أغنياء يشحذون باسم الفقراء

أغنياء يشحذون باسم الفقراء

المغرب اليوم -

أغنياء يشحذون باسم الفقراء

توفيق بوعشرين

عجيب أمر الأغنياء في المغرب، وحيتان العقار منهم بالخصوص، يحلبون ضرع الدولة، ويبيعون الحليب في السوق، ويضعون الربح ورأس المال في جيوبهم ويوم ينزل ثمن الحليب في السوق أو تتعرض تجارتهم للبوار يرجعون إلى الدولة، ويطالبونها بتعويضهم عن الحليب الذي حصلوا عليه بالمجان تقريبا لأن السوق راكدة!

تجار العقار يبكون هذه الأيام على تدهور السوق العقاري والنزول الحاد في أرباحهم الصافية، وعوض أن يجتهدوا في البحث عن حلول جدية ومنصفة، والتصالح مع المواطنين، وتنزيل أسعار العقار المرتفعة، ورفع الجودة المفقودة، واحترام آجال تسليم الشقق، ومراعاة جمالية المدن، والحرص على المعقول… عوض أن يراجعوا حساباتهم التفتوا إلى الدولة، وبدؤوا يهيئون الجو الإعلامي والسياسي لتقبل فكرة تدخل الحكومة من أجل مد يد المساعدة المالية لشركات العقار التي تواجه أزمات حقيقية وأخرى مفتعلة، والمبررات كالتالي:

أولا: دعم الدولة واجب لإنقاذ القطاع، وهذا الدعم يجب أن يستفيد منه أفضل المنعشين  (يعني الكبار لا الصغار، فهؤلاء يجب أن يذهبوا إلى الجحيم).

ثانيا: دعم الدولة مطلوب للحفاظ على الخبرة التي راكمتها الشركات التي تستثمر في هذا المجال، خاصة أن بعضها أصبحت له مساهمة مهمة في إفريقيا.

(أية خبرة هذه التي شوهت جل المدن، وخلقت موجات من الاحتجاج وآلاف الدعاوى في المحاكم، وأخرجت الناس من «رحمة البرّاكة» إلى عذاب صناديق السكن الاجتماعي المفترى عليه. هناك شقق لا تزيد مساحتها على 35 مترا تحشر فيها عائلات من ثمانية أفراد).

ثالثا: دعم الدولة لشركات العقار سيستفيد منه الادخار الوطني وأصحاب الأسهم الذين استثمروا أموالهم في البورصة.

(إذن، الدولة مطالبة برعاية كل حامل أسهم خسر في شركة أو مقاولة أو بيع وشراء.. هل هذه هي الرأسمالية التي تدافعون عنها، فجأة تحول برجوازيون إلى شيوعيين لا يؤمنون بحرية السوق وشعار «دعه يعمل دعه يبني»).

رابعا: دعم الدولة لشركات العقار هدفه حماية الأبناك التي منحت هذه الشركات المليارات من الدراهم، وهي الآن في خطر إذا لم تتدخل الدولة لإنقاذ الجميع، ثم لا ننس العمال الذين سيواجهون البطالة إذا أقفلت مقاولات البناء أبوابها… (الأبناك شركات خاصة، وعليها أن تتحمل مسؤولية وضع قروضها في غير محلها، والعمال بشر وليسوا ورقة لابتزاز الدولة).

هل رأيتم كيف يتقن قطاع من الأغنياء الدفاع عن مصالحهم وتبرير أخطائهم، واستخراج المال من جيوب الدولة، أي من جيوب دافعي الضرائب، بالفن والفلسفة، وهو ما لا يعرف الفقراء المحتاجون كيف يصلون إليه؟

هؤلاء يبيعون الرأي العام الوهم، إنهم يقولون لكم إن المال الذي ستدفعه الدولة للمنعشين العقاريين لإنقاذهم من أزمتهم ليس من أجلهم هم.. إنه من أجلكم أيها الفقراء.. من أجل بوكتف الذي يشتغل 12 ساعة في اليوم بـ40 درهما.. إنه من أجل البنك الذي وضع ثقته في هذه الشركات، وفتح لها صنبور القروض دون ضمانات ولا احتياطات كافية، في حين أنه يطلب من الفقراء ضمانات الدنيا والآخرة ليعطيهم قروضا صغيرة بنسبة فائدة كبيرة. المال الذي يطلبه الأغنياء اليوم من الدولة ليس من أجل المجموعات الضخمة التي راكمت المليارات من الدراهم في سنوات قليلة، بل هو من أجل إنقاذ صغار حاملي أسهم هذه الشركات الذين خدعوا بالوصلات الإشهارية البراقة…

أبواب المال مفتوحة للذي يعرف كيف يدفعها أو يفتحها، ألا يقولون إن الثروة تبتسم للمغامرين؟ هذا بالضبط ما يفعله قراصنة العقار الذين مصوا ضرع البقرة، وعندما جف حليبها ها هم يسوقونها إلى السوق ليبيعوها، ولمن؟ لصاحبها… أخذوا الأرض بأبخس الأثمان.. انتزعوا إعفاءات ضريبية بالجملة، وضحكوا على عباد الله، ووضعوا الأموال في حساباتهم في بنوك سويسرا، وها هم يقفون عند أبواب الدولة ودموع التماسيح في عيونهم وهم يشحذون من أجل الفقراء.

أيها السادة، شيء من العقل والمنطق، جازاكم الله خيرا. جل شركات العقار خرجت من الخيمة مائلة، وجلها لم يترك سمعته نظيفة في السوق، وجلها يتهرب من دفع الضرائب، وجلها استفاد من الريع ومن القرب من أصحاب القرار، وجلها استفاد من هامش ربح خيالي حسب دراسات كثيرة، ليس آخرها دراسة مجلس المنافسة الذي استنكر هامش الربح الذي يصل إلى 70 في المائة أحيانا، إذن، لا تحملوا دافعي الضرائب مسؤولية أخطائكم ومغامراتكم.. ابحثوا عن حلول لمشاكلكم بعيدا عن ميزانية التعليم والصحة والطرق والهشاشة المنتشرة في كل مكان…

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أغنياء يشحذون باسم الفقراء أغنياء يشحذون باسم الفقراء



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

GMT 11:41 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

فرنسا العظمى «سابقاً»

GMT 11:19 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

التصعيد والتبريد في حرب غزة!

GMT 11:16 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

خروج بني إسرائيل من مصر!

أجمل إطلالات الإعلامية الأنيقة ريا أبي راشد سفيرة دار "Bulgari" العريقة

أبوظبي ـ المغرب اليوم

GMT 15:24 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

هالة سرحان سفيرة معرض أبوظبي الدولي للكتاب

GMT 12:35 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج السرطان السبت 26-9-2020

GMT 18:39 2020 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

عرض "الغواص" في المركز النمساوي 15 كانون الثاني
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib