بين استعادة الجولان واحتلال لبنان

بين استعادة الجولان واحتلال لبنان

المغرب اليوم -

بين استعادة الجولان واحتلال لبنان

بقلم - عبد الرحمن الراشد

ذات مرة اتصل رجل أعمال يهودي أميركي، قريب من الحكومة الإسرائيلية، بالرئيس الراحل حافظ الأسد، وعرض عليه التوسط، ويروي أن الرد جاءه جافاً: «قولوا له لا يأتينا إلا ومعه خريطة الانسحاب». وفي التسعينات قُدم عرضان لدمشق في عهد الأب الراحل، أحدهما فعلياً قريب جداً من توقعات سوريا بالانسحاب من معظم الهضبة مع تعديلات هنا وهناك لصالح الطرفين، ورُفض العرض الذي سمي «خلاف العشرة أمتار»، وعاد الوسطاء في عام 2000 مع تولي بشار الأسد الحكم، فكانت جولة وانتهت.
الرئيس المصري الراحل أنور السادات كافح كل محاولات التثبيط المصرية والإسرائيلية التي سعت لوقفه، حتى إنه في مفاوضات كامب ديفيد جاءه الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر، معتذراً عن تصرفات الجانب الإسرائيلي الذي قرر في الساعات الأخيرة أن يضيف شرطاً يحدّ من عدد الدبابات المصرية على الأرض المصرية، سيناء، بعد استعادتها. فاجأه السادات بالقول «موافق» فوراً دون أن يساومه على العدد، قال: «أنا عارف هم يخططون لإفشال الاتفاق والاحتفاظ بسيناء». وبعد ثلاثة عقود كانت إسرائيل هي التي تطالب مصر بإدخال الأسلحة الثقيلة في سيناء لحفظ الأمن ضد الجماعات الإرهابية، فأدخلت مصر في عام 2011 في المنطقة المنزوعة السلاح ثلاثة آلاف وخمسمائة جندي ومروحيات هجومية وثمانين مدرعة وأربعين دبابة...
لا أظن أبداً أنه كانت هناك رغبة سورية في عقد أي صفقة تعيد الجولان المحتلة، ليس لأن القيادة السورية الراحلة والحالية متآمرة وترفض استرداد الهضبة الاستراتيجية، فهذا خارج المعقول ومن تخاريف نظرية المؤامرة التي تزعم أن هناك صفقة أُبرمت لبيع الجولان بعد اتفاق فك الاشتباك الذي هندسه وزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر. الأقرب في تفسير الاستكانة السورية أن استعادة الجولان لها أثمان أغلى سياسياً. فقد احتلت سوريا لبنان لعشرين عاماً، ومات دونه مئات وربما آلاف الجنود السوريين، في حين أنها لم تضحِّ بعسكري واحد في الجولان منذ توقيع فك الاشتباك مع إسرائيل في عام 1974. إنه ما كان يمكن لسوريا أن تحظى بالجائزتين، لبنان والجولان معاً. اختارت الهيمنة على لبنان، واعتبرت الجولان محتلة وستعود أو تعاد يوماً ما. وظل الاحتلال الإسرائيلي ذريعة «شرعية» لدوام الحرب واحتلال لبنان، ولاحقاً تبنت الحجة نفسها إيران. وقد يتساءل أحدنا: ما النتائج المرجوّة من التأجيل الطويل، خصوصاً أننا نرى مع الوقت تغير الديموغرافيا وحتى الجغرافيا؟ ففي مفاوضات «العشرة أمتار» كان واحد من أغرب الخلافات هو على حدود بحيرة طبريا، التي يطل عليها الجانبان. فقد قدمت إسرائيل خرائط مختلفة عن القديمة بحجة أن مياه البحيرة مع التبخر نقصت وتغيرت حدودها.
بالنسبة إلى تل أبيب اليوم تتذرع بوجود الإيرانيين الهائل على الأراضي السورية إلى درجة أنه شبه احتلال، وتعده تهديداً وحجة لضم الجولان لضمان أمنها. والرئيس الأميركي وبقية السياسيين من نواب يعدّون أن احتلالاً دام نصف قرن صار واقعاً يجيز الاعتراف به، خصوصاً أن أهل الأرض لم يفعلوا شيئاً لتحريرها. ومع هذا، فإن الاعتراف الأميركي بالجولان يظل بلا شرعية إلا في حال تغيرت الخريطة السورية مستقبلاً إلى الأسوأ وقُسمت إلى دويلات، بسبب الأطماع الإيرانية التركية، أو في حال الإصرار على دولة مركزية ضعيفة، هنا يصبح الاعتراف الأميركي بالجولان له قيمة حقيقية.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بين استعادة الجولان واحتلال لبنان بين استعادة الجولان واحتلال لبنان



GMT 15:33 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

شعر عربي اخترته للقارئ

GMT 15:29 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

شعر المتنبي - ٢

GMT 15:18 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

من شعر المتنبي - ١

GMT 23:58 2021 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

شعر جميل للمعري وأبو البراء الدمشقي وغيرهما

GMT 21:18 2021 الإثنين ,25 كانون الثاني / يناير

أقوال بين المزح والجد

نانسي عجرم تتألق بالأسود في احتفالية "Tiffany & Co"

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 11:02 2022 الأحد ,11 كانون الأول / ديسمبر

بيروت تتوالد من رمادها وتتزين بكُتابها.

GMT 06:42 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تعرف على أبرز مميزات وعيوب سيارات "الهايبرد"

GMT 00:55 2017 السبت ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

طالب يعتدي على مدرسته بالضرب في مدينة فاس

GMT 11:02 2023 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

أفضل العطور لفصل الخريف

GMT 11:55 2023 الأحد ,05 شباط / فبراير

نصائح لاختيار الحقيبة المناسبة للمعطف

GMT 16:56 2023 الإثنين ,09 كانون الثاني / يناير

حكيمي ومبابي يستمتعان بالعطلة في مراكش

GMT 07:48 2022 الأربعاء ,19 تشرين الأول / أكتوبر

إتيكيت التعامل مع الاختلاف في الرأي

GMT 09:59 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

قواعد اتيكيت نشر الغسيل

GMT 10:31 2022 الجمعة ,27 أيار / مايو

مايكروسوفت تطور دونجل لبث ألعاب إكس بوكس

GMT 01:02 2021 السبت ,07 آب / أغسطس

وصفات طبيعية لتفتيح البشرة بعد المصيف

GMT 19:36 2020 الإثنين ,08 حزيران / يونيو

وفاة ابنة الفنان الراحل محمد السبع
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib