عن الرسوم المسيئة وتقطيع الرؤوس الصورة من مختلف جوانبها

عن الرسوم المسيئة وتقطيع الرؤوس: الصورة من مختلف جوانبها

المغرب اليوم -

عن الرسوم المسيئة وتقطيع الرؤوس الصورة من مختلف جوانبها

عريب الرنتاوي
عريب الرنتاوي

الصورة الأولى؛ "شارلي بدو" الفرنسية الساخرة، تنشر صوراً مسيئة لنبي المسلمين، محمدعليه السلام...وبتعديها على مشاعر المسلمين (من بينهم ثمانية ملايين فرنسي) وتطاولها على معتقداتهم ومقدساتهم، تكون الصحيفة قد قارفت انتهاكاً جسيماً لـ"قيم الجمهورية" ذاتها، التي تقيم توازناً ضرورياً بين حرية الرأي والمعتقد والضمير من جهة، وحقوق الآخرين وحرياتهم من جهة ثانية.
ثم، أن يأتي الرئيس الفرنسي، بخفة ورعونة، حاملاً متحاملاً على الإسلام في مأزقه العالمي"، متبنياً فكرة نشر الصور المسيئة وتعميمها، فإن المسألة برمتها ستدخل فصلاً جديداً، يُعاد فيه الاعتبار لـ"صراع الأديان" و"صدام الحضارات"...لو أنه قال أن "المسلمين" في مأزق، لما اختلف معه أحد، وحال الإسلام على أية حال، من حال المسلمين، وقراءاته في مختلف الأزمنة والأمكنة المختلفة، تتغير وتتبدل في ضوء تبدل وتغير أحوالهم.

فرنسا، كغيرها من الدول الغربية، تعاني من ضمن ما تعاني، من تعاظم تأثير اليمين المتطرف، وصعود التيارات "الشعبوية" وتفشي "ثقافة الكراهية" و"العداء للاجئين والمهاجرين"، وجميعها مخاطر ماحقة تتهدد "قيم الجمهورية العلمانية"...ماكرون لم يجعل مهمة الفرنسيين في استعادة قيم جمهوريتهم وثورتهم، ثورة الحرية والإخاء والمساواة والأنوار والتنوير، أسهل على الإطلاق...ماكرون عقّد الأزمة بدل أن يدوّر زواياها الحادة، وينجح في احتوائها.

الصورة الثانية؛ المسلمون في أوروبا والغرب عموماً، تعرضوا كما تعرض المسلمون في مختلف دولهم ومجتمعاتهم، لـ"غزوة الإسلام الصحراوي- السلفي – الوهابي" المتطرف...حدث ذلك منذ "الجهاد العالمي" في أفغانستان، وغذّته وشجعته دوائر استخبارية عربية وإقليمية وغربية معروفة، انطلاقاً من مقتضيات "الحرب الباردة" ولاحقاً من ضمن مندرجات مواجهة إيران و"هلالها الشيعي"، ودائماً بدعم وتشجيع من الجهات ذاتها...الراديكاليون الإسلاميون، بنوا لأنفسهم منازل كثيرة في أوساط الجاليات العربية والمسلمة في أوروبا على مدى عقود "الحقبة الخليجية" الأربعة، ولعبوا دوراً في تجنيد الشباب العربي والمسلم، في حرب "الجهاد العالمي" الممتدة من أواسط آسيا إلى البلقان، مروراً بسوريا والعراق، ولاحقاً في ليبيا واليمن، واليوم في ناغورنو كاراباخ، وجنوب القوقاز، ولقد رأيناهم يمارسون الذبح والحرق وجزّ الأعناق بدم بارد، في ليبيا والعراق وسوريا...الجاليات باتت أكثر انكفاءً، وأقل اندماجاً، والموجات الجديدة من الهجرة واللجوء، ذهبت للغرب محمّلة بإرث بلدانها ومجتمعاتهما بكل "عجره وبجره"، من دون أن تبذل أي جهد جدي، لغايات الاندماج في المجتمعات الجديدة، ولعل هذا ما يفسر وجود "ملاذات آمنة للإرهاب" في المجتمعات الغربية، دفعت فرنسا وحدها، ثمناً لها: أكثر من مائتي قتيل وأضعافهم من الجرحى في قرابة الأربعين هجوماً إرهابياً، خلال أقل من عشر سنوات، كانت آخرها الجريمة الأبشع بفصل رأس أستاذ التاريخ صاموئيل باتي عن جسده، على يد متطرف – إرهابي شيشاني.


الصورة الثالثة؛ توظيف الدين،  أردوغان وجد في الحادثة سانحة نادرة، هدية من السماء، لتجديد صورته وشعبيته في داخل تركيا وخارجها، متكئاً على حلفائه في المنطقة، قطر بأدواتها واقتدارها الإعلامي، وجماعة  الإخوان المسلمين بنفوذها الشعبي، ولقد نجح في ذلك نجاحاً باهراً، فهو القائد الأكثر شعبية اليوم في العالمين العربي والإسلامي، ولقد دفع بخطابه الشعبوي، قيادات أخرى على "مجاراته"، ولكن من دون جدوى....أردوغان يصفي حساباً ثقيلاً ومتراكماً مع فرنسا، بدأ في شرق المتوسط وقبلها في ليبيا، ولم ينته في جنوب القوقاز...الصراع التركي الفرنسي، يكاد يكون الأشد ضراوة بين حليفين في "الناتو"...ماكرون المتعثر في الداخل والخارج، أثار بخطاباته الحماسية، أشد المشاعر القومية الفرنسية: فرنسا للفرنسيين "الأصليين"، و"زايد" على اليمين بزعامة ماري لوبين في تأجيج كراهية الأجانب، وصرف أنظار الفرنسيين عن "السترات الصفراء" و"ضائقة كورونا" وتداعياتها في الداخل، وعن فشله الخارجي المتكرر والممتد، من شمال سوريا إلى مالي مروراً بليبيا.

بعض القادة العرب، وجدوا في أزمة الرسوم المسيئة، ضالتهم كذلك، فشعوبهم منهكة اقتصادياً واجتماعياً، والجائحة الصحية تطل برأسها من جديد، ومسار الهرولة نحو التطبيع يتسارع، لقد آثروا الانتصار للنبي محمد على الانتصار لأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، مسراه ومعراجه، فالمعركة الأولى، سهلة، لفظية وغير مكلفة، فيما المعركة الثانية، صعبة المنال، ونتائجها غير مضمونة وكلفها عالية، وبدل "هشتاق" التطبيع خيانة، حل "هشتاق" "إلا رسول الله"، متقدماً بمسافات على الأول.

كل من لديه مشكلة مع شعبه، كل من لديه "فجوة ثقة" أخفق في تجسيرها، كل من لديه "نقيصة" يريد التغطية عليها، كل من أراد تحسين صورته وتلميع مكانته، انضم للحملة الشعواء ضد فرنسا، مستثمراً في حالة الغضب الشعبي المبررة والطبيعية، ممتطياً صهوتها على أمل أن تُنسيَ "القوم" ما كانوا فيه وما أصبحوا عليه.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن الرسوم المسيئة وتقطيع الرؤوس الصورة من مختلف جوانبها عن الرسوم المسيئة وتقطيع الرؤوس الصورة من مختلف جوانبها



GMT 02:13 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

نسور استراتيجية

GMT 02:12 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

من مونيكا إلى ستورمي

GMT 02:08 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

الذكاء الاصطناعي يتحدى إيمانويل كانط

GMT 02:04 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

زوجة واحدة لا تكفي!

GMT 02:01 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

تدليل أمريكي جديد لإسرائيل

GMT 19:55 2024 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مولود برج الحمل كثير العطاء وفائق الذكاء

GMT 18:51 2019 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

حمد الله ينافس ليفاندوفسكي على لقب هداف العام

GMT 14:43 2018 الجمعة ,28 كانون الأول / ديسمبر

قائمة بأسماء أفضل المطاعم في مدينة إسطنبول التركية

GMT 20:29 2018 السبت ,27 تشرين الأول / أكتوبر

منة فضالي " فلّاحة" في "كواليس تصوير مشاهدها بـ"الموقف"

GMT 06:46 2017 الإثنين ,25 كانون الأول / ديسمبر

ماكياج عيون ناعم يلفت الأنظار ليلة رأس السنة

GMT 03:29 2017 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

أصالة تبهر جمهورها خلال احتفالات العيد الوطني في البحرين

GMT 07:40 2014 الأحد ,28 كانون الأول / ديسمبر

اللاعب مروان زمامة مطلوب من ثلاث فرق مغربية

GMT 06:44 2016 الأربعاء ,15 حزيران / يونيو

اختيار هرار الأثيوبية رابع أقدس مدينة في الإسلام
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib