ميركل – أوباما و«المناطق الآمنة» بينهما

ميركل – أوباما و«المناطق الآمنة» بينهما

المغرب اليوم -

ميركل – أوباما و«المناطق الآمنة» بينهما

بقلم عريب الرنتاوي

جالت السيدة أنجيلا ميركل بمخيمات اللاجئين السوريين المنتشرة على الحدود التركية – السورية، مروّجة من جديد، لفكرة “المناطق الآمنة”، مداعبةً  بذلك “مخيّلة” السلطات التركية، التي طالما سعت لنقل هذه الفكرة إلى حيز التنفيذ من دون جدوى ... الرد الأول والمباشر على مشروع السيدة ميركل، جاءها من حليفها الأمريكي الزائر، باراك أوباما: الفكرة جيدة ومقبولة مبدئياً، بيد أنها غير قابلة للتحقيق عملياً ... أما لماذا غير قابلة للتطبيق، فسبب أنها تتطلب قوات على الأرض وفي السماء، لتوفير الحماية لها، وهذا غير متوفر لا الآن، وليس متوقعاً أن يتوفر في المستقبل المنظور. 
والحقيقة أن ما يقوله ويكرره الرئيس الأمريكي حول المناطق الآمنة، هو الصواب بعينه ... ففرض هذه المناطق بالقوة، يحتاج إلى قوة، جوية وبرية، وربما بحرية كذلك ... وفضلاً عن ذلك، فإنه سيفتح الباب لاحتمالات تخطي حروب الوكالة أو الحرب على الإرهاب الدائرة حالياً حدود “الجغرافيا السورية”، بل وقد يشعل فتيل حرب إقليمية ويفضي إلى مواجهات مباشرة بين الدول الكبرى، وهذا ما تسعى مختلف الأطراف، بمن فيها ألمانيا، لتفاديه بأي ثمن، وبكل صورة من الصور. 
وربما هذا ما حدا بسيدة ألمانيا الحديدية، إلى إدخال تعديل على مقترحها، من خلال القول بضرورة إدراج فكرة المناطق الآمنة، في صلب محادثات جنيف بين النظام والمعارضة، على أمل الوصول إلى اتفاق سياسي بشأنها، يوفر للاجئين ملاذات آمنة وكريمة، ويريح ألمانيا وأوروبا والإقليم، من أعباء اللجوء السوري التي بات الجميع ينوء بحملها. 
هنا تبدو الصورة مختلفة تماماً، وتتحول “المناطق الآمنة” من فكرة مفروضة بقوة الحديد والنار على النظام وحلفائه، إلى مشروع توافقي، يستوجب التوصل إلى اتفاقات مسبقة بين النظام والمعارضة، ومن خلفهما مختلف اللاعبين الإقليميين والدوليين، الذي يدعمون هذا الفريق، أو يسندون ذاك ... وهذا ما يعيدنا إلى ما سبق أن طرحناه في هذه الزاوية بالذات، مراراً وتكراراً عن الحاجة لإطلاق مشروع “مناطق آمنة توافقية”، بدءاً من جنوب سوريا، تسبقها “مصالحات وطنية محلية” بين قوات النظام وفصائل المعارضة – اقترحنا أن يتم ذلك بوساطة أردنية ورعاية روسية – من دون الحاجة إلى أخذ الملف إلى مفاوضات جنيف، كوننا لم نطرح المسألة كحل شامل لقضية اللجوء السوري ككل، بل أبقيناها في إطارها المحلي، بوصفها علاجاً ممكناً لأزمة تدفق اللاجئين السوريين، الذي لا ينقطع أبداً. 
وفي ظني أنه كان يتيعن على الرئيس الأمريكي، أخذ مقترح نظيرته الألمانية، بكثير من الجدية، خصوصاً بعد التوضيحات التي عرضتها (نقل الملف إلى جنيف)، فالفكرة في نسختها الألمانية، مختلفة تماماً عنها في نسختها التركية، ليس من حيث شكلها وأدوات إخراجها إلى دائرة الضوء، بل ومن حيث النوايا الكامنة والمستبطنة في كلتا النسختين، ففي الحالة الألمانية، ثمة مسعى للخلاص من عبء بدأت الدولة الأوروبية الأعظم، تنوء تحته، في حين تثير الفكرة في طبعتها التركية الفجة، الكثير من المخاوف حول أهداف تركية توسعية تشمل حلب وشمال سوريا على اتساعه. 
لكن الرئيس الأمريكي الذي اعتبر تمدد الجيش السوري على أرضه، وعلى حساب “داعش” أمراً غير مرغوب، مفضلاً عليه، دعم من يصفها بـ “المعارضة المعتدلة” وتسهيل مهمتها في “ملء فراغ” داعش، هو الذي يجعل السيد أوباما، متردداً حيال مقترح جدير بالاهتمام، صدر عن أكبر وأقوى حليف غربي له ... الأمر الذي يثبت من جديد، أن الولايات المتحدة لا تشاطر أوروبا “استعجالها” حل الأزمة السوية، وإغلاق ملفي اللجوء والإرهاب، الذين يتهددان أوروبا على نحو خاص، فيما تأثيرهما ما زال محدوداً على أمن الولايات المتحدة واستقرارها.
الخلاف الأمريكي – الألماني الذي ظهر إلى الملأ، حول المناطق الآمنة، انتقل إلى قمة الدول الأطلسية الخمسة الكبرى في هانوفر، حيث بدا أن أيدي الأمريكيين “ليست في النار” مثل أيدي الأوروبيين، وأن الرئيس الأمريكي ما زال يمتلك “ترف” الانتظار فترة أطول، قبل قطع دابر الإرهاب واللجوء المنبعثين من سوريا على وجه الخصوص، في حين لا يتوفر حلفاؤها المتحلقين حول المائدة الصغيرة، “الترف” ذاته. 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ميركل – أوباما و«المناطق الآمنة» بينهما ميركل – أوباما و«المناطق الآمنة» بينهما



GMT 07:14 2021 الجمعة ,24 كانون الأول / ديسمبر

"العالم المتحضر" إذ يشتري البضاعة القديمة ذاتها

GMT 06:17 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

"فتح" و"حماس" ولبنان بينهما

GMT 06:13 2021 الأربعاء ,15 كانون الأول / ديسمبر

أزمة قراءة أم أزمة خيارات؟

GMT 06:18 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

أزمة قراءة أم أزمة خيارات؟

نادين لبكي بإطلالات أنيقة وراقية باللون الأسود

بيروت ـ المغرب اليوم

GMT 13:52 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

اللون الذهبي يرسم أناقة النجمات في سهرات الربيع
المغرب اليوم - اللون الذهبي يرسم أناقة النجمات في سهرات الربيع

GMT 11:02 2022 الأحد ,11 كانون الأول / ديسمبر

بيروت تتوالد من رمادها وتتزين بكُتابها.

GMT 06:42 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تعرف على أبرز مميزات وعيوب سيارات "الهايبرد"

GMT 00:55 2017 السبت ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

طالب يعتدي على مدرسته بالضرب في مدينة فاس

GMT 11:02 2023 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

أفضل العطور لفصل الخريف

GMT 11:55 2023 الأحد ,05 شباط / فبراير

نصائح لاختيار الحقيبة المناسبة للمعطف

GMT 16:56 2023 الإثنين ,09 كانون الثاني / يناير

حكيمي ومبابي يستمتعان بالعطلة في مراكش

GMT 07:48 2022 الأربعاء ,19 تشرين الأول / أكتوبر

إتيكيت التعامل مع الاختلاف في الرأي

GMT 09:59 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

قواعد اتيكيت نشر الغسيل

GMT 10:31 2022 الجمعة ,27 أيار / مايو

مايكروسوفت تطور دونجل لبث ألعاب إكس بوكس

GMT 01:02 2021 السبت ,07 آب / أغسطس

وصفات طبيعية لتفتيح البشرة بعد المصيف

GMT 19:36 2020 الإثنين ,08 حزيران / يونيو

وفاة ابنة الفنان الراحل محمد السبع
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib