لا تقاطعوا الإنتاج الثقافي الإسرائيلي المناهض لنتنياهو

لا تقاطعوا الإنتاج الثقافي الإسرائيلي المناهض لنتنياهو

المغرب اليوم -

لا تقاطعوا الإنتاج الثقافي الإسرائيلي المناهض لنتنياهو

حازم صاغية
بقلم : حازم صاغية

يوم الاثنين الماضي، في 9/15، نشرت صحيفة «هآرتس» افتتاحيّة وقّعتها الممثّلة نِتا رِسكن والكاتبة ماغي أوتسري «بالنيابة عن الكثيرين من المخرجين السينمائيّين والكتّاب والشعراء والموسيقيّين والممثّلين والمثقّفين الإسرائيليّين». وأستميح القارئ عذراً على ترجمتي فقرات مطوّلة نسبيّاً من تلك المقالة لأسباب أعود إليها في الأسطر الأخيرة.

تقول المقالة: «نحن لا نتحدّث باسم حكومتنا، أو أيٍّ من مؤسّساتنا، بل باسمنا، كما باسم الحرّيّة الإبداعيّة، وحرّيّة المخيّلة، والأمل الذي لا يزال قائماً. فلسنوات عديدة صُوّر الفنّانون الإسرائيليّون بوصفهم أعداء للنظام القوميّ، وبلا هوادة اضطهدتنا الحكومات التي جعلتنا هدفاً سهلاً للكراهية. فأسماؤنا شُوّهت سمعتها علناً، وقد صنّفنا وزراء [إسرائيليّون] بأنّنا «خونة»، وبسبب آرائنا سُلبت موازناتنا. المسارح أُغلقت، والمسرحيّات مُنعت، والأفلام قوطعت. الفنّانون هوجموا عبر الإنترنت وشخصيّاً في آن معاً، ولاحقتهم التهديدات بالاغتصاب والتعذيب، وحتّى بالحياة نفسها، والكثيرون فقدوا مصادر عيشهم.

وهذا ما لم يحدث صدفةً، ولا كان استثناء، لكنّه جاء نتيجة ضروريّة لسياسة حكوميّة متعمَّدة هدفها نشر الخوف وفرض الصمت على كلّ صوت حرّ.

ومنذ الحرب في غزّة أضيفت ضربات تأتي من الخارج إلى تلك التي تأتي من الداخل. فأفلامنا رُفضت في المهرجانات، وكتبنا لا تُترجم كما يُغلق الناشرون أبوابهم في وجوهنا. فنحن نُقاطَع ونُدان ولا تُسمع أصواتنا.

لكنْ اعرفوا هذا: إنّ المستفيد الوحيد من كبت أصواتنا وإسكاتها هو الحكومة الإسرائيليّة الحاليّة التي تكره الفنّ والفنّانين سواء بسواء. فإخماد الفنّ الإسرائيليّ لا يخدم الحرّيّة ولا السلام ولا العدالة، كما لا يخدم الفلسطينيّين الذين يعانون حرباً شرسة ومتواصلة».

وإذ تستعيد المقالة فرح «وزراء الائتلاف المتعصّب» بمقاطعة حوالى 1200 فنّان في هوليوود الأعمالَ الإسرائيليّة، وتذكّر بالانتصارات الداخليّة التي أحرزها بنيامين نتنياهو على كثير من المؤسّسات في «تعبيد طريقه إلى الديكتاتوريّة»، تضيف: «كان الفنّانون الإسرائيليّون دوماً في مقدّم النضال ضدّ نتانياهو والفاشيّة. لقد كنّا في مقدّم الصراع ضدّ الاحتلال والمستوطنات في الضفّة الغربيّة، وطالبنا بالمفاوضات للتوصّل إلى اتّفاقيّة سلام مع السلطة الفلسطينيّة بما يؤول إلى إنشاء دولة فلسطينيّة. وكنّا بين أوائل الذين أكّدوا أنّ للفلسطينيّين الحقّ في تقرير المصير القوميّ والمساواة التامّة. كذلك حذّرنا من تحويل حرب غزّة حرباً للإبقاء على حكم نتنياهو، ولتحويل الأنظار عن حقيقة أنّه رئيس الحكومة المطمور تحت تُهم الفساد. كما حذّرنا من التحالف السامّ بين الحكومة الفاسدة والتعصّب الدينيّ، وها نحن ندعو لاتّفاقيّة تنهي الحرب وتنهي تجويع الغزيّين وتضمن العودة الآمنة لجميع الرهائن الإسرائيليّين الذين تحتجزهم حماس.

فنحن لسنا ذراعاً حكوميّة تستحقّ أن تُحارَب بل، على العكس، نحن شوكة في جنب الحكومة. ولهذا حاول مؤيّدو الفاشيّة والقوميّة دوماً تصفيتنا. لكنْ بينما تهاجمنا الحكومة الإسرائيليّة من الداخل، بات زملاؤنا في الخارج وشركاؤنا الفنيّون والإيديولوجيّون حول العالم يسعون إلى إسكاتنا. فإذا أُسكت الفنّانون الإسرائيليّون فهذا سيكون نهاية الديمقراطيّة الإسرائيليّة، وممرّ المتطرّفين في الحكومة من المتعطّشين إلى الدم إلى المضيّ في الحرب وفي تصعيد الألم النازل بالمدنيّين الأبرياء وارتكاب بعض الانتهاكات وجرائم الحرب الأفدح التي تستمرّ بلا معارضة لها. وليس من هديّة تُقدّم للفاشيّة في إسرائيل أكبر من هذا».

وبعد استعادة الفوارق النوعيّة بين مقاطعة السلاح والسلع الأخرى وبين مقاطعة الفنّ، تذكّر المقالة بقدرة الأعمال الإبداعيّة على مدّ الجسور ومكافحة التطرّف وتخيّل عالم أفضل، وهو ما تدلّ إليه أعمال إسرائيليّة كثيرة مناهضة لتوجّه نتانياهو، لكنّها كلّها تتعرّض اليوم للمقاطعة من دون تمييز. أمّا المطلب الوحيد الذي تتوجّه به المقالة لفنّاني العالم فـ «أن لا تغلقوا الأبواب في وجوهنا، وأن لا تعزلونا عن العالم، ولا تساعدوا الحكومة [الإسرائيليّة] في إسكات هذه الحرّيّة القليلة التي تبقّت لنا، فهذا ما تريده الحكومة العنيفة، وهذا هو طموحها».

وفضلاً عن الأسباب الكثيرة تلك كما توردها الكاتبتان، وعن الرفض المبدئيّ لفكرة مقاطعة الثقافة والأفكار والفنون كائنة ما كانت، يبقى الظرف السياسيّ الراهن عنصراً ضاغطاً يستحيل تجاهله وتجاهل ما يمليه. فإسقاط نتنياهو وحكومته هو اليوم الشرط الشارط لإنجاز أيّ هدف نبيل لصالح الفلسطينيّين والعدالة والحقّ، وبالتالي فتشجيع مَن قد يساهم في هذه المهمّة واجب سياسيّ، فضلاً عن كونه أخلاقيّاً.

والحال أنّ القضيّة الفلسطينيّة اليوم تعيش مفارقة كبرى: فهي، من ناحية، تحقّق انتصارات أخلاقيّة ودعائيّة كبرى في المجتمعات الغربيّة ورأيها العامّ لكنّها، من ناحية أخرى، معرّضة للاستئصال كقضيّة سياسيّة تحت وطأة المذبحة الإباديّة الإسرائيليّة، فضلاً عمّا يتهدّد الضفّة الغربيّة من تقطيع وضمّ واستيطان.

وأغلب الظنّ أنّ إسرائيليّين من صنف نِتا رِسكن وماغي أوتسري وزملائهما هم بين الأقدر على تجسير هذه الهوّة بما يتيح التثمير السياسيّ للانتصارات الأخلاقيّة. وهكذا تلوح مقاطعة الإنتاج الثقافيّ الإسرائيليّ المناهض لنتنياهو عملاً قليل الحكمة وكثير الضرر في وقت واحد.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لا تقاطعوا الإنتاج الثقافي الإسرائيلي المناهض لنتنياهو لا تقاطعوا الإنتاج الثقافي الإسرائيلي المناهض لنتنياهو



GMT 11:09 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

المفاوض الصلب

GMT 11:06 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

فعلًا “مين الحمار..”؟!

GMT 11:05 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل سوريا بين إسرائيل… وأميركا وتركيا

GMT 11:04 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

خطورة ترامب على أوروبا

GMT 11:02 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

تركيز إسرائيل على طبطبائي… لم يكن صدفة

GMT 11:00 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

إعلان الصُّخير... مِن «دار سَمْحين الوِجِيه الكِرامِ»

GMT 10:58 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

اصنعوا المال لا الحرب

GMT 10:57 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

توسعة الميكانيزم... هل تجنّب لبنان التصعيد؟

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت - المغرب اليوم

GMT 02:31 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

دراسة جديدة تكشف العلاقة بين الحب والسمنة
المغرب اليوم - دراسة جديدة تكشف العلاقة بين الحب والسمنة

GMT 06:16 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

سعر الذهب في المغرب اليوم الإثنين 03 نوفمبر/تشرين الثاني 2025

GMT 21:44 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك تغييرات في حياتك خلال هذا الشهر

GMT 16:06 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

لا تتهوّر في اتخاذ قرار أو توقيع عقد

GMT 18:33 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 20:18 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

وفاة خالة الشقيقتين المغربيتين صفاء وهناء

GMT 14:36 2019 الإثنين ,10 حزيران / يونيو

الرئيس اللبناني ميشال عون يلتقي وفدًا أميركيًا

GMT 12:29 2019 الخميس ,30 أيار / مايو

مجلس الحكومة يعيد تنظيم مسرح محمد الخامس

GMT 05:01 2019 الأربعاء ,10 إبريل / نيسان

دافنشي كان يكتب بيديه الاثنتين بكفاءة

GMT 23:51 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

رامز جلال يسخر من غادة عبد الرازق والأخيرة تتوعد له

GMT 12:50 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

22لاعبًا في لائحة فارس النخيل استعدادًا إلى مواجهة الوداد

GMT 07:54 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

ملك إسبانيا يخفض راتبه بنسبة 7.1%

GMT 04:51 2017 الأربعاء ,19 إبريل / نيسان

مصر تتصدر العرب فى الحرب على الفتنة.. المصنعة!

GMT 15:08 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هيمنة المتشددين على المجتمع الطلابي في جامعة وستمنستر
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib