق في مسارات حضارية جديدة وآفاقٍ مستقبلية بلا حدود.
قرار السعودية منح المرأة حقوقها الكاملة في استخراج الوثائق وفي السفر والتنقل وفي مكانتها في الأسرة هو قرار تاريخي بالفعل، لا باعتبار هذا القرار سابقاً للعالم، لا، بل باعتباره قراراً داخلياً ينقل المجتمع السعودي نقلة نوعية نحو مزيد من حشد الجهود نحو المستقبل وحشد كل طاقات المواطنين نحو مجتمع أكثر حيوية ودولة أكثر قوة.
تمكين المرأة السعودية هو أحد أركان رؤية السعودية 2030 التي أسسها وقادها بكل اقتدار وتميز ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وقد سبقته قراراتٌ وستلحقه أخرى، في التوجه نفسه وللهدف والغاية ذاتهما، فقد تجاوز الزمن كل الأوهام التي كانت تحاصر نصف المجتمع وتعطله عن اللحاق بركب التنمية والمشاركة في التأثير والبناء.
كان ولي العهد صادقاً حين قال قبل فترة ليست بالقصيرة إن للمرأة حقوقاً كفلها الإسلام لم تحصل عليها وسنسعى لتمكينها منها، ومن ذلك هذا القرار التاريخي، وقبله كان قرار السماح للمرأة بقيادة السيارة؛ هي قراراتٌ تزيد من تمكين المرأة من حقوقها وتفتح الباب لمشاركتها الفعالة في بناء مستقبل وطنها وتحقيق رؤيته وأهدافه المستقبلية الكبيرة وآماله العريضة في غد أفضل.
لقد أثبتت المرأة السعودية نفسها وقدراتها وعلمها ومعرفتها في شتى المجالات العلمية والعملية، وقد آن الأوان أن تترجم كل نجاحاتها السابقة وتبني عليها نجاحات مستقبلية أكبر وأوسع، فهذا القرار مثل غيره من القرارات العظيمة يستجيب لمنطق الزمن وتحديات الحاضر وآمال المستقبل، وهو ضرورة ملحة لا مجرد حاجة عابرة، وهو استجابة طبيعية واعية لتطور المجتمع وحاجات الدولة.
الحقوق ليست مجالاً للمزايدة واختلاف الآراء، وهذا حق أصيل للمرأة، تعترف به الأديان والأنظمة والتقاليد، ومهم أن يعرف الجميع أن هذا القرار هو لمصلحة المجتمع والدولة على حدٍ سواء، وأنه ليس موجهاً ضد فئة دون أخرى، ولا يراد به الانحياز لطرفٍ ضد آخر، بل هو بكل بساطة مصلحة عامة للجميع، ترتبط به وتنطلق منه عشرات المصالح الأخرى، وبالتالي فهو قرار لإعادة بناء المشهد المجتمعي أكثر منه قراراً لهدم أوهامٍ بالية.
هذا لا ينفي أن القرار موجهٌ لأعداء الوطن في الداخل والخارج، ممن شكلوا مرحلة تاريخية سيئة بخطابٍ ديني متشددٍ وأهدافٍ سياسية واجتماعية لا تمت بصلة للوطن ومصلحته وغايته، بل هي مرتبطة بأجندة إقليمية معادية سواء تمثلت بدولٍ أم بجماعاتٍ وتنظيمات، خصوصاً بعدما تكشفت الحقائق ونشرت المعلومات وظهرت القرارات الصارمة لمواجهة المشاريع المعادية.
كثيرون من الشعب السعودي يعيشون حياتهم مع عوائلهم وفق رؤية هذا القرار التاريخي ولن يتغير عليهم شيء بصدوره، ولكن بعض النساء كن يجدن معوقات أسرية تجاه حقوقهن وما يردنه لأنفسهن من تميز وفاعلية، وهنّ المقصودات بهذا القرار لكي يأخذن فرصتهن في النجاح تماماً مثل الفئة السابقة من المواطنات، بل ومثل الرجل على حدٍ سواء.
منذ ظهور خطاب جماعات الإسلام السياسي وعلى مراحل متباعدة ومختلفة من بلدٍ إلى آخر، عانت المرأة طويلاً من تهميشٍ وتحجيمٍ لدورها وتأثيرها، وتم تدجين المرأة في دولٍ كثيرة لتخدم أجندة تعاديها وتقلل من شأنها، حتى وصلت الأمور إلى درجة غير إنسانية أصبحت فيها المرأة سلعة بين يدي قادة وعناصر تلك الجماعات المؤدلجة، وتم حرمانها من أبسط حقوقها، وكانت كل تلك الخطابات المؤدلجة تختبئ خلف شعارات الدين والإسلام وهي تخفي مطامح سياسية عميقة.
تمت على مدى عقودٍ من الزمن عملية منظمة لتحقير دور المرأة وتهميشها عبر عدة طرقٍ من أهمها؛ الهدم والبناء، أما الهدم فالمقصود به هدم ما كانت تعيشه المرأة من حرية وتأثير ومكانة، وكان ذلك الهدم يتم بطرقٍ متعددة ومراحل مختلفة بحسب كل بلدٍ من بلدان العالم الإسلامي، وأما البناء فتم من خلال منظومات فقهية أعيد خلقها ولم تكن معروفة من قبل وتم نشرها على نطاق واسعٍ بهدف تعطيل دور المرأة، وكذلك من خلال حملاتٍ واسعة تحذر من مفهوم «تحرير المرأة» بوصفه ذماً لها، وقد صدرت في كل ذلك عشرات المؤلفات والأدبيات.
من الجيد أن نستحضر في هذا السياق الكتابات السابقة في السياق العربي والإسلامي فيما يتعلق بحقوق المرأة وتمكينها، ومنها كتابات قاسم أمين التي ساعده في بعضها الإمام محمد عبده، وكذلك كتاب «تحرير المرأة في عصر الرسالة» لعبد الحليم أبو شقة، الذي وإن جاء متأخراً فقد جاء في زمن انتشار التأسيس على النصوص الشرعية للتقليل من شأن المرأة، فكان اعتماده كاملاً على نصوص القرآن الكريم والأحاديث الصحيحة، وقد أربك بذلك منظومة تطورت آيديولوجياً بادعائها المستمر لتمثيل الإسلام.
خيارات الدول لا تحكمها جدالات التيارات بل مصالح هذه الدول ومصالح شعوبها، ومن الإساءة لمثل هذه القرارات التاريخية ربطها المتعسف بصراعات ضيقة، أو معارك ثقافية لها سياقاتها المفهومة.
وصل وضع المرأة بعد عقودٍ من سيطرة خطاب جماعات الإسلام السياسي إلى درجة غير إنسانية، وما يجري اليوم في السعودية هو كما قال ولي العهد السعودي، العودة لما قبل أربعة عقودٍ من الزمن، أي العودة إلى ما قبل عام 1979، أي الإسلام الوسطي المعتدل، وهذا القرار التاريخي يأتي ضمن هذه الرؤية الجامعة.
يتذكر كثيرٌ من الأحياء اليوم ويثبت الباحثون المختصون أن المرأة في السعودية كانت تعيش في حرية واستقلالية لا علاقة لها بما حدث بعد سيطرة خطاب ما كان يعرف بالصحوة، وهو أمرٌ جرى في كثير من البلدان في العالم العربي والإسلامي، ولكل بلدٍ حالته الخاصة التي يمكن تتبعها بالشواهد والأمثلة، الحالة واحدة والأمثلة مختلفة، نزع حقوق المرأة باسم الدين ومصلحة الأحزاب الدينية السياسية.
أخيراً، فهذا القرار هو قرارٌ سعودي خالص، لا علاقة له من قريب أو بعيد بحملات الشرق أو الغرب، المعادية أو المزايدة، بل هي مصلحة الوطن والمواطنين ومواجهة التحديات وبناء المستقبل.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المرأة السعودية على طريق التمكين المرأة السعودية على طريق التمكين



GMT 15:33 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

شعر عربي اخترته للقارئ

GMT 15:29 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

شعر المتنبي - ٢

GMT 15:18 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

من شعر المتنبي - ١

GMT 23:58 2021 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

شعر جميل للمعري وأبو البراء الدمشقي وغيرهما

GMT 21:18 2021 الإثنين ,25 كانون الثاني / يناير

أقوال بين المزح والجد

نانسي عجرم تتألق بالأسود في احتفالية "Tiffany & Co"

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 11:02 2022 الأحد ,11 كانون الأول / ديسمبر

بيروت تتوالد من رمادها وتتزين بكُتابها.

GMT 06:42 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تعرف على أبرز مميزات وعيوب سيارات "الهايبرد"

GMT 00:55 2017 السبت ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

طالب يعتدي على مدرسته بالضرب في مدينة فاس

GMT 11:02 2023 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

أفضل العطور لفصل الخريف

GMT 11:55 2023 الأحد ,05 شباط / فبراير

نصائح لاختيار الحقيبة المناسبة للمعطف

GMT 16:56 2023 الإثنين ,09 كانون الثاني / يناير

حكيمي ومبابي يستمتعان بالعطلة في مراكش

GMT 07:48 2022 الأربعاء ,19 تشرين الأول / أكتوبر

إتيكيت التعامل مع الاختلاف في الرأي

GMT 09:59 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

قواعد اتيكيت نشر الغسيل

GMT 10:31 2022 الجمعة ,27 أيار / مايو

مايكروسوفت تطور دونجل لبث ألعاب إكس بوكس

GMT 01:02 2021 السبت ,07 آب / أغسطس

وصفات طبيعية لتفتيح البشرة بعد المصيف

GMT 19:36 2020 الإثنين ,08 حزيران / يونيو

وفاة ابنة الفنان الراحل محمد السبع

GMT 18:42 2018 الإثنين ,22 تشرين الأول / أكتوبر

أسما شريف منير ووالدها في برومو " أنا وبنتي"

GMT 17:19 2018 الثلاثاء ,08 أيار / مايو

عشر ماحيات للذنوب.. بإذن الله

GMT 09:05 2016 السبت ,02 كانون الثاني / يناير

عن «عاداتنا وتقاليدنا المتوارثة»
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib