الذكرى الأولى لانطلاق الملحمة المليونية لوقف الانحراف السياسي في الجزائر
آخر تحديث GMT 21:28:04
المغرب اليوم -
براءة فرانشيسكو أتشيربي من الاتهامات التى وجهت إليه بارتكابه إساءات عنصرية إلى خوان جيسوس مدافع نابولي وفاة الإعلامية والسيناريست المغربية فاطمة الوكيلي في مدينة الدار البيضاء بعد صراع طويل مع المرض إحباط محاولة لاغتيال الرئيس الفنزويلي خلال تجمع حاشد في وسط كراكاس وزارة الدفاع الروسية تُعلن إحباط محاولة أوكرانية لتنفيذ هجوم إرهابي في بيلجورود قوات الاحتلال الإسرائيلي تشن حملة اعتقالات وتقتحم مدينة نابلس ومخيم عسكر في الضفة الغربية وزارة الصحة الفلسطينية تُعلن ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 32 ألفا و333 قتيلاً منذ بدء الحرب زلزال يضرب الأراضي الفلسطينية شعر به سكان الضفة الغربية الاحتلال الإسرائيلي يقصف محيط مستشفى الشفاء بغزة وسط إطلاق نار كثيف من آلياته مقتل ثلاثة أشخاص وتعرض أكثر من 1000 منزل للتدمير جراء زلزال عنيف ضرب بابوا غينيا الجديدة أمس الأحد المدرب الروسي ياروسلاف سودريتسوف عائلته في عداد المفقودين في هجوم "كروكوس"
أخر الأخبار

أطاحت بـ"بوتفليقة" ولعب الجيش دورًا فعّالًا في إيصال البلاد إلى برّ الأمان

الذكرى الأولى لانطلاق "الملحمة المليونية" لوقف الانحراف السياسي في الجزائر

المغرب اليوم -

المغرب اليوم - الذكرى الأولى لانطلاق

الحراك الشعبي في الجزائر
الجزائر - المغرب اليوم

تمر السبت الذكرى الأولى لانطلاق الحراك الشعبي، الذي كان ملحمة مليونية قام بها الشّعب الجزائري لوقف الانحراف السياسي وإعطاء إشارة الانطلاق لعهد جديد، بدأ بإسقاط العهدة الخامسة، ثم الدخول في جولات حوار انتهت بتأسيس سلطة وطنية مستقلة لتنظيم الانتخابات، وتمكنت هذه الأخيرة من تنظيم انتخابات رئاسية أعادت الجزائر إلى حظيرتها الدولية وكانت بداية لإصلاح الأوضاع داخليا. وبالموازاة مع ذلك استمر جزء من الحراكيين في التظاهر في مظهر يكرس حرية التعبير والديمقراطية مثل ما قال رئيس الجمهورية.

وعلى صعيد مكافحة الفساد، كان العام الأول من الحراك حافلا بالأحداث.. رؤوس كبيرة سقطت وأخرى في طريقها إلى السجن، بما شكل رادعا قويا للمسؤولين بأن من يغترف من المال العام ينتهي به المطاف سجينا أو طريدا.. واليوم يتحول هذا اليوم بقرار رسمي إلى يوم وطني للتلاحم والتآزر بين الجزائريين، في إطار التغيير الذي طالب به “فخامة الشعب” لبناء الجزائر الجديدة.خرج جزائريون هذا الجمعة، عبر مسيرات حاشدة جابت أنحاء البلاد، تزامنا مع الذكرى الأولى للحراك الشعبي المصادف ليوم 22 فيفري 2019، والذي أطاح بالرئيس الأسبق عبد العزيز بوتفليقة وحاشيته، وأدخل الدولة في مرحلة غير مسبوقة في تاريخها، لعب فيها الجيش الوطني العشبي دورا فعالا في إيصال الجزائر إلى بر الأمان، إلا أن المتظاهرين للأسبوع الـ53 أصروا على مواصلة حراكهم حتى تتحقق جميع مطالبهم كاملة غير منقوصة، كما عبروا عن تمسكهم ببناء جزائر جديدة قوامها السيادة الشعبية، مطالبين بإطلاق سراح سجناء الرأي والسياسيين.هذه الجمعة، ليس كسائر الجمعات السابقة، إذ شهدت مداخل العاصمة، عبر جميع الطرق المؤدية إليها خاصة الطريق السيار من الناحية الشرقية أو الغربية أو حتى الفرعية والثانوية ازدحاما كبيرا، بسبب السدود الأمنية الكثيرة على مستواها، تحسبا لتنقل المواطنين إلى العاصمة لإحياء الذكرى الأولى للحراك الشعبي، والتي رسّمها رئيس الجمهورية عبد العزيز تبون كيوم وطني للتلاحم بين الشعب والجيش.

وحدة الشعب خط أحمر.. والجميع ضد الجهوية والكراهية

أجواء المسيرة الـ53 كانت مميزة مقارنة بالمسيرات الماضية، حيث عادت صور المسيرات الأولى لبداية الحراك الشعبي، وعادت معه الشعارات والهتافات القديمة، التي صدحت بها أصوات المتظاهرين على شاكلة الهتاف المشهور “جيش .. شعب.. خاوة خاوة”.ومباشرة بعد انتهاء المصلين من أداء صلاة الجمعة، انطلقت الحشود في مسيرات جابت الشوارع الرئيسية للعاصمة التي غصت كالعادة بالمتظاهرين شبابا وكبارا، نساء ورجالا، رافعين الرايات الوطنية ولافتات ورددوا شعارات سياسية تشدد على وحدة الشعب وأسس الجزائر الجديدة منها “لا للطائفية نعم للوحدة الوطنية” و”بيان أول نوفمبر أساس الدولة الجديدة”، كما تميزت مسيرة الذكرى الأولى للحراك الشعبي، برفض الجزائريين كل أشكال العنصرية والتفرقة، حيث اتحدت الأصوات مع بعضها وامتزجت اللهجات وسقطت الإيديولوجيات، لا مكان للجهوية.

مباركة شعبية لمتابعة شكيب خليل وآخرين قضائيا

لم يفوت الحراكيون، فرصة التعبير عن فرحتهم بمواصلة محاسبة أفراد العاصبة وباركوا العمل الكبير الذي تقوم به المحكمة العليا التي ضربت بيد من حديد كبار المسؤولين السابقين في صورة “شكيب خليل” الذي ظل لسنوات يصول ويجول هناك وهناك، دون أن يردعه حسب ما كشف أحد الموطنين “كنا يوميا ننتظر متى يتم الإعلان في العاجل عن إصدار أوامر قضائية بمتابعة والقبض على شكيب خليل، الذي يعتبر في نظرنا أول من حطم الاقتصاد الوطني، من خلال صفقاته غير المشبوهة، في داخل وخارج الوطن”.كم طالب المتظاهرون برؤوس الفساد الذين نهبوا المال العام وخانوا الأمانة، وعاثوا في الأرض استبدادا، وكانت أغلب الشعارات التي حملها المحتجون، بالعاصمة، تصب في خانة مطالبة جهاز العدالة بمواصلة القبض على رموز النظام السابق، دون استثناء، مرددين بهتاف موحد “الجزائر أمانة بعتوها يا الخونة”، في إشارة إلى المتسببين في الفساد المالي والاقتصادي.

بالتغيير الجذري متمسكون.. وللمفسدين محاربون

استرجع الجمعة عبر عديد الولايات، الشارع زخمه في الجمعة التي سبقت بساعات مرور الذكرى الأولى للحراك الشعبي، الذي أطاح بمخططات النظام السابق الذي حاول تمرير العهدة الخامسة للرئيس المستقيل، وبقاء كل أفراد العصابة على رأس الحكم.وظهرت كل أطياف المجتمع في الجمعة التي سبقت 22 فيفري في مدن شرق البلاد، وجاء بعض المشاركين ليحتفل بما تحقق من إنجازات الحراك، وعلى رأسها جرّ الكثير من رؤوس الفساد إلى العدالة، ومنع الرئيس السابق من مواصلة الحكم، والبعض الآخر جاء للمطالبة بتحقيق المطالب المتبقية وعلى رأسها تغيير كل ما له صلة بالممارسات السابقة التي أوقعت البلاد في الفخ.كما ظهرت شعارات جديدة وأناشيد، كان واضحا بأن أهل الحراك جهزوها خصيصا للذكرى الأولى.

كما خرج البجاويون في مسيرة جابوا من خلالها شوارع عاصمة الحماديين انطلقت من ساحة دار الثقافة “الطاوس عمروش” باتجاه أعالي المدينة مرورا بمقر الولاية وساحة حرية التعبير “سعيد مقبل”، تحت شعار “عام وحنا خارجين وماراناش حابسين”، حيث طالب المشاركون في مسيرة الجمعة 53 بالتغيير الجذري والشامل للنظام الفاسد بشعار “نعم للتغيير الجذري.. لا لعملية تجميله”، حيث ألح المتظاهرون على ضرورة رحيل كل رموز النظام السابق، ومحاسبة كل الفاسدين واسترجاع أموال الشعب المنهوبة، وجدد المتظاهرون مطلبهم الداعي إلى إطلاق سراح كل موقوفي الحراك، معبرين عن رفضهم لاستغلال الغاز الصخري في الجزائر.من جهتهم، أحيا ناشطو الحراك بالشلف، ذكراه الأولى حيث استهلت مسيرة، الجمعة، بالاستماع لكامل مقاطع النشيد الوطني، وطالب المشاركون بالإفراج عن موقوفي الحراك، ومتابعة محاسبة الفاسدين، وتطهير الإدارة من “بقايا العصابة”، وحل المجالس المنتخبة.

هكذا رافق الجيش الحراك وتعهّد ووفّى

سيبقى يوم 22 فيفري 2019، محطة هامة في تاريخ الجزائر الحديث، فالمسيرات السلمية للشعب الجزائري التي عمت أرجاء الوطن مطالبة بالتغيير النظام السابق، قد وجدت لدى الجيش الوطني منذ البداية الأذان الصاغية والأيدي الآمنة لمرافقتها، وبذلك سجل التاريخ مواقف وطنية خالدة للمؤسسة العسكرية، وعلى رأسها الراحل الفريق أحمد قايد صالح، بصفته رئيس الأركان، نائب وزير الدفاع، الذي تعهد بأن “لا تسيل قطرة دم جزائرية واحدة”، وحرص من خلال جميع خطاباته التي رافقت الحراك على الوحدة الوطنية وحماية الدولة وإحباط كل المخططات الدنيئة التي سعت إليها أطراف أجنبية بتواطؤ من بعض الأطراف المشبوهة بالداخل، حتى تصل الجزائر إلى بر الأمان.
 
البداية بالدعوة إلى تطبيق المادة 102

استنادا إلى شرعية مطالب الشعب المعبر عنها من خلال المسيرات السلمية، أكدت المؤسسة العسكرية على لسان نائب وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، المرحوم قايد صالح في كلمة ألقاها خلال زيارة عمل إلى الناحية العسكرية الرابعة، في مارس 2019، على ضرورة تطبيق المادة 102 من الدستور بالإضافة إلى المادتين 07 و08.وفي الثاني من شهر أفريل 2019 ترأس الفريق احمد قايد صالح اجتماعا بمقر أركان الجيش، وأشاد فيه بالسلوك الحضاري والمستوى الراقي للوعي في المسيرات السلمية، وعبر عن مساندته لمطالب الشعب، ودعا للتطبيق الفوري للحل الدستوري، وقال في الاجتماع: “بصفتي مجاهدا لا يمكنني السكوت عما يحاك ضد الشعب من مؤامرات… لن أسكت عن دسائس دنيئة لعصابة امتهنت الغش والتدليس والخداع… أنا في صف الشعب وإلى جانبه في السراء والضراء مهما كلفني الأمر”.وفي كلمته التاريخية في هذا الاجتماع لقيادة الأركان، كشف الفريق المجاهد المرحوم محاولات العصابة الالتفاف على مطالب الشعب بمخططاتها المشبوهة، وسعيها لتهريب الأموال والفرار إلى الخارج.

طموح المؤسسة العسكرية خدمة الوطن

بالرغم من الدعوات الصريحة لتدخل المؤسسة العسكرية في الشأن السياسي ومحاولة إقحامها في مجال له تعقيداته وتجاذباته، إلى أن التزام الجيش بالنهج الدستوري لم يكن وليد بداية المسيرات السلمية ليوم 22 فيفري، بل هو موقف كرسه الجيش في السنوات الأخيرة، وهو ما أكده الفريق الراحل قايد صالح خلال زيارته إلى ورقلة، حيث ألقى كلمة أمام إطاراته، أكد فيها بأنه لا يملك طموحات سياسية، وأن طموحه هو خدمة الوطن طبقا للمهام الدستورية، ومن هذا المنطلق دعا إلى تغليب الحوار العقلاني في إطار الشرعية الدستورية كسبيل للخروج من الأزمة ومسار حتمي لإيجاد الحلول الكفيلة بتلبية مطالب الشعب المشروعة مع رفضه التام، ان تكون المؤسسة العسكرية طرفا في هذا الحوار.

الجيش بالمرصاد لكل المؤامرات الدنيئة

لقد نبه الفريق قايد صالح رحمه الله في العديد من خرجاته الميدانية لوجود مخططات مدروسة تم إعدادها بمكر شديد، من طرف أطراف تعمل بمنطق العصابة لتأزيم وتأجيج الوضع في الجزائر، عبر مواقفها التضليلية والتغليطية، وهنا نبه الراحل الشعب للإعلام المعتمد على الأكاذيب والسيناريوهات غير الحقيقية، حيث أنه بتاريخ 18 من شهر جوان 2019، أكدت قيادة الجيش على لسان الفريق الراحل، بأن الجزائر ليست لعبة حظ بين أيدي من هب ودب ولا لقمة سائغة لهواة المغامرات، وقال “اعداء الجزائر يدركون بحسرة شديدة وبحسد أشد بأن بلادنا تحوز اليوم على جيش وطني المبدأ، شعبي المنبع”.

وتابع قايد صالح “ففي الوقت الذي كان فيه أبناء الشعب من أفراد الجيش منشغلون بأداء مهامهم بكل صدق وإخلاص… كان فيه البعض ممن لا ضمير لهم يخططون بمكر في كيفية الانغماس في مستنقع نهب المال العام”.وفي 26 جوان من عام 2019، قال بأن الحملات الدنيئة التي تتعرض لها قيادة الجيش عقيمة ومعدومة، وكشف في كلمة بالأكاديمية العسكرية لشرشال عن “عراقيل تواجه الجيش يقف وراءها أشخاص يرون في كل عمل جدي مساسا بمصالحهم ومصالح أسيادهم”، مجددا حرصه على العدالة الحرة والنزيهة لبناء دولة الحق والقانون.

"الاجتماع المشبوه".. هكذا تم عزل العصابة وأذنابها

مكنت مقاربة الجيش من التعامل بشكل آني وسريع مع العصابة وأذنابها، حيث تم شل حركتها وإضعاف موقفها من خلال إجراءات عديدة، يتعلق أولها بتوفير المناخ المناسب للعدالة، حيث رافقت المؤسسة العسكرية القضاء في كل خطواته ومنحت العدالة كل الحرية للتحرك في مواجهة المافيا المالية السياسية، وساندتها في مواجهة الفساد، بخاصة، وقد حاولت العصابة ومن والاها إدخال الوطن في الفوضى والفتنة من خلال “الاجتماع المشبوه” بإقامة الدولة، وفي هذا الشأن قال الفريق الراحل قايد صالح إنه “بتاريخ 30 مارس 2019 تم عقد اجتماع من طرف أشخاص معروفين، سيتم الكشف عن هويتهم في الوقت المناسب، من أجل شن حملة إعلامية شرسة في مختلف وسائل الإعلام وعلى شبكات التواصل الاجتماعي ضد الجيش الوطني الشعبي وإيهام الرأي العام بأن الشعب الجزائري يرفض تطبيق المادة 102 من الدستور”.

وأكد في وقتها الفريق الراحل أن “كل ما ينبثق عن هذه الاجتماعات المشبوهة من اقتراحات لا تتماشى مع الشرعية الدستورية أو تمس بالجيش الوطني الشعبي، الذي يعد خطا أحمر، هي غير مقبولة بتاتا وسيتصدى لها الجيش الوطني الشعبي بكل الطرق القانونية”.وهو الاجتماع الذي انتهى بتوقيع المحكمة العسكرية عقوبة 15 سنة في حق كل من السعيد بوتفليقة، الجنرالين توفيق وطرطاق و20 سنة في حق وزير الدفاع السابق خالد نزار ومن معه.

أما الإجراء الثاني الذي رافقته مؤسسة الجيش هو القضاء على الأذرع المالية للعصابة، حيث تمت مباشرة عملية كشف وملاحقة الفاسدين والمتورطين في قضايا الفساد ومقدرات الأمة، إذ توالت عملية حبس وزراء ومسؤولين وإطارات سامية في الدولة، إلى جانب ضباط سامين بالمؤسسة العسكرية، حيث تم جرهم إلى السجن بعد أن وجه لهم القضاء تهما عديدة وثقيلة، وحينها قالت المؤسسة العسكرية على لسان فريقها الراحل “العصابة استعمار ثان.. وسأحارب العملاء إلى النهاية…لا يمكن ترك البلاد بين أيدي الفاسدين والعملاء ولن أتخلى عن الواجب الوطني”.

التحذير من اختراق مسيرات الحراك

وفي يوم 10 من شهر جويلية، وبمناسبة تسليم الفريق أحمد قايد صالح لجائزة الجيش الوطني بنادي الجيش ببني مسوس، قال في خطابه بأن من يتجرأ على الجزائر وشعبها لن يفلت من العقاب، وذكر بأن كل كلمة طيبة تقال في الجيش ستزيده شموخا على شموخ، وكل إساءة مغرضة وباطلة في حقه لن تنقص من قدره شيئا، وحذر الراحل من محاولات أعداء الوطن التغلغل في مسيرات الحراك الشعبي لاختراق صفوفه والتأثير على مطالبه… وهنا أكد أن وحدة الشعب والجيش هامة في السياق الوطني والإقليمي والدولي، وقال متحدثا عن قيادة الجيش: “أثبتت بالقول والعمل إنها في خدمة الخط الوطني المبدئي للشعب الجزائري وأنها ثابتة الوفاء على العهد الذي قطعته أمام الله والشعب والتاريخ”.

ولقد حرصت المؤسسة العسكرية على تنظيم الجزائر انتخابات رئاسية في كل مواقفها احتراما للدستور، وفي هذا السياق، دعا الراحل قايد صالح أبناء الوطن للحوار الجاد الصادق، كما قال في زيارته للناحية العسكرية السادسة بتمنراست، “الجزائر اليوم هي في انتظار كل جهد مخلص ووفي يصدر عن أبنائها لا سيما منهم الشخصيات الوطنية ذات القدرة الفعلية على تقديم الإسهام الصائب الذي يكفل إيجاد الحلول المنتظرة”.وفي شهر أوت عاد المرحوم ليدعو وسائل الإعلام لعدم الوقوع في فخ أعداء الوطن، داعيا إلى الحوار لتقريب وجهات النظر والوصول إلى بر الأمان، كما خاطب في بداية أيام أوت 2019، إطارات وأفراد الناحية العسكرية الأولى بالبليدة، ليؤكد مرافقة الجيش لمؤسسات الدولة لتستمر في أداء مهامها لغاية انتخاب رئيس الجمهورية.

مرافقة مؤسسات الدولة ودعم مسار الحوار

وفي الأخير، كلّل مسار الحوار الذي دعت إليه المؤسسة العسكرية وأشرفت عليه هيئة الحوار والوساطة بإنجاز يعد مكسبا وآلية لتحقيق الديمقراطية حسب المختصين، ويتعلق الأمر بإحداث السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، بموجب القانون العضوي رقم 19 ـ 07 المؤرخ في 14 سبتمبر 2019.إن مواقف المؤسسة العسكرية كانت خطرا على الاستعمار وخدامه، كما كشفت كل وسائل مافيوية لتخريب الوطن وتهديم الوحدة الوطنية، كما أنها كشفت كل محاولات إسقاط الشعار الشعبي الخالد “الجيش والشعب.. خاوة خاوة”.

الجيش.. الشعب.. خاوة خاوة

وتنبأ الفريق المرحوم لموقف الشعب في الانتخابات، حيث ذكر في أواخر شهر سبتمبر، أثناء زيارة للناحية العسكرية السادسة بأن الشعب الجزائري سيعرف كيف يفوت الفرصة على المتربصين والمشككين وبأنه ستكون له الفرصة لتشكيل معالم مستقبل الجزائر الواعد، ونحن نعي اليوم ما وقع في يوم 12 ديسمبر من انتخابات رئاسية، اختار فيها الجزائريون رئيسهم بصورة تعددية وسلمية، رغم اختلاف المواقف الشعبية من الانتخابات حينها، مع رفض كل تدخل أجنبي في شؤون الجزائر.واتجهت الخطابات في طريق فضح الأطراف الخارجية المعادية وخدامها في الداخل، كما أعطى التعليمات لتأمين العملية الانتخابية، حيث خاطب يوم 15 أكتوبر إطارات القوات البحرية ومن ثم وجه رسالة قوية لكل من تسول نفسه جر الجزائر إلى مستنقع “الحرب الأهلية”، قائلا “الجيش سيظل العين الساهرة التي لا تنام ويواصل الوفاء بتعهداته المقطوعة أمام الله والوطن والتاريخ”.

الرئيس تبّون يبدأ عهدته بالحوار والإصلاحات وتعديل الدستور وإعادة الجزائر للمحافل الدولية: “إني أمد يدي للحراك بحوار جادّ من أجل الجزائر والجزائر فقط، وسأعمل على طي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة بعقلية جدية ومنهجية جديدة”، كان ذلك هو تعهد الرئيس عبد المجيد تبون غداة إعلان نتائج الانتخابات الرئاسيّة يوم الجمعة 13 ديسمبر الفائت.لقد كان الرئيس، وهو يدلي بتصريحه الواعي، يدرك تماما أنّ الجزائر تدشّن عهدا جديدا منذ اندلاع انتفاضة 22 فيفري المباركة، فصار تاريخا يجّبُ ما قبله ولا يمكن الرجوع وراءه، لأنّ الشعب الجزائري قرّر التغيير والقطيعة مع العصابة والفساد والرداءة، متطلعا نحو صناعة المستقبل في ظل السيادة وفي كنف الحرية والكرامة.

كسر الطابوهات والاستماع لكلّ الآراء

وليقينه أن الجزائر الجديدة تبنى بسواعد كلّ أبنائها ولا سبيل للانطلاق في الإصلاح والتجديد إلا بالاستماع إلى كافة الآراء والاستفادة من كل وجهات النظر، لبلورة وفاق وطني حول الملفات الأساسية للانتقال الديمقراطي والاقتصادي، بعيدا عن منطق الإقصاء ولا الوصاية، فإنّ الرئيس شرع مبكّرا، و منذ الأيام الأولى لدخول قصر المرادية، في سلسلة من اللقاءات والاستقبالات لشخصيات وطنية وحزبية من مختلف الطيف السياسي ليستأنس بمقاربتها لوضع البلاد والعباد، وتسجيل تصورها للمستقبل، برغم التفويض الشعبي الانتخابي الذي حازه في الاستحقاق الرئاسي.

وهو ما ترك الانطباع الحسن لدى ضيوفه بامتلاكه الإرادة الجادّة في تغيير الأوضاع والاستجابة لكل مطالب الشعب التي تبناها الحراك، وهو ما عبّر عنه الوزير السابق والناشط السياسي عبد العزيز رحابي، عقب لقائه بالرئيس، بالقول إنه “لمس لدى رئيس الجمهورية نية وإرادة”، معقبا على ذلك “أتمنى أن تلقى تجسيدا ميدانيا بما فيه الخير للبلاد والعباد”.وظهر من خلال انطلاق تلك الأنشطة الرئاسية بسرعة قصوى أنّ الرئيس حريص على تمتين الجبهة الداخلية، عبر الشروع سريعا في تنفيذ تعهداته الانتخابية بالإصلاح الدستوري والسياسي، من أجل التخلص من آثار المرحلة السابقة، ومعالجة كل الملفات العالقة والمرتبطة بمطالب الجزائريين بعد حراك 22 فبراير الماضي.

الجزائر تستعيد صوتها دوليا

وبالموازاة مع سلسلة الحوارات، فإنّ رئيس الجمهورية قد فرض سرعة عمل مؤسساتي جدّ قويّة، حيث تحولت الجزائر في بضع أسابيع من تقلده مسؤولية الحكم في البلاد إلى محجّ للرؤساء والدبلوماسيين وحتى الاجتماعات الإقليمية، ناهيك عن تهاطل دعوات الزيارات الخارجية، بما يعكس عودة الجزائر إلى المشهد الدولي ومستوى الثقة الخارجية التي تحظى بها حاليا لدى شركائها الدوليين، وما كان ذلك ليتحقق لولا وثوق هؤلاء أن الجزائر تشق طريقها الآمن نحو المستقبل، وهم يدركون جيدا ثقلها التاريخي والجغرافي ومقدراتها النهضوية والتنموية، زيادة على حجم تأثيرها القارّي والإقليمي بالمنطقة الافريقية والعربيّة، لذلك يتسابقون على حجز مواقعهم المتقدمة في تمتين علاقات متميزة مع الجزائر الجديدة.ولأنّ سلوك القيادة العليا ينعكس على محيطها، فإنّ الحكومة أيضا نزلت إلى الميدان بقوّة دون انتظار ولا إهدار للوقت، وقبل أن يحظى مخطط عملها بمناقشة ومصادقة البرلمان بغرفتيه، كان وزراؤها يقررون في قطاعاتهم بما يخفف أعباء الحياة العامة على المواطن ويدفع نحو تفعيل الاقتصاد الوطني على أسس شفافة وعادلة.

فتح مكتب الرئيس للصحافة لمخاطبة الشعب

يجب الإقرار أنّ السلطة الجديدة استطاعت أن تتأقلم سريعا مع المهمة الوطنية، بل شكلت حكومة بخطة عمل في ظرف قياسي، وتعديل واسع في سلك الولاة ومؤسسات عمومية كبرى، إذ لا تتجاوز الفترة الإجمالية منذ أداء اليمين الدستورية سوى شهرين، اتضحت فيها كل معالم الطريق وبدأ التنفيذ على أرض الواقع، وهو ما تجسد عبر لقاء “الحكومة – الولاة”، الذي كان فرصة للتعبئة العموميّة وتوحيد التصورات بشأن الإصلاحات المتبناة في كافة الميادين وتوجيه المسؤولين الجدد إلى طريقة العمل التي تكرس رؤية الرئيس للخدمة العمومية النزيهة والصادقة.

من جهة أخرى، أبانت السلطات العمومية في العهد الجديد عن روح الانفتاح الإعلامي تجاه الرأي العام، من أعلى مستوى جسده رئيس الجمهورية بلقاءاته مع عديد المنابر الوطنية والدولية، وكذلك الوزراء الذين نزلوا إلى مؤسسات الإعلام المستقل بعد سنوات لم نعهدهم خلالها يتكلمون مباشرة إلى المواطنين إلا عبر صحافة الدعاية والترويج، وذلك ما يعكس الثقة في النفس والرغبة في وضع قضايا الشأن العام تحت الضوء بكل شفافيّة.تلك هي مؤشرات البداية المبشّرة حتى الآن، ويبقى تنفيذ التعهدات وتجسيد الإصلاحات في معركة مجتمعيّة تشاركيّة بين جميع مكونات النخبة الرسمية والسياسيّة والجمعويّة وسواها، في مختلف المستويات، لأنّ رهانات الوطن لا تحملها جهة دون غيرها وإن تفاوتت فيها أقساط المسؤوليات.

خارطة سياسية جديدة قوامها الكفاءات بدل الولاءات

قد يكون إجهاض العهدة الخامسة وإعادة انتخاب رئيس جمهورية أكبر مخرجات الحراك الشعبي الذي انطلق قبل عام لكن ما زالت المسيرة في بدايتها ولا تزال البلاد رهينة مؤسسات من العهد البائد، خصوصا المجالس المنتخبة وطنيا ومحليا، وقد تابعنا جميعا حالة التناقض بين السلطة المحلية والسلطة التشريعية قبل أيام عند عرض مخطط عمل الحكومة، بحضور فريق حكومي يضم من بين أعضائه ناشطين في الحراك الشعبي، وكأن هؤلاء في موقف المساءلة أمام نواب محسوبين على النظام السابق لذلك تابعنا الكثير من المشاحنات والتشنج بين الطرفين.لذلك؛ فإنّ الخطوة التي يرتقبها الجميع هي المرور إلى انتخابات تشريعية وأخرى محلية مباشرة بعد استكمال تعديل الدستور، ولا يكون ذلك إلا بتعديل قانون الانتخابات بما يسمح بانتخاب مجالس تمثيلية حقيقية بعيدة عن تأثير المال الفاسد، وهذا ما ركز عليه رئيس الجمهورية في خطاباته المختلفة وكذا تعليماته إلى الجهاز التنفيذي.

نهاية التزوير.. وإعادة الكلمة للشعب لاختيار ممثليه

ويطرح الكثير من المتابعين إشكالية القوائم النّسبية في الانتخابات بما يعطي صلاحيات واسعة لرؤساء التشكيلات السّياسية في اختيار أعضاء المجالس المنتخبة ولو بطريقة غير مباشرة عبر اختيار متصدري القوائم في الدوائر الانتخابية، وهذا هو مفتاح الفساد في العملية الانتخابية إذ نشأت بورصة متصدري القوائم وباتت العضوية في البرلمان أو مجلس الأمة تباع بالملايير تحت الطاولة، أو فوق الطاولة لكن تحت مستوى تمويل الحملة الانتخابية.لا أحد يريد تكرار تجربة المجالس المنتخبة الحالية، خاصة المجلس الشعبي الوطني الذي لا دور له إلا تزكية مشاريع الحكومة وقوانينها، وتابعنا جميعا كيف مُررت قوانين المالية خلال السنوات الماضية مع أنها كانت تتضمن إجراءات قاسية في حق المواطن، خاصة مع تعلق بالضرائب المفروضة والزيارة في أسعار الوقود. وقد اعترف الوزير الأول عبد العزيز جراد بأن الضرائب التي جاءت في قانون المالية 2020 هدفها كان إثارة البلبلة وقال هذا أمام النواب الذين صادقوا على قانون المالية ووافقوا على الضرائب، ما يعني أن استحالة بقاء المجلس بهذه التركيبة.إن استكمال تحقيق أهداف الحراك الشعبي من خلال انتخابات حرة ونزيهة تفضي على إلى مجالس شعبية هو الرهان الذي يجب العمل عليه خلال العام الثاني من الحراك، وهنا تُطرح إشكالية كبيرة يجري النقاش بشأنها في موضوع تعديل الدستور وتتعلق بنمط النظام الذي سيختاره الجزائريون بين الرئاسي والبرلماني.

إنهاء منطق “الكوطة” وردّ الاعتبار للشباب
وبالنظر إلى التجربة المريرة مع النظام الرئاسي الذي يجمع الصلاحيات كلها في يد رئيس الجمهورية ويحول المؤسسات الدستورية المنتخبة إلى ما يشبه الجمعيات المساندة لبرنامج رئيس الجمهورية، فإن الأنظار كلها تتجه إلى النظام البرلماني الذي يمكن من تشاركية حقيقية في الحكم، لكن الرافضين لهذا النظام يرافعون بفشله في البلاد العربية بسبب الانسداد الذي يحصل داخل البرلمان ويرهن مصير البلاد.ومهما كان نمط النظام الذي سيقرّه الدستور، فإن الرهان الحقيقي هو تنظيم انتخابات محلية وتشريعية نزيهة، تفضي إلى مجلس تعددية حقيقية، والتوقف نهائيا عن ممارسة ديمقراطية الواجهة، التي تختصر دور المجالس المنتخبة في بعض الأنشطة الروتينية بينما يبقى القرار السياسي أحاديا وهو ما حدث خلال السنوات العشرين الماضية.
وعلى المجالس المنتخبة المقبلة أن تستعيد صلاحياتها في التشريع والرقابة وأن تتحول إلى قوة اقتراح للقوانين والتشريعات ولا تكتفي بما تحيله الهيئة التنفيذية عليها، وهنا يمكن الإشارة إلى بعض المحاولات والمبادرات التي حركها نواب في البرلمان أرادوا القيام بواجبهم، فتم إجهاضها من أحزاب الأغلبية وبهذه الطريقة تم قتل روح المبادرة عند الأقلية وأصبح الجميع يتعايش مع هذا النمط من العمل النيابي، وفي النتيجة باتت المجلس المنتخبة تمثل عبءا ماليا على خزينة الدولة دون أن تقوم بدور مقنع في أداء عملها المنصوص عليه في الدستور.

وإذا توفرت الإرادة السياسية لتنظيم انتخابات حقيقية، فإن الخريطة السياسية في طريقها إلى التغيير الجذري، بسبب السخط الشعبي العام على الأحزاب القائمة، خاصة تلك التي كانت في صف الموالاة، وقد رأينا ذلك خلال الانتخابات الرئاسية الماضية حين لم تتمكن هذه الأحزاب من حشد الدعم لمرشحها عز الردين ميهوبي رغم ما وقع من انحرافات داخل الإدارة وتعليمات بالتصويت لصالحه، لذلك فإن انتخابات نزيهة بعيدا عن تدخل الإدارة وتأثير المال الفاسد قد تقزّم هذه الأحزاب الكبيرة وتحولها إلى حزيبات مجهرية في الخريطة السياسية المقبلة.

قد يهمك أيضا" :

حكومة إلياس الفخفاخ في تونس تترقب جلسة برلمانية حاسمة للتصويت عليها

دياب يؤكّد أنّ 30 عامًا من السياسات الخاطئة أوصلت لبنان إلى الانهيار

almaghribtoday
almaghribtoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الذكرى الأولى لانطلاق الملحمة المليونية لوقف الانحراف السياسي في الجزائر الذكرى الأولى لانطلاق الملحمة المليونية لوقف الانحراف السياسي في الجزائر



الملكة رانيا تُعيد ارتداء إطلالة بعد تسع سنوات تعكس ثقتها وأناقتها

عمّان - المغرب اليوم

GMT 06:53 2024 الأحد ,14 كانون الثاني / يناير

توقعات الأبراج اليوم الأحد 14 يناير/ كانون الثاني 2024

GMT 10:53 2024 الجمعة ,23 شباط / فبراير

توقعات الأبراج اليوم الجمعة 23 فبراير / شباط 2024

GMT 09:56 2024 الخميس ,18 كانون الثاني / يناير

توقعات الأبراج اليوم الخميس 18 يناير/ كانون الثاني 2024

GMT 08:26 2023 الخميس ,04 أيار / مايو

شركة تويوتا تكشف عن بوس الرياضية الجديدة

GMT 05:05 2023 الأحد ,31 كانون الأول / ديسمبر

سعر الذهب في المغرب اليوم الأحد 31 ديسمبر/ كانون الأول 2023
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib