صحافيان مفترسان

صحافيان مفترسان

المغرب اليوم -

صحافيان مفترسان

توفيق بو عشرين

يبدو أن الصحافي الفرنسي إيريك لوران تأثر كثيرا بأرقام الثروات وهو يعد كتابه الجديد الذي سيصدر في شتنبر المقبل، الذي عنوانه: «الأبناك تجني المليارات ونحن نجني الأزمات»، لهذا فكر في أقصر الطرق للالتحاق بالمليونيرات، وعندما أنهى مسودة الكتاب، بحث عن طريقة جديدة غير تأليف الكتب لضمان تقاعد مريح، فلم يجد في مفكرة عناوينه وهواتفه سوى رقم الديوان الملكي المغربي الذي يحفظه عن ظهر قلب منذ سنوات، حيث قضى سنة 1993 أشهرا عدة في رحاب القصر لإعداد كتاب «ذاكرة ملك» مع الحسن الثاني الذي كان يريد أن يرد على كتاب جيل بيرو «صديقنا الملك» بكتاب مضاد وبقلم فرنسي… المهم أن لوران وصديقته كاترين غراسيي فكرا في طريقة للوصول إلى «خبطة مالية»، وليس صحافية، فعرضا على القصر الملكي صفقة بموجبها يمتنعان عن نشر كتاب مزعج جدا للجالس على العرش، وقد يثير صدوره ضجة كبرى لمحمد السادس كما زعما مقابل ثلاثة ملايين أورو ليس أكثر. المخزن ذاكرته مثل ذاكرة فيل، لم ينسَ العضة التي تلقاها من إيريك لوران وكاترين غراسيي اللذين ألفا سنة 2012، أي في عز الربيع العربي وفي حمأة الحديث عن فساد الأنظمة العربية وعن خلط الثروة بالسلطة.. كتاب «الملك المفترس»، وكان دعاية مضادة للصورة التي يسوقها القصر عن نفسه وعن إصلاحاته. لقد جاء الثعلبان إلى الفخ «برجليهما».. على الفور بعث القصر رسوله إلى الصحافيين المفترسين، وأوهمهما بقبول الصفقة شريطة التوقيع على التزام مكتوب بعدم النشر. ابتلع الصحافيان الطعم رغم تجربتهما ومعرفتهما بدهاء الدولة وأجهزتها، وهنا وضع محامي القصر، هشام الناصري، شكاية لدى النائب العام في باريس يتهم فيها الصحافيين بابتزاز القصر، فوُضعا على الفور تحت المراقبة والتنصت، وأول أمس عندما كانا يتناولان طعام الغداء في المطعم الفاخر في فندق رافييل كان كل شيء مرتبا.. المحامي الشاب، ابن وزير العدل السابق الطيب الناصري، جلس قبالة الصحافيين ومعه جهاز تسجيل والشرطة الفرنسية تصور اللقاء عن بعد، وبدأ التفاوض.. «ثلاثة ملايين أورو مبلغ كبير، سنعطيكم مليون أورو فقط مقابل أن توقعا على التزام بعدم كتابة ولو حرف واحد عن المغرب طوال حياتكما». عرض الناصري لم يلق ترددا من إيريك وغراسيي. وضع الصحافيان توقيعهما على الوثيقة، وتسلما 40 ألف أورو لكل واحد منهما كعربون على حسن النية، في انتظار تحويل باقي المبلغ، أي 920 ألف أورو… لما غادر الصحافيان طاولة الأكل محملين بالغنيمة، وجدا رجال الشرطة في انتظارهما في باب المطعم، وبقية القصة معروفة… لنمر الآن إلى دلالات وأبعاد هذا الحادث الذي ليس معزولا عن إشكالية أكبر اسمها علاقة الصحافة بالسلطة.

إيريك لوران ليس غريبا عن دار المخزن. لقد سبق له أن ألف كتابا دعائيا تضمن مقتطفات مختارة بعناية من ذاكرة الملك الحسن الثاني، كان غرضها الرد على كتاب جيل بيرو، وقامت جريدة الشرق الأوسط، في عهد عثمان العمير، بترجمة الكتاب إلى العربية والدعاية له، وترويج عشرات الآلاف من نسخه في المغرب. ولأن إيريك لوران ذاق من طيبات القصور، فإنه رجع بعد أن تولى الملك محمد السادس عرش المغرب ليجرب الأكل من الطبق ذاته، لكنه وجد الأبواب مغلقة. محمد السادس ليس هو الحسن الثاني، وولع الأب بالصحافة والكلام والحديث والبولميك لا يورث للأبناء بالضرورة. دق صاحبنا باب المشور السعيد أكثر من مرة، وادعى أن لديه جزءا ثانيا من كتاب «ذاكرة ملك» لم ينشر يتحدث فيه الحسن الثاني عن ابنه، وأنه ينوي نشره، وأن الكتاب لن يخلو من مفاجأة، ومع ذلك لم يلتفت أحد إلى صاحبنا، فمر من التهديد إلى الفعل، أو من الكلام إلى العض. وقع مع صحافية سابقة في «لوجورنال» كتاب «الملك المفترس»، ثم بعد ثلاث سنوات رجع يجرب الابتزاز فسقط في الفخ… في هذه القصة وجهان؛ الأول إيجابي، وهو أن القصر الملكي امتلك الشجاعة والجرأة لكي يفضح إيريك لوران وصديقته، ورفض الخضوع للابتزاز الذي تعرض له، وكان في مقدوره أن يدفع ثلاثة ملايين أورو ويحصل على صمت قلمين مزعجين، لكنه فضل المواجهة ووضع الملف أمام القضاء، وفضح جزء من الصحافة الفرنسية التي تبيع وتشتري مع المغرب وكأنه مازال مستعمرة فرنسية أو بلدا تحت الوصاية. الجانب السلبي في هذه القصة هو أحساس السلطة الدائم بالخوف والتوجس من الصحافة الأجنبية، وهو الذي يدفع بعض الصحافيين إلى ابتزاز المغرب وقصره وأجهزته، مستغلين هذا الخوف المرضي من الإعلام الأجنبي.

هل كان في مقدور لوران وغراسيي أن يتصلا بالقصر الملكي في بريطانيا أو إسبانيا أو بلجيكا أو هولندا أو الدانمارك.. ويقولا لمخاطبهما: «لدينا كتب مزعجة عن الجالس أو الجالسة على العرش ونريد ثلاثة ملايين أورو لتوقيف النشر؟». حتما كان موظفو هذه القصور سيردون على هذا الابتزاز بالقول: «عفوا، لقد أخطأتم في العنوان»… للحديث بقية…

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صحافيان مفترسان صحافيان مفترسان



GMT 02:13 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

نسور استراتيجية

GMT 02:12 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

من مونيكا إلى ستورمي

GMT 02:08 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

الذكاء الاصطناعي يتحدى إيمانويل كانط

GMT 02:04 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

زوجة واحدة لا تكفي!

GMT 02:01 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

تدليل أمريكي جديد لإسرائيل

GMT 01:57 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

«العيون السود»... وعيون أخرى!

GMT 01:52 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

إيران وإسرائيل والمسرحية.. والمتفرجون

GMT 01:48 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

الإمارات.. إدارة الأزمة بفعالية

GMT 19:55 2024 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مولود برج الحمل كثير العطاء وفائق الذكاء

GMT 18:51 2019 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

حمد الله ينافس ليفاندوفسكي على لقب هداف العام

GMT 14:43 2018 الجمعة ,28 كانون الأول / ديسمبر

قائمة بأسماء أفضل المطاعم في مدينة إسطنبول التركية

GMT 20:29 2018 السبت ,27 تشرين الأول / أكتوبر

منة فضالي " فلّاحة" في "كواليس تصوير مشاهدها بـ"الموقف"

GMT 06:46 2017 الإثنين ,25 كانون الأول / ديسمبر

ماكياج عيون ناعم يلفت الأنظار ليلة رأس السنة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib