عطوان كنت شاهدا على احداث لندن

عطوان: كنت شاهدا على احداث لندن

المغرب اليوم -

عطوان كنت شاهدا على احداث لندن

بقلم - عبد الباري عطوان

ان تتواجد ككاتب وصحافي في قلب الحدث، وبمحض الصدفة، للحديث عن “الإرهاب” واخطاره، بحكم التخصص العلمي والاكاديمي، فهذه “نعمة” توفر لك فرصة ثمينة للرصد، وتسجيل الوقائع، وقياس ردود الفعل، ورسم صورة اقرب الى الدقة للتطورات، وكيفية التعاطي معها.

هذا ما حدث معي يوم امس الاربعاء، يوم حدوث هجوم لندن الذي أوقع ثلاثة قتلى، واسفر عن إصابة 29 شخصا بعضهم اصابته حرجة، فقد دعيت لالقاء محاضرة في البرلمان البريطاني للحديث عن الإرهاب، وجذوره، وحواضنه، ومنظماته، واخطاره، واسبابه، وادواته الإعلامية، استنادا الى كتابي الاحدث: Islamic State: The Digital Caliphate، وفوجئنا بقوات غريبة (قوات مكافحة الإرهاب) لم ار مثلها على مدى 40 عاما من الإقامة في لندن، ملثمة، ومدججة بأحدث البنادق الرشاشة “مثل سلاحف ننجا”، تأمرنا بإخلاء القاعة، والنزول الى الطابق الأرضي عبر السلالم، وابلاغنا في الوقت نفسه بحدوث عمل إرهابي ضخم، دون إعطاء تفاصيل.

 جرى نقلنا من باحة الى أخرى، نوابا ووزراء سابقين وحاليين، ومساعدين دون أي تمييز في المناصب، فالمهم هو سلامة الجميع، وبقينا داخل المبنى حتى ساعة متأخرة من الليل حتى التأكد من انتهاء الهجوم، ورفع حالة حظر التجول في المنطقة المحيطة بالبرلمان التي جرى اغلاقها بالكامل، وبعدها سمح لنا بالخروج بعد اخذ الأسماء والعناوين، ولم يقولوا لنا الوزراء والامراء والشيوخ أولا، فالجميع سواسية.

 كشخص عاش ظروف عدة حروب الأولى عام 1967 في قطاع غزة، والثانية عام 1973 عندما كنت طالبا في الجامعة في القاهرة، ومعركة الكرامة في عمان (كنت عاملا في مصنع) عام 1968 التي خاضها ابطال الجيش الأردني بقيادة الجنرال مشهور حديثة الجازي، جنبا الى جنب مع الفدائيين، واعادت للامة الكثير من كرامتها بعد هزيمة حزيران، أقول ان شخصا مثلي تعود اصوله ومنابته الى منطقة ملتهبة، لم اشعر بالخوف او القلق، وان كنت قد تعاطفت مع ما يقرب من ثلاثة آلاف شخص كانوا محاصرين مثلي في البرلمان من جراء الهلع والقلق اللذين سادا صفوفهم في عمليات اجلاء منظمة وسلسلة بشكل لافت، ودون أي تزاحم او صراخ او فظاظة من رجال الامن.
***
لندن ظلت بعيدة عن أي هجمات إرهابية منذ تفجيرات القطارات الارضية الانتحارية في تموز (يوليو) عام 2007، التي أودت بحياة 56 شخصا، ونفذتها خلية تابعة لتنظيم “القاعدة”، وقال منفذوها في اشرطة مسجلة تضمنت وصيتهم، بأنها جاءت انتقاما لغزو العراق واحتلاله ومقتل مليون شهيد من أبنائه.

 لم يفاجئنا اصدار تنظيم “الدولة الإسلامية” بيانا بثته وكالة “أعماق” الناطقة بإسمه، تتبنى فيه هذه العملية الإرهابية، فبصماتها كانت واضحة منذ الدقيقة الأولى، للاسباب الأربعة التالية:

أولا: تزامن هذا الهجوم مع الذكرى الأولى لتفجيرات بروكسل العام الماضي التي اسفرت عن مقتل 23 شخصا، وأعلنت “الدولة الإسلامية” انتماء الخلية المنفذة لها.

ثانيا: أسلوب الدهس بات علامة مميزة للخلايا التابعة لتنظيم “الدولة”، وتنفيذا لفتوى ابو محمد العدناني، المتحدث باسمها، التي صدرت قبل اغتياله امريكا، كرد على انطلاق الحرب على عاصمتيها الموصل (في العراق)، والاستعداد لهجوم على الرقة (سورية) من قبل قوات التحالف الستيني، علاوة على روسيا، وكان اول وابرز تطبيق لهذا الأسلوب على يد مواطن تونسي بشاحنة على شاطيء نيس في حزيران (يونيو) الماضي (قتل 84 شخصا)، وفي برلين على يد مواطن تونسي آخر في كانون الأول (ديسمبر) الماضي (اسفر عن مقتل 12 شخصا).

 ثالثا: تنظيم “الدولة الإسلامية” في ظل الخسائر الأرضية الكبيرة التي تعرضت لها في العراق (خسارة الفلوجة، تكريت، الرمادي، واحياء الموصل الشرقية وبعض الغربية)، وفي سورية (منبج، الباب، كوباني، تدمر، وقرب بدء الهجوم على الرقة)، بدأ يلجأ لتطبيق “الخطة ب”، أي الانتقال الى التوسع في الهجمات الإرهابية، وفي الغرب تحديدا.

 رابعا: مواقع “الدولة” على وساط التواصل الاجتماعي احتفلت بشكل لافت بهجوم لندن، قبل اعلان مسؤولية التنظيم عن العملية، ومن يتابع هذه المواقع، وان احدهم، يلمس حالة الفرح بالتنفيذ، والاعجاب بشجاعة المنفذ.

 ***
هناك ثلاثة خيارات رئيسية باتت امام تنظيم “الدولة الإسلامية” في المرحلة المقبلة، أولها التمدد إرهابيا، كبديل للانكماش الجغرافي لدولته، والتركيز اكثر على الجانب العقائدي ونشره على أوسع نطاق ممكن كايديولوجية بعيدة المدى لبعث الخلافة الإسلامية، والهجرة الى الأماكن الرخوة، او الدول الفاشلة، مثل ليبيا واليمن والصومال والساحل الافريقي كبدائل لخسارة قواعده في سورية والعراق ولو كخيار مؤقت، انتظارا لتوفر فرص العودة فيهما لاحقا، وهذا غير مستبعد، لان انفراط التحالف الحالي الذي يتوحد على ارضية محاربتها (أي الدولة) احتمال وارد بعد استعادة الموصل والرقة، لوجود تناقضات استراتيجية، مثل اعلان الاكراد المتوقع لدولتهم، وجعل كركوك عاصمة لها، وعدم تحقيق المصالحات الوطنية، واستفحال التحشيد الطائفي على جانبي المعاجلة المذهبية، وفي العراق خاصة.

اختيار لندن لتنفيذ هذا الهجوم لم يكن صدفة، واختيار البرلمان معقل الديمقراطية الغربية الاقدم ومحيطه كان اختيارا محسوبا بدقة، لان لندن تكتسب أهمية سياسية خاصة بحكم تاريخها وموقعها الجغرافي، إضافة الى عنصر اهم، وهو دورها الإعلامي، ومنفذو مثل هذه الهجمات، ومن يقفون خلفهم، يسعون الى احتلال العناوين الرئيسية في وسائل الاعلام العالمية وليس هناك افضل من لندن في هذا المضمار.

نعيد ونكرر بأن “الدولة الإسلامية” في ظل خسارتها المحتملة لمعظم أراضيها وربما كلها، ودولة خلافتها بالتالي، ستكون اكثر شراسة وخطورة، من حيث عودتها الى استراتيجية تنظيم “القاعدة” الام، أي الهجمات الإرهابية، بعد تخلصها من أعباء إدارة المدن التي كانت تسيطر عليها، ومتطلبات “مواطنيها” من الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم والامن، وهي أعباء باهظة التكاليف ماليا وبشريا.

 لا نستبعد ان تشهد المرحلة المقبلة تنافسا او تعاونا بين اخطر تنظيمين إسلاميين إرهابيين في العالم أي “القاعدة” و”الدولة”، فالاول في حال نهوض انطلاقا من قلب الجزيرة العربية واليمن تحديدا، وتتزعمه قيادة جديدة شابة، والثاني في حالة انكماش جغرافي سيدفعه للانتقام والثأر من مهاجميه واعدائه عبر التفجيرات الإرهابية.

 الإرهاب مرشح للعودة، وبصورة اكثر قوة في الأشهر وربما السنوات المقبلة، لان الحواضن والأسباب والنزعات الثأرية والانقسامات الطائفية والفوضى الدموية ما زالت موجودة، بل مرشحة للتوسع، في ظل عدم وجود أي مخططات حقيقة لازالتها، وتقديم النموذج الجاذب والبديل في مرحلة ما بعد استعادة الموصل والرقة.. والأيام بيننا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عطوان كنت شاهدا على احداث لندن عطوان كنت شاهدا على احداث لندن



GMT 02:13 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

نسور استراتيجية

GMT 02:12 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

من مونيكا إلى ستورمي

GMT 02:08 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

الذكاء الاصطناعي يتحدى إيمانويل كانط

GMT 02:04 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

زوجة واحدة لا تكفي!

GMT 02:01 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

تدليل أمريكي جديد لإسرائيل

GMT 01:57 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

«العيون السود»... وعيون أخرى!

GMT 01:52 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

إيران وإسرائيل والمسرحية.. والمتفرجون

GMT 01:48 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

الإمارات.. إدارة الأزمة بفعالية
المغرب اليوم - جراحون يزرعون للمرة الثانية كلية خنزير لمريض حي

GMT 19:55 2024 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مولود برج الحمل كثير العطاء وفائق الذكاء

GMT 18:51 2019 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

حمد الله ينافس ليفاندوفسكي على لقب هداف العام

GMT 14:43 2018 الجمعة ,28 كانون الأول / ديسمبر

قائمة بأسماء أفضل المطاعم في مدينة إسطنبول التركية

GMT 20:29 2018 السبت ,27 تشرين الأول / أكتوبر

منة فضالي " فلّاحة" في "كواليس تصوير مشاهدها بـ"الموقف"

GMT 06:46 2017 الإثنين ,25 كانون الأول / ديسمبر

ماكياج عيون ناعم يلفت الأنظار ليلة رأس السنة

GMT 03:29 2017 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

أصالة تبهر جمهورها خلال احتفالات العيد الوطني في البحرين

GMT 07:40 2014 الأحد ,28 كانون الأول / ديسمبر

اللاعب مروان زمامة مطلوب من ثلاث فرق مغربية

GMT 06:44 2016 الأربعاء ,15 حزيران / يونيو

اختيار هرار الأثيوبية رابع أقدس مدينة في الإسلام

GMT 04:44 2015 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

شركة ألعاب "إيرفكيس" الشهيرة تطلق ألعاب خاصة للفتيات

GMT 09:18 2015 السبت ,26 كانون الأول / ديسمبر

هواوي Y6 تبيع 5 آلاف وحدة من الهاتف النقال
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib