إيران… ورهان مستحيل على أوروبا

إيران… ورهان مستحيل على أوروبا

المغرب اليوم -

إيران… ورهان مستحيل على أوروبا

بقلم - خيرالله خيرالله

ليس في استطاعة إيران تنفيذ المطلوب أوروبيا. لا بالنسبة إلى سلوكها الإقليمي ولا بالنسبة إلى صواريخها الباليستية. كل ما تستطيعه هو التأقلم مع اللعبة الجديدة التي فرضتها إدارة ترامب.اللعبة تغيرت

تحاول إيران في الوقت الراهن لعب ورقة أوروبا في مواجهة لن تخوضها مع الولايات المتحدة وإدارة دونالد ترامب تحديدا. من الصعب أن تجد إيران هامشا للمناورة في هذه اللعبة، لا لشيء، سوى لأنّه عندما يتعلق الأمر بالاختيار بينها وبين الولايات المتحدة، لن تتردد أوروبا في الانحياز إلى واشنطن. هذا أمر أكثر من طبيعي لا يمكن أن تؤثر فيه دولة مثل إيران بغض النظر عما إذا كان لديها ما تقدّمه للأوروبيين الذين لا يمتلكون، قبل كلّ شيء، سياسة موحدة حيال أي موضوع كان.

تمتلك الولايات المتحدة من القوّة الاقتصادية والعسكرية ما يجعل أيّ خيار بينها وبين إيران من النوع الذي لا معنى له. إنّه رهان مستحيل بسبب وجود شبكة من المصالح الآنية والتاريخية تربط بين أوروبا وأميركا.

تجعل هذه الشبكة أيّ مقارنة بين الولايات المتحدة وإيران أمرا معدوما. هناك، بكلّ بساطة، نقطة التقاء أوروبية – أميركية عندما يتعلّق الأمر بالملف النووي الإيراني والاتفاق في شأنه الموقّع صيف العام 2015. نقطة الالتقاء هذه أنّ الاتفاق ليس مقبولا في شكله الحالي، بل فيه عيوب كثيرة.

قررت إدارة ترامب الانسحاب من الاتفاق. لكن الملفت أنّ واشنطن تركت الباب مفتوحا أمام التفاوض مجددا من أجل التوصل إلى اتفاق جديد يسدّ كل الثغرات التي في اتفاق صيف 2015 والذي يعتبره دونالد ترامب من أسوأ الاتفاقات التي عقدتها الولايات المتحدة.

تعلن أوروبا تمسّكها بالاتفاق كمنطلق لمفاوضات جديدة تؤدي إلى تعديله كي تحقق هدفين آخرين غير وقف البرنامج النووي الإيراني. يتعلّق الأوّل بالسلوك الإيراني على الصعيد الإقليمي، الذي تبقى الميليشيات المذهبية التي تسرح وتمرح في دول عربية عدّة، أفضل تعبير عنه. أمّا الهدف الثاني، فيتعلّق بالصواريخ الباليستية التي تطورها إيران والتي تستهدف حاليا المملكة العربية السعودية انطلاقا من اليمن.

ليس في العالم من يقبل حاليا بالسلوك الإيراني على الصعيد الإقليمي وهو سلوك يتجاوز في أهمّيته الاتفاق في شأن الملف النووي مع مجموعة الخمسة زائدا واحدا. روسيا نفسها لا تقبل بالسلوك الإيراني. بات واضحا أنّ لديها اعتراضاتها على ما تفعله إيران في سوريا.

اتكلت إيران في الماضي على سياسة النفس الطويل. تبيّن الآن أن الولايات المتحدة تمتلك نفسا طويلا أيضا. في كلّ يوم يمرّ تخرج من واشنطن مجموعة عقوبات تستهدف مسؤولين إيرانيين أو مؤسسات إيرانية أو أدوات إيرانية

كان أفضل دليل على ذلك اختيار الرئيس فلاديمير بوتين أن يكون رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو ضيف الشرف في احتفالات الانتصار على النازية. في الوقت الذي كان بوتين ونتانياهو يحتفلان بذكرى الانتصار على هتلر، كانت الطائرات الإسرائيلية تقصف أهدافا إيرانية في سوريا ردّا على إطلاق صواريخ في اتجاه الجولان المحتل.

لم تكتف روسيا بالاحتفاء برئيس الوزراء الإسرائيلي، قررت في اليوم الذي غادر فيه نتانياهو موسكو إلغاء صفقة صواريخ “أس- 300” المضادة للطائرات التي كان مفترضا أن تبيعها لسوريا.

ليس معروفا مدى فعالية هذه الصواريخ في وجه سلاح الجو الإسرائيلي الذي بات يمتلك طائرات متطورة جدّا. ما قد يكون أهمّ من ذلك كلّه هل كانت سوريا قادرة على دفع ثمن شبكة الصواريخ هذه التي يُخشى في موسكو أن تكشف تخلّف السلاح الروسي مقارنة مع ما في الترسانة الإسرائيلية، التي هي في نهاية المطاف ترسانة أميركية.

عندما تنسحب شركة مثل “توتال” من مشروع نفطي في إيران، وعندما توقف شركة دنماركية مهمة في الشحن البحري نشاطها في البلد، ذلك يعني أن أوروبا تأخذ أي تهديدات أميركية على محمل الجدّ.

تكمن المشكلة في أنّ إيران لا تريد الاقتناع بأن لا أفق لمشروعها التوسّعي وأن وضعها الحالي لا يشبه سوى وضع الاتحاد السوفييتي في عهد بريجنيف الذي امتد حتّى العام 1982.

هناك في إيران قيادة ترهلت لا تستطيع الاعتماد سوى على “الحرس الثوري”. في السنوات الأخيرة من عهد بريجنيف، لم يكن قد بقي من القيادة سوى مجموعة من العجزة لا علاقة لهم بما يدور على الأرض، على الرغم من كلّ الصواريخ والرؤوس النووية التي في حوزة القوة العظمى الثانية في العالم.

خلف يوري اندروبوف ليونيد بريجنيف. لم يدم عهده سوى سنتين. خلفه قسطنطين تشيرنينكو الذي لم يصمد سوى سنة واحدة. عندما جددت القيادة السوفييتية شبابها، جاءت بميخائيل غورباتشوف الذي حاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه لكنّه فشل في ذلك. جاءت بغورباتشوف بعد فوات الأوان.

هناك إشارات كثيرة تدلّ في الوقت الراهن على أن كلّ ما تفعله إيران يتمثل في اللجوء إلى قواعد مستخدمة في لعبة قديمة عفا عنها الزمن. كانت أساليب إيران تصلح لعهد باراك أوباما الذي كان كلّ همه محصورا في استرضاء طهران بعدما اختزل كلّ مشاكل الشرق الأوسط ببرنامجها النووي. يمكن أيضا القول إن إيران عرفت كيف تناور وتستفيد إلى أبعد حد من إدارة بوش الابن التي شنت الحرب على العراق في 2003.

قواعد اللعبة تغيّرت. هناك أميركا مختلفة وهناك أيضا عالم عربي مختلف كلّيا بعد الذي جرى في المملكة العربية السعودية. لو لم يكن الأمر كذلك، لما تصدّت السعودية على رأس “التحالف العربي” للمشروع الإيراني في اليمن عن طريق “عاصفة الحزم”. استطاعت المملكة التي تدافع عن أمنها وأمن الخليج وشبه الجزيرة العربية استيعاب المشروع الإيراني في اليمن ومحاصرته في انتظار اليوم الذي سيمكن القضاء عليه. “عاصفة الحزم” بداية وليست نهاية.

اتكلت إيران في الماضي على سياسة النفس الطويل. تبيّن الآن أن الولايات المتحدة تمتلك نفسا طويلا أيضا. في كلّ يوم يمرّ تخرج من واشنطن مجموعة عقوبات تستهدف مسؤولين إيرانيين أو مؤسسات إيرانية أو أدوات إيرانية.

كانت الدفعة الأخيرة من العقوبات التي استهدفت مسؤولين في “حزب الله” مهمّة جدا نظرا إلى أنها أميركية – خليجية من جهة وأنها تشكل من جهة أخرى توجّها جديدا على الصعيد الخليجي في اتجاه موقف جماعي أكثر وضوحا من الخطر الذي تجسده إيران عبر ميليشياتها في المنطقة.

في نهاية المطاف، هل يستطيع النظام الإيراني إدراك حجمه الفعلي وحجم إيران. لا يشكّ اثنان في أنّ هناك حضارة إيرانية قديمة راسخة، هي الحضارة الفارسية. ولكن لا يشكّ عاقلان في أن إيران لا تستطيع لعب دور القوّة الإقليمية المهيمنة وأن عليها أن تعود إلى نفسها والاهتمام بشعبها قبل أيّ شيء آخر.

لن يقدّم الرهان على أوروبا في شيء. ليس في استطاعة إيران تنفيذ المطلوب أوروبيا. لا بالنسبة إلى سلوكها الإقليمي ولا بالنسبة إلى صواريخها الباليستية. كل ما تستطيعه هو التأقلم مع اللعبة الجديدة التي فرضتها إدارة ترامب في وقت لم يعد العرب يقبلون الوقوف موقف المتفرج أو المساند من بعيد للموقف الأميركي.

هل في استطاعة النظام الإيراني تغيير جلده بعدما صار العرب في الخليج جزءا أساسيا من اللعبة الجديدة؟ لم يعد في هذه اللعبة مجال لأي رهان على هامش ما للمناورة وعلى أن أوروبا يمكن أن تدخل في مواجهة مع أميركا من أجل إيران والاتفاق في شأن ملفّها النووي.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران… ورهان مستحيل على أوروبا إيران… ورهان مستحيل على أوروبا



GMT 13:59 2024 الجمعة ,10 أيار / مايو

مهرجان كان الـ77 يرسم ملامحنا ونرسم ملامحه

GMT 13:44 2024 الجمعة ,10 أيار / مايو

الصديق الثرثار

GMT 13:42 2024 الجمعة ,10 أيار / مايو

«فيتنام بايدن» في الجامعات الأميركية؟

GMT 13:40 2024 الجمعة ,10 أيار / مايو

أين الزلازل يا شيخ فرنك؟

GMT 13:36 2024 الجمعة ,10 أيار / مايو

كوندورسيه يلتحف الكوفية

النجمة درة بإطلالة جذّابة وأنيقة تبهر جمهورها في مدينة العلا السعودية

أبوظبي ـ المغرب اليوم

GMT 19:55 2024 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مولود برج الحمل كثير العطاء وفائق الذكاء

GMT 23:13 2024 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

الوداد الرياضي يٌعلن فتح باب الانخراط بالنادي

GMT 07:57 2021 الإثنين ,27 كانون الأول / ديسمبر

الطاقة الشمسية تجمع المغرب ونيجيريا

GMT 17:42 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 06:29 2015 الأربعاء ,09 كانون الأول / ديسمبر

منفذة هجوم كاليفورنيا تعلمت في مدرسة دينية باكستانية

GMT 09:31 2023 الجمعة ,14 إبريل / نيسان

حليب جوز الهند يعالج البشرة الجافة

GMT 21:26 2016 الجمعة ,07 تشرين الأول / أكتوبر

دراسة جديدة عن فوائد المخدرات للمرتبطين

GMT 11:19 2014 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

اخطاء وخطايا النخبة

GMT 06:39 2016 الأربعاء ,03 شباط / فبراير

Ralph&Russo Couture Spring/Summer 2016

GMT 01:57 2021 الخميس ,01 إبريل / نيسان

مجوهرات لؤلؤية فاخرة موضة صيف 2021

GMT 16:02 2019 الأربعاء ,24 تموز / يوليو

استقالة هشام الدميعي من تدريب أولمبيك آسفي

GMT 19:47 2019 الإثنين ,21 كانون الثاني / يناير

الفنان حاتم إيدار يخضع للعلاج بعد نجاته من حادث مروّع

GMT 10:25 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

الروبوت "فورفيوس" يتمكن من ممارسة لعبة تنس الطاولة

GMT 11:09 2014 الخميس ,30 تشرين الأول / أكتوبر

ظاهرة تسوّس أسنان الأطفال تنشر بسرعة في بريطانيا

GMT 20:37 2013 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تأجيل زفاف ابنة أميرة موناكو والمغربي جاد المالح
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib