11 شتنبر فرنسية…

11 شتنبر فرنسية…

المغرب اليوم -

11 شتنبر فرنسية…

توفيق بو عشرين

باريس تحولت إلى عاصمة عالمية للتنديد بالإرهاب في أعقاب مجزرة «شارلي إيبدو». ملوك وأمراء ورؤساء دول ووزراء خارجية أكثر من خمسين دولة حجوا إلى ساحة «الجمهورية» لمشاركة فرنسا أحزانها، وللتعبير عن وقوفهم في صف واحد ضد التعصب والتطرف والإرهاب…

القتلة الثلاثة الذين اتهموا بالوقوف خلف الحادث المروع قتلوا أثناء مطاردتهم، ولم يبق أمامنا إلا فيديو من دقيقة وربع، وحواران قصيران قالت إحدى التلفزات الفرنسية إنها أجرتهما مع شريف كواشي الذي كان مختبئا مع أخيه في مطبعة في الضواحي الباريسية، والثاني مع كولوبالي الذي كان يحتجز رهائن في محل لبيع المأكولات اليهودية…

لنخرج من التحقيق البوليسي الذي لم يكتمل بعد، ولنلقِ نظرة سريعة على دلالات الحادثة والجهات التي من الممكن أن تكون خلفها، وتداعيات ما بعد 11 شتنبر الفرنسية هذه…

شريف كواشي قال في التصريح المنسوب إليه «إنه انتقم للنبي محمد (ص)، وإنه قتل الصحافيين الذين اعتدوا على مقدسات المسلمين، وإنه لم يقتل المدنيين ولا النساء ولا الأطفال، وإن حربه مع الغرب لها أخلاق»، ولما سئل عن الجهة التي مولت هذه العملية قال إنها القاعدة في بلاد اليمن، وإن أنور العولقي (الأمريكي من أصل يمني) هو الذي مول العملية ودرب المنفذين. كولوبالي جاء ليضيف إلى صورة الدفاع عن الإسلام ومقدساته صورة أخرى لا تقل حساسية وقوة، وهي الدفاع عن فلسطين المحتلة، والانتقام من اليهود المحتلين باحتلال محل مأكولاتهم في باريس، واحتجاز مسيحيين ويهود هناك، وقتلهم انتقاما من قتل نتنياهو للفلسطينيين على بعد آلاف الكيلومترات.

هذا هو ملخص الحوارين اللذين أدلى بهما منفذا عملية «شارلي إيبدو»، وإذا صح المنسوب إليهما، وأظنه صحيح، فإن العملية تبدو نسخة مصغرة من 11 شتنبر قام بها أحد فروع القاعدة للعودة إلى الساحة الجهادية العالمية بعد أن انطفأت الأضواء حول هذا التنظيم، وبعد أن أخذت داعش مكان قاعدة ابن لادن. العودة هذه المرة كانت من باريس، وحول موضوع جرح فئات واسعة من المسلمين حول كل دول العالم، أي موضوع رسم النبي (ص) كاريكاتوريا والسخرية منه، ولكي تصل رسالة القاعدة إلى كل المسلمين اختاروا «شارلي إيبدو»، ولكي يضغطوا على الأماكن الحساسة في وعي العرب والمسلمين بعثوا معها هدية صغيرة من المتجر اليهودي لتحية القضية الفلسطينية. إنه تخطيط ذكي ويعرف مخاطبه جيدا، أما أهداف العملية فهي:

أولا: عودة القاعدة بقوة إلى ساحة الإرهاب الدولي، وإعادة إنعاش فروعها وعلامتها التجارية لاستقطاب عناصر جديدة من خلال عمليات نوعية تلقى صدى عالميا في نفوس بعض شباب المسلمين الذين سيقولون إنهم انتقموا للنبي، والبادئ أظلم.

ثانيا: دفع الحكومات الغربية إلى اتخاذ إجراءات أمنية وعسكرية وقانونية متشددة عقب الحادث الإرهابي تزيد من عزل مسلمي أوروبا عن الاندماج في مجتمعاتهم. لا توجد فرصة أفضل من استقطاب شباب منبوذ وفقير وعاطل إلى بالوعة الفكر المتطرف. إن الاعتداء على صحافيين في صالة التحرير عمل صادم، وسيدفع الأوروبيين إلى التعاطف مع أطروحة اليمين المتطرف الذي يشيطن الإسلام، ولا يفرق بين الإرهاب والدين المحمدي، وهذا ما يسعى إليه تنظيم القاعدة: توسيع رقعة الصراع بين المسيحية والإسلام، وإدخال أكبر قدر من المعتدلين في الطرفين إلى خانة المتطرفين.

ثالثا: هدف القاعدة من وراء الحادث رمي كمية كبيرة من الحطب في فرن الحرب الدينية بين المسيحيين والمسلمين حول العالم، واستغلال الجروح المفتوحة في جسم العالم العربي والإسلامي في العراق وسوريا وليبيا واليمن وأفغانستان وفلسطين لرمي الكثير من الملح فيها، حتى تنتفض ضد الغرب الذي له مسؤولية عن كل ما يقع من مآسٍ ومذابح في هذه البلدان. القاعدة تعرف أنها لا تمثل جل المسلمين، ولا حتى الجزء البسيط منهم، لكنها تستطيع أن ترمي بقنابل سياسية وإيديولوجية وأمنية لتحرك الصراع في الاتجاه الذي تريده. لقد رأينا كيف قادت 11 شتنبر بوش إلى إعلان الحرب الصليبية على العراق وأفغانستان، وإلى وضع الإسلام في قفص الاتهام، والنتيجة تعرفونها؛ بعد احتلال العراق لمدة 10 سنوات، جاءت داعش واحتلت ثلثه في أيام، وها هي دولتها ستكمل السنة الأولى من عمرها…

باريس عاصمة الموضة والعطور والعلامات التجارية المميزة صارت اليوم ساحة لإعلان وتسويق المشاريع الإرهابية، التي تستغل الأنوار التي تشع منها، فكيف سيكون الرد الفرنسي على هذا التحدي الكبير. غدا نطل على السيناريوهات الممكنة للقرار الفرنسي والأوروبي بخصوص هذا الموضوع.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

11 شتنبر فرنسية… 11 شتنبر فرنسية…



GMT 18:25 2025 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

المبالغة في التحذيرات “مثل قلتها”

GMT 18:23 2025 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

حقّاً أهرام

GMT 18:19 2025 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

أمامَ محكمة الرُّبعِ الأول

GMT 18:17 2025 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

مِثال علاء عبد الفتاح

GMT 18:14 2025 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

لبنان ومخاطر الإدارة المجتزأة

GMT 18:10 2025 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

فى متحف الشمع!

GMT 18:05 2025 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

شيطنة الجسد الأنثوى

GMT 18:01 2025 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

الحكاية ليست «الملحد»

نادين نسيب نجيم تتألق بإطلالات لافتة في عام 2025

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 23:35 2025 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يؤكد أن نتنياهو والشرع سيتوصلان إلى اتفاق
المغرب اليوم - ترامب يؤكد أن نتنياهو والشرع سيتوصلان إلى اتفاق

GMT 22:00 2023 الثلاثاء ,09 أيار / مايو

الشرطة المغربية تضبط شخصين في مدينة أكادير

GMT 12:33 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

ترمب يعلن احتجاز ناقلة نفط قبالة سواحل فنزويلا

GMT 08:08 2015 الأربعاء ,09 كانون الأول / ديسمبر

إطلاق سماعات رأس لاسلكية تعمل بالبلوتوث بـ400 دولار

GMT 12:22 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تعلن عن عطل كهربائي قبيل تحطم طائرة تقل عسكريين ليبيين

GMT 09:03 2018 الخميس ,18 كانون الثاني / يناير

مصطفى بنحمزة يشرف على افتتاح قاعة رياضية نسوية في وجدة

GMT 04:47 2012 الأربعاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

الصحة: 116 مصابًا فى مليونية الثلاثاء وحالة وفاة واحدة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib