العراق بين الحقد والجهل

العراق بين الحقد والجهل

المغرب اليوم -

العراق بين الحقد والجهل

خيرالله خيرالله
بقلم : خيرالله خيرالله

في المرحلة التي سبقت القرار الأميركي باجتياح العراق، في العام 2002 تحديدا، كان الحديث في الأوساط القريبة من الإدارة عن قرار كبير اتخذه الرئيس بوش الابن ونائبه ديك تشيني يقضي بإعادة تشكيل الشرق الأوسط. كان حجر الزاوية، الذي بني عليه هذا القرار، بلد اسمه العراق. تحدث غير مسؤول أميركي وقتذاك عن قلب النظام الذي على رأسه صدّام حسين والاستعاضة عنه بنظام يكون مثالا لكل دول المنطقة، نظام يقوم على المساواة بين المواطنين وعلى التعددية الحزبية والتبادل السلمي للسلطة عبر صندوق الانتخابات. كان الهدف المعلن للإدارة الأميركية “نشر الديمقراطية” في الشرق الأوسط.

في الواقع، كان التركيز في الجلسات الخاصة مع مسؤولين أميركيين على أهمية العراق والاحتياطات النفطية التي يمتلكها، وعن إمكان حدوث التغيير في المنطقة كلّها انطلاقا من هذا البلد الذي يمتلك ثروات طبيعية وثروة اسمها الإنسان، فضلا عن أنه بلد زراعي يمتلك سهولا ومصادر مياه. كان كلّ هذا الكلام يخفي رغبة أميركية في تغيير موازين القوى في الشرق الأوسط، وتحويل العراق إلى دولة تدور في الفلك الأميركي تستطيع الإدارة في واشنطن من خلالها الضغط على دول الخليج الأخرى وحملها على القيام بإصلاحات داخلية وتهديدها بوجود مصادر بديلة للنفط. لم تكن الإدارة الأميركية تعرف الكثير عن دول الخليج العربي المستهدفة، ولم تكن تعرف شيئا عن إيران التي لعبت دور الشريك الكامل في الحرب من أجل التخلّص من النظام في العراق.

كان أفضل تعبير عن مدى الجهل الأميركي بالعراق المؤتمر الذي عقدته المعارضة العراقية في لندن في كانون الأول – ديسمبر 2002. كان كافيا البحث في كيفية انعقاد المؤتمر للتأكد من أن الإدارة الأميركية وقعت في الفخّ الإيراني. لم يكن ممكنا انعقاد ذلك المؤتمر من دون إيران. معظم المشاركين فيه، بمن في ذلك زعماء الأكراد، جاؤوا إلى العاصمة البريطانية في طائرة واحدة نقلتهم من طهران. لولا إيران لم يكن ممكنا إيجاد مشاركة شيعية ذات وزن في مؤتمر لندن. جاءت المشاركة عبر عبدالعزيز الحكيم ممثلا عن “المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق” الذي قاتل مع إيران ضدّ العراق في حرب 1980-1988.

حقّق الحلف الأميركي-الإيراني كلّ الأهداف المطلوبة إيرانيا، بما في ذلك هدف الاستفادة الإيرانية إلى أبعد حدود من ثروات العراق

أعدّ المسرح لمؤتمر لندن السياسي العراقي الراحل أحمد الجلبي الذي لعب دورا محوريا في إقناع الإدارة الأميركية بالسقوط في الفخّ الإيراني وذلك في ضوء عدائه الشرس والقديم للنظام القائم في العراق، وهو عداء دفعه إلى الاستعانة بإيران ضد العراق منذ ما قبل سقوط نظام الشاه في العام 1979. انعقد مؤتمر لندن برعاية أميركية-إيرانية. انتهى ببيان في غاية الخطورة إذ أتى للمرّة الأولى على ذكر عبارة “الأكثرية الشيعية في العراق”.

وضع مؤتمر لندن الأسس لانتصار إيراني على العراق. وصل إلى السلطة في بغداد على الدبابة الأميركية زعماء ميليشيات مذهبية عراقية قاتلوا جيش بلدهم إلى جانب “الحرس الثوري” الإيراني طوال ثماني سنوات. لا ولاء لدى هؤلاء للعراق. هذا ما لم تدركه الإدارة الأميركية في أيّ وقت. لم تكن تدرك مقدار الحقد الإيراني على العراق.

بعد خمسة عشر عاما على سقوط صدّام حسين، الذي ارتكب كلّ الأخطاء التي يمكن ارتكابها في ضوء جهله بالمعادلات الإقليمية والدولية، واقتناعه أن في الإمكان الاستمرار في السلطة عن طريق القمع، هناك فشل أميركي-إيراني في العراق. لم تستوعب الولايات المتحدة في أيّ وقت النتائج التي يمكن أن تترتب على انتصار إيراني على العراق بفضل الدم الأميركي. لم تستوعب خصوصا معنى استيلاء زعماء الميليشيات المذهبية على السلطة في بغداد. لم تقدّر الثمن الذي سيدفعه الجنود الأميركيون الذين أرادت إيران إخراجهم من العراق بعدما أدّوا المطلوب منهم. كان كلّ المطلوب من القوات الأميركية الانتهاء من صدّام حسين ومن الجيش العراقي. بعد ذلك، صار على الأميركيين الخروج من العراق، وترك البلد ساحة لإيران تلعب فيها وحدها. هذا ما حدث بالفعل في العام 2010 عندما اتخذ باراك أوباما قرارا بالانسحاب عسكريا من العراق، والتفاهم مع إيران على أن يأتي نوري المالكي رئيسا للوزراء.

مهّدت الولايات المتحدة كلّ الطرق العراقية أمام إيران. أنشأت، مباشرة بعد الاحتلال في العام 2003، مجلس الحكم الموقت الذي همّش السنّة العرب ودفعهم إلى التطرّف. ترافق ذلك مع قرار لبول بريمر، المفوض السامي الأميركي في العراق، بحل الجيش العراقي. زاد ذلك من تطرّف السنّة العرب، وكأن المطلوب أميركيا ملاقاة المخطط الإيراني الهادف إلى تعميق الشرخ المذهبي في العراق عند منتصف الطريق.

مؤتمر لندن وضع الأسس لانتصار إيراني على العراق. وصل إلى السلطة في بغداد على الدبابة الأميركية زعماء ميليشيات مذهبية عراقية قاتلوا جيش بلدهم إلى جانب “الحرس الثوري” الإيراني

حقّق الحلف الأميركي-الإيراني كلّ الأهداف المطلوبة إيرانيا، بما في ذلك هدف الاستفادة الإيرانية إلى أبعد حدود من ثروات العراق، خصوصا عائدات النفط. تبخرت هذه العائدات التي كان مفترضا أن تدخل الخزينة العراقية وأن تعوّض عن سنوات من الحرمان عانى منها العراقيون في السنوات التي كان فيها صدّام رئيسا، أي بين 1979 و2003. بعد سنة واحدة من إخراج صدّام حسين لأحمد حسن البكر من الرئاسة، اندلعت الحرب مع إيران.

لا شكّ أن إيران كانت وراء دفع صدّام إلى اتخاذ قراره الأحمق بشنّ حرب شاملة عليها. كان الاعتقاد السائد أن الرئيس العراقي الراحل سيتعلّم شيئا من تجربة الحرب مع إيران. إذا به في العام 1990 يتفوق على نفسه، ويقوم بمغامرته الكويتية المجنونة التي لا يزال العراق يعاني منها إلى اليوم. ليس معروفا بعد كيف يستطيع رجل عاقل مقيم في بغداد يمتلك حدّا أدنى من المنطق احتلال دولة نفطية مثل الكويت، وأن يتوقّع من أميركا الدخول معه في مساومات من منطلق أنه قادر على فرض أمر واقع على المجتمع الدولي ودول المنطقة؟

لا يزال السبب الذي دفع الولايات المتحدة إلى احتلال العراق وتسليمه إلى إيران لغزا. ما لم يعد لغزا في السنة 2018 هو نتيجة المغامرة الأميركية-الإيرانية في العراق. الفشل الذريع مصير هذه المغامرة التي تشبه مغامرات صدّام حسين. استفاق العراقيون على وضع لم يعد في استطاعتهم تحمّله بأيّ شكل. لكنّهم استفاقوا أيضا على بلد تحكمه الميليشيات المذهبية التابعة لإيران التي تستطيع أن تفعل كلّ شيء باستثناء بناء مؤسسات لدولة حديثة يمكن أن تكون نموذجا يحتذى به في المنطقة.

كلّ ما في الأمر أن العراق يحصد حاليا نتائج التقاء الحقد الإيراني مع الجهل الأميركي. هل سيتغيّر شيء مع حصول تغيير في التعاطي الأميركي مع إيران في عهد دونالد ترامب؟ لا يزال من المبكر الإجابة عن السؤال، لكنّ الثابت أن المغامرة الأميركية-الإيرانية جعلت من العراق دولة فاشلة. دولة فاشلة إلى درجة يحدّد فيها مقتدى الصدر المواصفات التي يجب أن تتوافر لدى أي شخص يريد أن يكون في المستقبل رئيسا للوزراء في العراق!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العراق بين الحقد والجهل العراق بين الحقد والجهل



GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

GMT 11:41 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

فرنسا العظمى «سابقاً»

أجمل إطلالات الإعلامية الأنيقة ريا أبي راشد سفيرة دار "Bulgari" العريقة

أبوظبي ـ المغرب اليوم

GMT 13:42 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نجمات عربيات تألقن على السجادة الحمراء في "كان"
المغرب اليوم - نجمات عربيات تألقن على السجادة الحمراء في

GMT 19:55 2024 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مولود برج الحمل كثير العطاء وفائق الذكاء

GMT 23:13 2024 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

الوداد الرياضي يٌعلن فتح باب الانخراط بالنادي

GMT 07:57 2021 الإثنين ,27 كانون الأول / ديسمبر

الطاقة الشمسية تجمع المغرب ونيجيريا

GMT 17:42 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 06:29 2015 الأربعاء ,09 كانون الأول / ديسمبر

منفذة هجوم كاليفورنيا تعلمت في مدرسة دينية باكستانية

GMT 09:31 2023 الجمعة ,14 إبريل / نيسان

حليب جوز الهند يعالج البشرة الجافة

GMT 21:26 2016 الجمعة ,07 تشرين الأول / أكتوبر

دراسة جديدة عن فوائد المخدرات للمرتبطين

GMT 11:19 2014 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

اخطاء وخطايا النخبة

GMT 06:39 2016 الأربعاء ,03 شباط / فبراير

Ralph&Russo Couture Spring/Summer 2016

GMT 01:57 2021 الخميس ,01 إبريل / نيسان

مجوهرات لؤلؤية فاخرة موضة صيف 2021

GMT 16:02 2019 الأربعاء ,24 تموز / يوليو

استقالة هشام الدميعي من تدريب أولمبيك آسفي

GMT 19:47 2019 الإثنين ,21 كانون الثاني / يناير

الفنان حاتم إيدار يخضع للعلاج بعد نجاته من حادث مروّع

GMT 10:25 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

الروبوت "فورفيوس" يتمكن من ممارسة لعبة تنس الطاولة

GMT 11:09 2014 الخميس ,30 تشرين الأول / أكتوبر

ظاهرة تسوّس أسنان الأطفال تنشر بسرعة في بريطانيا

GMT 20:37 2013 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تأجيل زفاف ابنة أميرة موناكو والمغربي جاد المالح
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib