الانتخابات بين النص الدستوري ووهم الإشراف الحكومي

الانتخابات بين النص الدستوري ووهم الإشراف الحكومي

المغرب اليوم -

الانتخابات بين النص الدستوري ووهم الإشراف الحكومي

بقلم : محمد باسك منار

من المفارقات التي عرفتها إنتخابات الملك محمد السادس قبل عام 2011، أنها تمت على أساس نفس الدستور، الذي نظم آخر إنتخابات في عهد الملك الحسن الثاني، مع العلم أنه بقليل من التأمل في المسار الدستوري والنيابي في المغرب يمكن تسجيل ملاحظة مفادها إرتباط مختلف الإنتخابات التشريعية التي عرفها المغرب قبل 2002 بتجديد في الإطار الدستوري.
فانتخابات 1963 أسس لها دستور 1962، الذي يعتبر أول دستور عرفته المملكة، وانتخابات 1970 تمت في إطار دستور 1970، أما انتخابات 1984 فقد سبقتها تعديلات دستورية في ماي 1980، وكذلك الشأن بالنسبة لانتخابات 1992 و1997 إذ سبقهما على التوالي دستورا 1992 و1996.. هكذا يلاحظ أن تغييرات دستورية متعددة حكمت نفس المسار الانتخابي في عهد الملك الحسن الثاني، وفي المقابل استمر نفس الإطار الدستوري السابق ليحكم مسارًا انتخابيًا قيل عنه أنه جديد.
الآن بعد وضع حد لتلك المفارقة، وإقرار دستور فاتح تموز/ يوليو 2011، يمكن أن نتسائل عن المكانة الدستورية للانتخابات، بمعنى هل ظلت العملية الانتخابية في الهامش أم إنتقلت إلى مركز الفعل السياسي؟ وإذا كان الإختيار الديمقراطي أحد ثوابت نص دستور 2011 فهل أقر هذا الأخير من الآليات والضمانات ما يسهم فعلا في تحقيق انتخابات ديمقراطية؟.
يبدو دستور 2011 من خلال مجموعة من الفصول والفقرات أنه متقدم على دستور 1996 في بعض الجوانب المرتبطة بالشأن الإنتخابي، ولعل أهم ما تجدر الإشارة إليه في هذا الصدد محاولة إسباغ التمثيلية والفعالية والمصداقية على الانتخابات التشريعية، من خلال إلزام الملك بتعيين رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب "الفصل 47"، وأيضًا تنويع سلطات البرلمان وتوسيع مجال القانون، وضمان مجموعة من الحقوق للمعارضة البرلمانية "الفصل 10"، والنص على تجريد كل من تخلى عن إنتمائه السياسي الذي ترشح بإسمه في الانتخابات، أو عن الفريق أو المجموعة البرلمانية التي ينتمي إليها، من صفته البرلمانية "الفصل 61"، وإضافة مبادئ التقسيم الانتخابي وقواعد الحد من الجمع بين الإنتدابات إلى مشمولات القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب، كما جعل الدستور الجديد من الانتخابات الحرة والنزيهة والشفافة أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي "الفصل11"، وأقر لكل مواطنة ومواطن بالحق في التصويت والترشح للانتخابات، شرط بلوغ سن الرشد القانونية، والتمتع بالحقوق المدنية والسياسية.
وأناط بالقانون وضع مقتضيات من شأنها تشجيع تكافؤ الفرص بين النساء والرجال في ولوج الوظائف الانتخابية، كما أناط بالسلطات العمومية إتخاذ التدابير الملائمة لتوسيع وتعميم مشاركة الشباب في التنمية السياسية، وجعل من التصويت حق شخصي وواجب وطني، واعترف للأجانب المقيمين في المغرب بإمكانية المشاركة في الانتخابات المحلية، بمقتضى القانون أو تطبيقًا لاتفاقيات دولية أو تكريسا للمعاملة بالمثل (الفصل 30)، كان التنصيص على كل هذا بعد أن تضمن تصدير الدستور تأكيد التشبث بالديمقراطية وحقوق الإنسان، وبعد أن جعل فصله الأول الإختيار الديمقراطي أحد الثوابت الجامعة التي تستند عليها الأمة في حياتها العامة.
فهل يعني هذا أن المغرب كسب رهان الدستور الديمقراطي الذي هو الشرط الأساس لتحقيق انتخابات ديمقراطية؟ دون الخوض في كثير من التحديد الأكاديمي لماهية الدستور الديمقراطي، يمكن أن نورد في هذا الصدد ما يكاد يجمع عليه الباحثون في القانون الدستوري، في كون الدستور الديمقراطي هو ذلك الدستور الذي تكون فيه السيادة للشعب، بكل تأكيد امتلاك الشعب للسيادة وممارسته لها، تنتج عنه مجموعة من الحقوق، ويتطلب العديد من الضمانات والآليات الديمقراطية، التي لا يمكن إغفالها في تحديد مفهوم الدستور الديمقراطي، لكن حسبنا التركيز على موضوع السيادة، الذي يرتبط بالانتخاب، ويشكل جوهر الوثيقة الدستورية.
نص دستور فاتح يوليو 2011 في الفقرة الأولى من الفصل الثاني على أن: "السيادة للأمة، تمارسها مباشرة بالاستفتاء، وبصفة غير مباشرة بواسطة ممثليها".. لقد حملت هذه الفقرة تغييرًا يبدو أن له أهميته، "بواسطة ممثليها"، حيث لم يكن الدستور السابق ينص على ذلك، وإنما كان النص" بواسطة المؤسسات الدستورية"، تبدو تلك الأهمية، لكون التمثيل السياسي للشعب أو الأمة في الاختيار الديمقراطي يقترن بالانتخاب، ثم إن الفصل 42 من الدستور أصبح ينص على أن "الملك رئيس الدولة، وممثلها الأسمى"، فقد انتقلنا من كون الملك "ممثلا أسمى للأمة"، إلى "ممثل الدولة". فهل يعني هذا أن تمثيل الأمة أصبح مقرونًا بشكل كامل بالانتخاب؟ الجواب نجده في الفقرة الثانية من الفصل الثاني من دستور فاتح يوليو "تختار الأمة ممثليها في المؤسسات المنتخبة بالاقتراع الحر والنزيه والمنتظم". فهناك - حسب هذه الفقرة - ممثلون للأمة منتخبون وآخرون غير منتخبين، وإلا كان ينبغي أن يكون نص الفقرة على الشكل الآتي: "تختار الأمة ممثليها بالاقتراع الحر والنزيه والمنتظم". من هم ممثلو الأمة الذين لا يتم اختيارهم عن طريق الاقتراع؟ إنهم ينحصرون أساسا في المؤسسة الملكية.
فرغم حذف عبارة "الممثل الأسمى للأمة"، فإن ما تضمنه الفصل 41 و42 من أوصاف للملك، يؤكد حفاظ دستور 2011 على قاعدة جوهرية من قواعد الدستور العميق بالمغرب، ألا وهي "سمو وهيمنة المؤسسة الملكية على كل المؤسسات الدستورية"، وبالتالي فإنها تظل صاحبة "التمثيل الأسمى"، ولعل هذا ما يبرر - حسب واضعي الدستور - الحفاظ على السلطات الواسعة للملك، وإضافة سلط جديدة إليه في دستور 2011.
فإذا كانت الانتخابات الحرة والنزيهة والشفافة هي أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي، حسب نص دستور 2011، فإن هذه المشروعية تقع، من حيث جوهر الدستور، تحت مشروعية أعلى هي مشروعية التمثيل الذي تستوجبه صفة "أمير المؤمنين"، مما يعني استمرار مأزق فعالية الانتخابات بالمنظور الديمقراطي، رغم بعض المقتضيات الدستورية المرتبطة بحريتها ونزاهتها وشفافيتها ومصداقيتها، بل إن تلك المقتضيات نفسها تمت إناطتها في الغالب بقوانين وتدابير للسلطات العمومية، ظهر أنه من غير الأكيد وضعها وتطبيقها بكيفية سليمة.
لم يرق دستور 2011 ليشكل إطارًا ديمقراطيًا لانتخابات ديمقراطية، ويقع جزء من المسؤولية في ذلك على الأحزاب السياسية التي لم تضغط في إتجاه تحقيق دستور ديمقراطي، ولم تبلور قوة اقتراحية في اتجاه دمقرطة الانتخابات، فبالعودة إلى مذكرات الأحزاب السياسية التي تقدمت بها إلى لجنة السيد عبد اللطيف المنوني بمناسبة إعداد دستور 2011، يلاحظ أن جل الأحزاب السياسية، بالإضافة إلى تأكيدها على السلط الواسعة للملك، لم تتقدم بإقتراحات تهم بشكل مباشر دمقرطة الانتخابات، بل يلاحظ التراجع عن بعض المطالب الأساسية.
فأحزاب الكتلة سبق وأن طرحت في مذكرتها للإصلاح الدستوري سنة 1992 مطلب هيئة دستورية مستقلة للإشراف على الانتخابات، وفي مذكرة 1996 بقي المطلب لكن مع بعض التراجع، بحيث تم الانتقال من هيئة دستورية إلى هيئة ينص عليها فقط القانون التنظيمي للانتخابات، لنلحظ بعد ذلك سكوت أحزاب الكتلة عن هذا المطلب تماما في المذكرات التي قدمتها إلى السيد عبد اللطيف المنوني.
إنه إنتقال من حتمية التزوير إلى حتمية النزاهة على حد تعبير الأستاذة رقية مصدق. و بعد أن اقترح حزب العدالة والتنمية في مذكرته بخصوص انتخابات 2007 إشرافا قضائيا على الانتخابات نجده لم يؤكد على ذلك بالشكل المطلوب في مذكرته بخصوص دستور2011، بل نجده الآن وبمناسبة الإعداد للانتخابات الجماعية يكتفي بالحديث عن إشراف رئيس الحكومة على الانتخابات، ولا يخفى على كل متتبع للعبة الانتخابية في المغرب أن ذلك الإشراف يبقى مجرد وهم أمام الصلاحيات الواسعة لوزارة الداخلية في مجال الانتخابات.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الانتخابات بين النص الدستوري ووهم الإشراف الحكومي الانتخابات بين النص الدستوري ووهم الإشراف الحكومي



GMT 14:20 2023 الإثنين ,18 أيلول / سبتمبر

العراق فاتحاً ذراعيه لأخوته وأشقائه

GMT 12:23 2023 السبت ,29 تموز / يوليو

أعلنت اليأس يا صديقي !

GMT 05:17 2023 الأربعاء ,05 إبريل / نيسان

اليمن السعيد اطفاله يموتون جوعاً

GMT 00:59 2022 الإثنين ,14 آذار/ مارس

بعد أوكرانيا الصين وتايون

GMT 11:30 2021 الإثنين ,20 كانون الأول / ديسمبر

عطش.. وجوع.. وسيادة منقوصة

GMT 19:57 2021 الجمعة ,12 آذار/ مارس

التراجيديا اللبنانية .. وطن في خدمة الزعيم

هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 06:17 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

البدلة النسائية الخيار الأمثل لإبراز شخصيتك وأناقتك
المغرب اليوم - البدلة النسائية الخيار الأمثل لإبراز شخصيتك وأناقتك

GMT 16:05 2018 الثلاثاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

سر غياب الأميرة للا سلمى عن الساحة المغربية منذ يونيو 2017

GMT 05:40 2020 الخميس ,11 حزيران / يونيو

طائرة البحرين تتراجع عن المشاركة في "كأس آسيا"

GMT 14:16 2019 الجمعة ,26 تموز / يوليو

لبنى أبيضار تدخل القفص الذهبي للمرة الثالثة

GMT 11:15 2018 الثلاثاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

نهضة بركان يمدد عقد العربي الناجي حتي عام 2022

GMT 06:40 2018 الجمعة ,20 إبريل / نيسان

ملابس فصل الربيع في خمسة أنماط للشعور بالراحة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib