واشنطن بين لعبة الخداع واستراتيجية النهايات المفتوحة لأزمات المنطقة

واشنطن بين "لعبة الخداع" واستراتيجية "النهايات المفتوحة" لأزمات المنطقة

المغرب اليوم -

واشنطن بين لعبة الخداع واستراتيجية النهايات المفتوحة لأزمات المنطقة

عريب الرنتاوي
بقلم : عريب الرنتاوي

من غزة إلى دمشق، مروراً ببيروت وطهران، لا تتوقف واشنطن عن ممارسة "لعبة الخداع" التي برعت في توظيفها مع مجيء دونالد ترامب إلى البيت الأبيض بخاصة... من مقتضيات هذه اللعبة، اعتماد سياسة "النهايات المفتوحة" لقوس الأزمات الممتد من قزوين إلى شرق المتوسط، أما أدواتها الأكثر ابتذالاً، فتتمثل في "الكذب" و"التخدير" و "بث الأوهام"، وقول الشيء ونقيضه، إلقاء القانون الدولي ومنظومة حقوق الإنسان في سلال القمامة، نكث العهود والتنصل من الاتفاقات، الضرب عرض الحائط، حتى بالمبادرات الصادرة عنها، والتي طالما تباهت وتفاخرت، بأنها من كان المبادر إليها والداعم لإبرامها.

في غزة، سطرت إدارتا بايدن وترامب على حد سواء، أسوأ أشكال التنصل من الاتفاقات المبرمة، والتي جاءت بمبادرة منها أساساً، لتعود في كل مرة، إلى تبني الرؤية والرواية الإسرائيلية، لا تصور نهائياً حول غزة وفلسطين ما بعد الحرب، نعرف ما الذي لا تريده واشنطن، بيد أنها لم تبح حتى الآن، بما تريده، هي لم تنطق مرة – زمن ترامب – بعبارة "حل الدولتين"، واتخذت موقفاً من مؤتمر نيويورك الذي رعته وبادرت إليه، كلٌ من السعودية وفرنسا، ووصفته بـ"غير المثمر"، وضغطت على دول عدة، حتى لا تشارك في أعماله، وكالت الاتهامات لكل حكومة اعترفت أو كشفت عن نيتها الاعتراف بدولة فلسطينية....لكنها في المقابل، لم تخبرنا بما يجول في خاطرها، حول مصير شعب كامل، من حقه كسائر شعوب الأرض، ممارسة تقرير المصير وبناء دولته المستقلة، ثمة دولة ناقصة في الإقليم، لا شعب فائض عن الحاجة، وفقاً للنظرية الصهيونية – الدينية الأكثر فاشية وتطرفاً.

في مفاوضات التهدئة ووقف إطلاق النار، لم تكن واشنطن للحظة، وسيطاً نزيهاً ومحترماً، كانت الخصم الأكثر تطرفاً في كثير من الأحيان من العدو الإسرائيلي...كانت الخصم والحكم، وآخر ألاعيبها، الانسحاب من آخر جولات التفاوض، وهي التي لطالما انفردت بإشاعة أجواء الانفراج، والتبشير بقرب التوصل إلى "حلّ"...حمّلت حماس وزر الفشل، مع أن الوسيطين العربيين، كان لهما رأي آخر، وخرج سيد البيت الأبيض شاهراً هراوة التهديد والوعيد، تاركاً لنتنياهو التقرير في شأن الخطوة التالية، قبل أن تعود الإدارة، إلى الحديث عن تقدم كبير (ماركو روبيو) وعودة المفاوضات إلى سكتها (ستيف ويتكوف)، انقلاب مخادع في المشهد، حتى قبل أن يجف حبر القرار بسحب الوفد الأميركي من الدوحة.

"النهايات المفتوحة" لأزمة العدوان على غزة، تغري "إسرائيل"، بالذهاب إلى أبعد أحلامها السوداء وأطماعها التوسعية، من احتلال القطاع بالكامل وبسط السيادة عليه، إن أمكنها ذلك، إلى الاكتفاء بالحديث عن ضم الشريط الأمني ومناطق في عمق الشمال، مقابلة لمستوطنات الغلاف الكبرى... ترك الحبل على الغارب لنتنياهو وزمرة الفاشيين الجدد، يقع في قلب الاستراتيجية لغزة ومستقبل القضية الفلسطينية.

في لبنان، لم يختلف الأمر كثيراً، هي من توسط لإنهاء الحرب، وهي من ترأس ورعى لجنة الرقابة الخماسية، للإشراف على التنفيذ، وهي اليوم، من ينذر بالجحيم للبنان إن لم ينصع للإملاءات الإسرائيلية... هي من يستعجل نزع سلاح المقاومة، حتى وإن قاد ذلك إلى تعميم الخراب على مساحة البلاد، ترفض تقديم أي ضمانات للبنان، وتتنصل من أي مطلب للضغط على "إسرائيل"... أكثر من ذلك، لم يتردد موفدها توم باراك، بالقضاء على حلم اللبنانيين بـ"الوطن النهائي" ويلوح بورقة ضمهم إلى سوريا تحت إدارة حكمها الجديد.

"الخداع" هو اسم اللعبة التي يمارسها باراك في بيروت، يكتفي بتوزيع الوعود المعسولة، ويُسمع كل فريق ما يود سماعه، يشيد بإجابات الرئاسات الثلاث على الورقة الأميركية، ثم يحمل عليها، ويعرض بدلاً منها، جداول زمنية ضيقة للغاية لنزع السلاح، أما مطالب اللبنانيين، الحقّة والمشروعة، فلا إجابات قاطعة عنها، بل إبقاؤها عالقة بانتظار "حسن الاستجابة" الإسرائيلية. "النهايات المفتوحة" لأزمات لبنان المركبة، هي الاستراتيجية المعتمدة أميركياً كذلك... في فلسطين لا وعد بدولة للفلسطينيين... وفي لبنان، تهديد بتبديد دولة اللبنانيين... ومع ذلك، نرى من بين اللبنانيين، كما من بين الفلسطينيين، من لا يزال يتعلق بحبال الأوهام، ويراهن على "اختلافات" و"تباينات" بين واشنطن وتل أبيب، بل ويمضي قدماً مع الأميركيين في ممارسة لعبة الخداع والضغط على الشركاء في الوطن، من دون أن يدرك أنه "الثور الأبيض" الذي سيؤكل إن أُكِلَ "الثور الأسود".

في سوريا كانت "الانتقالات" الأميركية المفاجئة من النقيض إلى النقيض، صادمة حتى لأقرب حلفاء واشنطن، وأكثرهم التصاقاً باستراتيجياتها... من الحذر والتحفظ بداية التغيير، إلى الانفتاح والإشادة والترحيب ورفع العقوبات والرهان على النظام الجديد، قبل أن تعود "ريما لعادتها القديمة"، ويجري التلويح من جديد بـ"قيصر" وتبدأ لعبة الضغط والابتزاز للنظام، لتسريع مسار تكيف مع مقتضيات التطبيع الإبراهيمي، والتسليم لـ"إسرائيل" باحتلاليها: القديم والجديد، لأجزاء استراتيجية وغنية واسعة من الأراضي السورية.

لم يكن الحديث عن وحدة سوريا وسيادة وسلامة أراضيها، سوى فصل من فصول "لعبة الخداع"، لتخدير النظام الجديد، وداعميه من عرب وأتراك بخاصة، فاستراتيجية "النهايات المفتوحة"، يجري العمل بها في سوريا أيضاً... واشنطن لم تعد تمانع في اعتماد "فيدرالية الأقليات"، وهي تضغط مع تل أبيب، لفصل محافظات الجنوب الثلاث عن بقية الوطن السوري، تحت عناوين أمنية خادعة، وليس مستبعداً أبداً أن تدعم نشوء كيانات أقلّوية في الساحل والشمال الشرقي، فكل ما يهمها في سوريا، هو حفظ أمن "إسرائيل"، وإطفاء شهيتها التوسعية، وتجنيد سوريا "المفيدة"، الممتدة من حلب إلى دمشق، مروراً بحماة وحمص، في مشروع "صدّ إيران" ومنع تمددها، وخنق حزب الله ومنع تعافيه.

لا تصور أميركياً لسوريا بعد الأسد، الملف مفتوح لمختلف السيناريوهات، بانتظار إنضاج السيناريو الأكثر ملاءمة لمصالح "إسرائيل" وتفوقها... بخلاف ذلك، لا ضريبة على الكلام المعسول بحق الشرع وإدارته، وهو دائماً من النوع القابل للانقلاب إلى نقيضه، وربما بين طرفة عين وإغماضتها، إدارة الأزمة السورية، بدل حلها، وإبقاء نهاياتها مفتوحة، هي عناوين الاستراتيجية الأميركية في سوريا وحيالها.

أما إيران، فقد كانت بالأمس، مسرحاً لأكبر "لعبة خداع" مارستها واشنطن، حين انطلقت مع "إسرائيل" في أول وأكبر ضربات جوية وصاروخية توجه لهذا البلد، قبل 48 ساعة فقط، من التئام الجولة السادسة من المفاوضات النووية في مسقط...أما اليوم، فإن واشنطن، تمارس الألاعيب ذاتها، وبالأدوات ذاتها، تكذب حين يتحدث رئيسها عن "استجداء" إيراني للتواصل مع إدارته، ويكذب حين ينفي نواياه "تغيير النظام"، والشيء الوحيد القابل للتصديق في تصريحاته المنفلتة، هو تهديده بمعاودة استهداف المنشآت الاستراتيجية لإيران، فتلكم مصلحة إسرائيلية عليا ثابتة، لا يمكن إتمامها، إلا بإسقاط النظام، كما قال نتنياهو مراراً وتكراراً.

لا تصور نهائياً لمستقبل إيران، فقط "نهايات مفتوحة"، يشمل ذلك معاودة الحرب، ودعم جماعات انفصالية وتقسيم إيران، ما لم ترفع طهران الراية البيضاء، وتلتحق بقضّها وقضيضها بالقاطرة الإبراهيمية، وهذا ضرب من الخيال، تُنزع عنه صفة "السيناريو"، دع عنك المحتمل والمرجح. لا حلول أميركية، أو حتى تصورات حلول، لأي من أزمات الإقليم الكبير... إدارة هذه الأزمات، وفقاً لنظرية "النهايات المفتوحة"، هي المقاربة الأميركية المعتمدة حتى إشعار آخر، وهي تستوجب اللجوء المتكرر لكل أدوات الكذب والخداع، والاعتماد المفرط على "أزعر الحي"، وما يمكن لعضلات جيشه المفرودة، التي يجري تنميتها وتضخيمها بالفيتامينات والمكملات الغذائية الأميركية، أن تنجزه في ميادين العربدة والاستباحة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

واشنطن بين لعبة الخداع واستراتيجية النهايات المفتوحة لأزمات المنطقة واشنطن بين لعبة الخداع واستراتيجية النهايات المفتوحة لأزمات المنطقة



GMT 17:06 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

الشعور بحبّ الوطن يحتاج إلى الغذاء أيضاً

GMT 11:09 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

المفاوض الصلب

GMT 11:06 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

فعلًا “مين الحمار..”؟!

GMT 11:05 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل سوريا بين إسرائيل… وأميركا وتركيا

GMT 11:04 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

خطورة ترامب على أوروبا

GMT 11:02 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

تركيز إسرائيل على طبطبائي… لم يكن صدفة

GMT 11:00 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

إعلان الصُّخير... مِن «دار سَمْحين الوِجِيه الكِرامِ»

GMT 10:58 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

اصنعوا المال لا الحرب

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت - المغرب اليوم

GMT 16:54 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

تقرير يكشف أن"غروك" يشارك معلومات حساسة لأشخاص عاديين
المغرب اليوم - تقرير يكشف أن

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:03 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الأيام الأولى من الشهر

GMT 18:18 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

قد تمهل لكنك لن تهمل

GMT 01:36 2016 الجمعة ,03 حزيران / يونيو

سميرة شاهبندر المرأة التي رأت صدام حسين باكيا

GMT 03:52 2021 الجمعة ,17 كانون الأول / ديسمبر

الإعلامي ريكاردو كرم يُطلق مبادرة لدعم أطفال لبنان

GMT 15:23 2018 الثلاثاء ,17 إبريل / نيسان

كاف ترفض مقترح الوداد بدوري أبطال أفريقيا

GMT 07:05 2012 الجمعة ,05 تشرين الأول / أكتوبر

تغريم مطعم لبناني بسبب لافتة خادشة للحياء

GMT 11:31 2015 الجمعة ,27 شباط / فبراير

المُـثـقـفـون والاصـلاح الـديـنـي

GMT 00:31 2021 الخميس ,09 كانون الأول / ديسمبر

التحقيق في شيكات أموات تتجول بالأسواق المغربية

GMT 17:12 2021 الأربعاء ,13 تشرين الأول / أكتوبر

راضي يؤكد أن رؤية السيسي في مكافحة الإرهاب تحظى بتقدير الغرب

GMT 18:07 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

كوكب عطارد يمر أمام الشمس في ظاهرة فلكية نادرة

GMT 03:06 2019 الثلاثاء ,05 شباط / فبراير

إليزابيث هيرلي تظهر بإطلالة جذَّابة

GMT 19:21 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

موعد طرح فيلم شاروخان الجديد "زيرو" في دور العرض المصرية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib