ذئاب في صوف الحملان

ذئاب في صوف الحملان

المغرب اليوم -

ذئاب في صوف الحملان

بقلم : رشيد نيني

هناك تناقض فظيع في التصريحات الأخيرة لرئيس الحكومة المعين عبد الإله بنكيران، فهو من جهة يعبر أمام شبيبة حزبه عن استعداده لحل الحزب والخروج من الحكومة والجماعات المحلية لتجنب إرباك البنية، ويقصد بنية الدولة، أي الاستقرار، بحجة أنهم مسالمون ومرنون.

ومن جهة أخرى يقول إنه لا بد من المقاومة مهما كانت التكلفة، فأن يكونوا معتدلين أو غير معتدلين لا يمكنهم القبول بهذه الأشياء، أي رفض رئيس الأحرار للتشكيلة الحكومية كما يقترحها رئيسها المعين، وأنهم سيكونون مجبرين على مراجعة كل هذا الذي يقومون به، أي ببساطة التخلي عن المرونة والسلمية.

وعندما يتبنى بنكيران خطابين متناقضين في الآن ذاته فإنه يخلط الأوراق أمام الرأي العام ويترك الباب مشرعا أمام كل التأويلات، فهل يعتبر هذا الكلام المطلق على عواهنه، أو المفكر فيه بعناية، تبشيرا بعودة الحزب لمرحلته الشبيبية حيث الخلافات الفكرية والمنهجية تحل بالبراغي والسكاكين ؟

ولمحو آثار هذه التصريحات المهددة التي أطلقها بنكيران ضد الدولة سيرا على خطوات شباط، أطلت علينا نزهة الوافي عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية وبرلمانية الحزب المقيمة بالخارج، والتي كانت ترافق زميلها في الحزب والبرلمان محمد يتيم في كل زياراته إلى برلمان مجلس أوربا بستراسبورغ، في إطار، طبعا، تعزيز وتوطيد «العلاقات» الدبلوماسية، لتخبرنا أن بنكيران قام قبل ثلاثة عقود بضرب «الجلبة» السياسية والفكرية للشباب للتشبث بالثوابت وأولها النظام السياسي، وأنه بفضل هذه اللقاحات حمى جيلا كاملا من الشباب من الارتماء في أنفاق العنف المظلم وسراب الصراع السياسي، وأقنعه بصوابية العمل المؤسساتي في إطار الملكية.

ونسيت الوافي أن بنكيران قال في عمر بنجلون لما اغتيل طعنا وتم اعتقال بعض إخوانه «أبجريرة كلب أجرب، كان يسب الله ورسوله حكم على خيرة شباب الأمة بالإعدام والمؤبد»، وبعد حملة الاعتقالات التي طالت أعضاء الشبيبة الإسلامية، خرجت مظاهرة بمدينة الدار البيضاء من المسجد المحمدي، قادها بنكيران ويتيم، وعلى إثرها تم اعتقاله بتهمة الانتماء إلى الشبيبة الإسلامية التي وجهت لها أصابع الاتهام آنذاك بالوقوف وراء عملية الاغتيال.

فهل هذا هو الاعتدال الذي كان يلقح به بنكيران إخوانه؟ هل نسيت الوافي عندما ثار، نفاقا، في وجه مصورة «دوزيم» تحت قبة البرلمان بسبب لباسها الذي اعتبره غير محتشم، لمجرد أنها كانت ترتدي «تيشورت»، فأحيانا الله حتى رأيناه يتغزل في النساء أمام الملأ ويهمس في أذن منشطة ويقول لها «عجبتيني».

والحقيقة أنه ومع توالي الأحداث خلال السنوات الأخيرة، ظهر أن حزب العدالة والتنمية، وذراعه الدعوية حركة التوحيد والإصلاح، يحتضنان بعض دعاة التطرّف والجهاد والإرهاب، إما من خلال تحريض بعض الأعضاء على القتل أو الإشادة بأعمال إرهابية يجرمها القانون الذي أدخل عليه وزير «العزل» وما تبقى من حريات تعديلات خلال ولايته، فشاء ربك أن يكون إخوان الرميد في حزبه أول من يذوق وبالها بعدما قررت النيابة العامة متابعة أعضاء من شبيبة حزبه بقانون مكافحة الإرهاب.

فهل نتيجة لقاحات بنكيران للشباب هي أن ينتهي أفراد من شبيبته الحزبية متابعين بالإشادة بالإرهاب في قضية مقتل السفير الروسي، وأن تنبري شبيبة الحزب لتبرئتهم من كل التهم، رغم أن ما كتبوه واضح لا غبار عليه وكله إشادة باغتيال رجل مسالم من الظهر.

ولعل الحسنة الكبيرة في هذه المتابعة هي أنها كشفت الوجه الحقيقي لبعض الخلايا النائمة داخل الحزب، وأسقطت كل الأقنعة التي يقدم بها الحزب نفسه على أنه حزب معتدل، أما الكتائب الإلكترونية التي طالما تبرأ منها الحزب علنيا وسماها بنكيران بـ «المداويخ» و«الصكوعا» لتمويه الأنظار، فهي ليست سوى أداة تنفيذ، لأنها عندما تسمع بنكيران يتهم روسيا بتدمير سوريا وتسمع بوليف يصف الجيش الروسي بالكفر، والكافر يجوز فيه الْجِهَاد، فهي لا تفعل سوى الاستجابة للإشارة وإطلاق النفير، وهي دعوة صريحة إلى الجهاد ضد كل من يخالف رأي الجهاديين.

وقبل حادث اغتيال السفير الروسي، دعا عمر الصنهاجي القيادي بشبيبة حزب بنكيران، إلى قطع رؤوس كل من يعارض حزبه أو يخالفه في الرأي وفصلها عن أجسادها وتعليقها في الساحة العمومية. وأثناء التحقيق معه من طرف المكتب المركزي للأبحاث القضائية، سارعت البرلمانية أمينة تخراج العينين والبرلماني عبد العالي حامي «السوق»، وخالد البوقرعي المسؤول عن شبيبة الحزب، وقياديون آخرون للدفاع عنه ومساندته والتنديد بالتحقيق معه، أما البرلماني والمحامي المسلوخ عبد الصمد الإدريسي عضو الأمانة العامة للحزب، فنصب نفسه للدفاع عنه في حالة متابعته أمام القضاء، وعندما انتهى التحقيق معه من طرف رجال الخيام أقامت له الشبيبة حفل استقبال على غرار استقبال الأبطال.

هذا طبعا دون أن ننسى الغزوات الجهادية التي قام بها فصيل الوحدة والتواصل التابع لحركة التوحيد والإصلاح بالجامعات المغربية لتحريرها من بقايا الشيوعية في بداية التسعينات، بالتزامن مع غزوات المجاهدين الأفغان لتحرير «كابول» من الغزو السوفياتي، وساحات جامعة ظهر المهراز مازالت شاهدة على «البطولات» الجهادية للكاتب العام لشبيبة الحزب، خالد البوقرعي، ومازالت قضية مقتل الطالب آيت الجيد بنعيسى بسبب العنف الطلابي، تلاحق القيادي بالحزب، عبد العالي حامي الدين، إلى الآن.

وإذا نسيت أو تناست نزهة الوافي كل هذا التاريخ فهل تستطيع أن تنكر أن بنكيران عمل إلى جانب الدكتور الخطيب مؤسس حزب العدالة والتنمية على إرسال الجهاديين للقتال في أفغانستان، استجابة لطلب الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت تحارب الروس بالوكالة عن طريق المجاهدين الأفغان، وأسس الخطيب لهذا الغرض جمعية تسمى جمعية مساندة الكفاح الأفغاني، والشيء نفسه بالنسبة لقضية البوسنة والهرسك، فقد أسس جمعية لمساندة الجهاد بالبوسنة والهرسك، وتكلف قياديون بحركة التوحيد والإصلاح بجمع تبرعات مالية لدعم الجهاديين، ونفس الأمر كان سيتكرر بعد اندلاع الحرب الأهلية في سوريا، بمشاركة الحركة الدعوية للحزب في المؤتمر الذي انعقد بالعاصمة المصرية القاهرة، لإرسال الجهاديين للالتحاق بجيش النصرة التابع لتنظيم القاعدة، قبل أن تنشق عنه مليشيات تنظيم «داعش»، وخرج بعد ذلك فقيه الحركة ورئيسها السابق، أحمد الريسوني، بتصريح قال فيه إنه متفق تماما مع مضمون بيان القاهرة وأنه يمكنهم تجنيد الشباب المغربي لـ «الجهاد» في سوريا إذا دعت الضرورة إلى ذلك، قبل أن تتراجع الحركة عن ذلك، وأعلنت توفيرها الدعم المادي والمعنوي والثقافي والإنساني للجهاديين.

وإذا فات هذا كله نزهة الوافي، بحكم حداثة سنها، فلا يمكن أن تكون قد فاتتها قراءة التقرير الأمريكي الذي كشف عن أسماء 131 شخصا ينتمون إلى 31 دولة من مختلف أنحاء العالم، يوفرون الدعم الشرعي والمالي للتنظيمات الإرهابية، ومن بين هؤلاء كما يشير التقرير، أحمد الريسوني، الرئيس السابق لحركة التوحيد والإصلاح، ومحمد يتيم زميلها في الرحلات، والبرلماني والعضو في الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية.

وذكر التقرير الأمريكي أن التبرعات الخاصة من دول الخليج ظلت المصدر الرئيسي لتمويل الجماعات الإرهابية وكشف أن دعم «الحركات الجهادية»، يتشكل من «الدعم المالي عن طريق الصدقات والتبرعات والزكاة، بعد إثارة العاطفة والحماسة لدى المسلمين، يسبقه في ذلك دعم شرعي لتحسين صورة الجهاد المسلح والتجنيد والدعوة له».

لذلك فمن باب الضحك على الذقون أن تدعي الوافي أن بنكيران لقح الشباب ضد التطرف، كيف ذلك والحزب وحركته الدعوية يتحملان المسؤولية المعنوية عن أحداث 16 ماي الإرهابية التي هزت مدينة الدار البيضاء، التي شكك بنكيران بعد وقوعها في فاعلها الحقيقي، وتتجلى هذه المسؤولية في مساهمة الحركة عبر فتح المجال لشيوخ السلفية وكتب الفكر المتطرف لنفث سموم الفكر المتطرف للسلفية الجهادية في صفوف الشباب، الذين التحقوا بتنظيم «داعش» في جبهات القتال بالعراق والشام، ومنهم أشخاص اعتقلوا في إطار الخلايا الإرهابية، سبق للرميد أن ترافع نيابة عنهم أمام محكمة الإرهاب.

وقبل أيام قليلة من انطلاق الحملة الانتخابية الأخيرة، ألقى بنكيران كلاما خطيرا أمام شبيبة حزبه، أعلن من خلاله استعداده للموت من أجل الفوز بالانتخابات التشريعية ورئاسة الحكومة التي ستتمخض عنها، حيث وجه رسائل تهديدية، مستشهدا بفتوى ابن تيمية حول القتل والشهادة، وقال إنه ظل يستغرب كيف لم يمت في سبيل الله بعد وكشف أن ثقافة حزبه لا يعرفها أحد.

وأمام هذه التطورات، خرج مرشد إخوان المغرب، محمد الحمداوي، لينفي وجود أية علاقة تنظيمية بين التوحيد والإصلاح والتنظيم العالمي للإخوان المسلمين، لكن لماذا يصر قادة الحركة على حضور جميع المؤتمرات الدولية التي ينظمها التنظيم، ومنها المؤتمر الذي عقدته قيادة التنظيم يوم 20 شتنبر الماضي بمدينة إسطنبول التركية، وذلك بأربعة أيام قبل انطلاق الحملة الانتخابية، بحضور ممثل عن الحركة، وخصص الاجتماع لمناقشة نقطة وحيدة في جدول أعماله، تتعلق بمناقشة وضعية حزب العدالة والتنمية بالمغرب، على ضوء الاستعداد للانتخابات التشريعية، مع توفير الإمكانيات المادية واللوجستيكية والإعلامية لدعمه في حملته الانتخابية، ليتمكن من اكتساح الانتخابات البرلمانية واستمراره في قيادة الحكومة لولاية ثانية، وخلص الاجتماع إلى ضرورة مساندة فروع التنظيم الدولي للإخوان المسلمين في الحفاظ على السلطة بالمغرب وباقي الدول العربية والإسلامية، بعد فشل تجربة حكم الإخوان بكل من مصر وتونس والأردن، وتم التركيز على الدعم الإعلامي من خلال وضع الأذرع الإعلامية للتنظيم رهن إشارة الحزب لمواكبة حملته الانتخابية، عبر قناة الجزيرة التي كانت تنقل مباشرة المهرجانات الاستعراضية لبنكيران، دون بقية الأحزاب، بمختلف المدن.
وبقية القصة تعرفونها طبعا، اكتساح ثم بلوكاج ثم انتظار للمجهول.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ذئاب في صوف الحملان ذئاب في صوف الحملان



GMT 05:05 2017 الثلاثاء ,06 حزيران / يونيو

حتى أنت يا مصيطيفة

GMT 05:06 2017 السبت ,03 حزيران / يونيو

الدرهم العائم

GMT 06:18 2017 الخميس ,01 حزيران / يونيو

يتيم في العيد

GMT 06:30 2017 الثلاثاء ,30 أيار / مايو

عادات سيئة

GMT 05:40 2017 السبت ,27 أيار / مايو

ولاد لفشوش

GMT 18:42 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

الأميرة للا مريم تترأس اجتماعا بالرباط
المغرب اليوم - الأميرة للا مريم تترأس اجتماعا بالرباط
المغرب اليوم - جراحون يزرعون للمرة الثانية كلية خنزير لمريض حي

GMT 06:51 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

أفضل أنواع الستائر الصيفية لإبعاد حرارة الشمس

GMT 17:53 2024 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

محمد صلاح يضيف لرصيده 3 أرقام قياسية جديدة

GMT 13:50 2012 الخميس ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

البيئة النظيفة.. من حقوق المواطنة

GMT 21:44 2021 الأحد ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

أشهر الوجهات السياحية المشمسة في الشتاء

GMT 00:48 2021 الإثنين ,04 تشرين الأول / أكتوبر

إسبانيول يفاجئ ريال مدريد بخسارة مؤلمة

GMT 00:06 2021 الأحد ,03 تشرين الأول / أكتوبر

مباراة "قناة رقمية" تثير تساؤلات في جامعة أكادير

GMT 21:44 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك تغييرات في حياتك خلال هذا الشهر

GMT 22:47 2012 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

إشتقت إلى الرقص الشرقي وسعيدة بـ"30 فبراير"

GMT 11:34 2024 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

بايرن ميونخ يرفض رحيل توماس توخيل
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib