أي تفسير لأزمة الأحزاب السياسية

أي تفسير لأزمة الأحزاب السياسية؟

المغرب اليوم -

أي تفسير لأزمة الأحزاب السياسية

بقلم - عبد العالي حامي الدين

التشخيص الذي قدمه الخطاب الملكي الأخير، بمناسبة عيد العرش لواقع الأحزاب السياسية، لامس العديد من الأعطاب التي تعاني منها الأحزاب السياسية، والحقيقة أن الانتقادات القاسية التي وجهت للأحزاب السياسية ولنخبها التمثيلية على الخصوص هي مناسبة لتشريح المشهد الحزبي في المغرب والوقوف على أعطابه الموضوعية، وفتح نقاش عمومي هادئ حول الأسباب العميقة التي حالت دون قيام الأحزاب السياسية بأدوارها على الوجه المطلوب.
إن الظاهرة الحزبية في المغرب ليست ضاربة في جذور التاريخ، ولكن نشأتها ارتبطت، أساسا، بمقاومة الاحتلال الأجنبي، وذلك على غرار العديد من التجارب في العالم خلال المرحلة الاستعمارية، وفي هذا السياق يمكن أن نميز بين نوعين من الأحزاب من حيث أصل النشأة في الدول حديثة العهد بالاستقلال:
– أحزاب نشأت لمقاومة الاستعمار وتحرير البلاد، ومن الأمثلة عليها حزب الوفد المصري، وحزب الاستقلال المغربي، وحزب الدستور التونسي، وجبهة التحرير الجزائرية، وحزب المؤتمر الهندي والحزب الوطني الإندونيسي وغيرها.
-أحزاب أنشأتها السلطة القائمة بعد الاستقلال لتقوم بدور الدعم والمساندة، ومن الأمثلة عليها حزب المصلحة الوطنية في السلفادور، الحزب الثوري الدستوري في المكسيك، والاتحاد الاشتراكي في السودان، والاتحاد الاشتراكي في مصر وغيرها.
وتعتبر ظاهرة صناعة الأحزاب الموالية للسلطة، من الأسباب الجوهرية، التي أفسدت العمل الحزبي وجعلته لصيقا بثقافة الريع وشهوة القرب من السلطة وما تجلب لها من منافع، وكان هذا من أهم مداخل إفساد النخب الحزبية، بما فيها من نشأ في ظل أحزاب وطنية.
إن نشأة الأحزاب السياسية في ظل أنظمة استعمارية كان لها تأثير بالغ على أدائها خلال مرحلة ما بعد الاستقلال، خصوصا بعدما تمكنت من السلطة أنظمة غير ديمقراطية.
بالمقابل، فقد كانت نشأة الأحزاب السياسية في العديد من التجارب الأوروبية مرتبطة بتشكيل البرلمانات وخرجت من رحم النظام التمثيلي، وساهم في تأسيسها ناخبون مقتنعون بالفكرة البرلمانية وما تفرزه من سلطة قابلة للمحاسبة والمراقبة والعقاب.
فمنذ أوائل القرن التاسع عشر بدأت ظاهرة الأحزاب تنتشر بمفهومها الحديث، وارتبطت ولادتها في السياق الغربي، بالديمقراطية وباتساع هيئة الناخبين وبتبني نظام الاقتراع العام وبتقوية مراكز البرلمانات، فكلما ازدادت مهام البرلمانات وشعرت باستقلالها استشعر أعضاؤها ضرورة تنظيم صفوفهم، وكلما ازداد عدد الناخبين كلما بدا من الضروري تكوين لجان قادرة على تنظيم الناخبين لتكون أصواتهم مؤثرة، ولهذا فإن نشأة كثير من الأحزاب في أوروبا والولايات المتحدة مرتبطة بنشاط الناخبين وأعضاء البرلمان،  كما وجدت أحزاب أخرى نشأت خارج البرلمانات والناخبين يسميها علماء السياسة أحزابا ذات أصل خارجي، وهي الأحزاب التي نشأت نتيجة لنشاط النقابات أو الكنيسة أو الجماعات الدينية أو الخلايا السرية..
الفرضية الأساسية التي نقترحها لتفسير أعطاب الأحزاب السياسية في المغرب، تدور حول فكرتين:

الفكرة الأولى: وهي أن السياق الذي نشأت فيه جميع الأحزاب السياسية بالمغرب لم يكن سياقا ديمقراطيا، وزاد من تعميق أزمتها نشأة العديد من الأحزاب السياسية بمبادرة من السلطة أو بتشجيع منها ودعمها لمنافسة الأحزاب التي خرجت من رحم الشعب..
الفكرة الثانية: أن دولة ما بعد الاستقلال كانت دولة تقليدية، واستمرت بنيتها تقليدية، رغم استخدامها للعديد من المفاهيم التي تنتمي إلى الدولة الحديثة، وهذه المفارقة هي التي تدفع الدولة لكي تحافظ على استمراريتها بعمقها التقليدي ومظهرها الحداثي، إلى التدخل في الأحزاب السياسية وتوجيه تحالفاتها ورسم مواقفها، وإفراغها من عمقها التمثيلي وامتدادها الشعبي، وحتى لو حرصت على تنظيم انتخابات، فإنها انتخابات بدون ديمقراطية ولا رهانات سياسية حقيقية، وإذا نجحت أصوات الناخبين في تحدي هذه القواعد وأفرزت نتائج من شأنها إعادة الثقة للمواطن في صوته الانتخابي، فإن أدوات السلطة تتدخل بمختلف الوسائل لوقف هذا المسار ..
وهذا هو المفتاح لفهم الاحتقان السياسي الذي ساد في البلاد بعد نتائج 7 أكتوبر، وما تلاه من وقائع وأحداث تؤكد أن أزمة الأحزاب السياسية لا يمكن فصلها عن أزمة النظام السياسي ككل..

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أي تفسير لأزمة الأحزاب السياسية أي تفسير لأزمة الأحزاب السياسية



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

استوحي إطلالاتك لسهرات عيد الأضحى من من ديانا كرزون

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 23:39 2024 الأربعاء ,05 حزيران / يونيو

فابريزيو رومانو يٌوضح رقم قميص مبابي في ريال مدريد

GMT 13:52 2017 الأحد ,29 تشرين الأول / أكتوبر

"آبل" تكشف عن سعر إصلاح شاشة هاتف "آي فون 10"

GMT 02:07 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الصورة الأولى لنجل كريم بنزيمة على "إنستغرام"

GMT 23:33 2014 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

القيادي محمد يتيم يشغل زوار صفحته بـ"جلابته الصوفية"

GMT 09:01 2017 الجمعة ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

قطع مجوهرات لوي فيتون الراقية تستغرق من أجل صناعتها عامًا

GMT 20:32 2017 الأربعاء ,11 تشرين الأول / أكتوبر

حيوانات الرنة مهددة بالانقراض بسبب تغير المناخ
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib