الكويت تحت عنوان الواقعية

الكويت تحت عنوان الواقعية

المغرب اليوم -

الكويت تحت عنوان الواقعية

بقلم : خيرالله خيرالله

مثلما كانت الانتخابات الكويتية التي جرت في 26 تشرين الثاني- نوفمبر 2016 مفصلية، كونها الأولى التي تشارك فيها المعارضة وفق نظام الصوت الواحد، كانت كلمة أمير دولة الكويت الشيخ صُباح الأحمد في افتتاح البرلمان الكويتي الجديد مفصلية أيضا، لجهة رسمها حدودا للسلطتين التشريعية والتنفيذية تشكل إطار عملهما في المرحلة المقبلة تحت عنوان كبير اسمه: الواقعية.

أمير الكويت لم يجار أعضاء البرلمان والحكومة في الخطاب الشعبوي الجماهيري الذي يعتمد الشعارات الفارغة، في معظمها. قال الأمور كما يجب أن تقال. هناك نار إقليمية قد تمتد إلى الكويت إن ساهم المسؤولون في تكريس حالات انقسام طائفية ومذهبية. هناك تحد اقتصادي يفرض شد الأحزمة والتقشف، وعلى من يمثّل الناس ألا يمثّل عليهم وأن يقول الحقائق كما هي مع تراجع أسعار النفط. وهناك حاجة ماسة لتفرغ البرلمان للتشريع والرقابة من أجل تثبيت الاستقرار وتطوير المؤسسات السياسية. حذّر أيضا الحكومة من تعطيل مصالح الناس، وطالبها بتغيير منهجية عملها لجهة الإسراع في بت الملفات وإنجاز المشاريع الحيوية.

من يزور الكويت هذه الأيّام يكتشف أن هناك مشاريع كبيرة نفّذت في السنوات القليلة الماضية، في عهد المجلس السابق الذي تميّز أداؤه بالتعاون مع الحكومة، بدل وضع العراقيل في وجهها والدخول في جدل عقيم عندما يتعلّق الأمر بالمباشرة في العمل الجدي الهادف إلى إيجاد بنية تحتية تليق بالكويت. الأهمّ من ذلك كلّه، أن التعاون الذي قام بين الحكومة التي كانت برئاسة الشيخ جابر المبارك، الذي بقي في موقعه، من جهة، ومجلس الأمة الذي رأسه مرزوق الغانم من جهة أخرى، وضع الأسس لاستكمال التوجه نحو مواجهة تحديات المرحلة التي تبدو المنطقة كلّها مقبلة عليها.

قبل كلّ شيء، أعاد المجلس الجديد انتخاب الغانم رئيسا له، وذلك بأكثرية واضحة هي 48 صوتا، فاقت تلك التي حصل عليها في المجلس السابق. إنْ دلّ ذلك على شيء، فهو يدلّ على نضج لدى معظم القوى السياسية، فضلا عن استيعاب للمعادلة الجديدة التي يفترض أن تتحكّم بكلّ ما يخصّ الوضع الكويتي. هناك وضع دقيق في المنطقة كلّها، ومخاطر تهدّد كلّ دولة من دوله، وهناك تراجع في موارد الدولة. هذا ما حمل الشيخ صُباح الأحمد على التركيز على أهمّية الوحدة الوطنية “السور الذي يحمي مجتمعنا”. شدّد في الوقت ذاته على أنّ “هذا ليس وقت الترف السياسي أو التكسّب على حساب المصلحة العليا للكويت”، مضيفا أنّ “خيار خفض الإنفاق أصبح أمرا حتميا من خلال تدابير مدروسة ووقف الهدر واستنزاف مواردنا الوطنية”.

بكلام أوضح، كان على الكويت أن تواجه في السنوات الماضية تجارب كثيرة بدأت بالاحتلال العراقي في صيف العام 1990. بقيت طويلا في أسر عقدة الاحتلال. بدا في مرحلة معيّنة أن كويتيين كثيرين لم يتعلّموا شيئا من تلك التجربة المرّة، على الرغم من أنّها كشفت، عندما وقفوا جميعا في مواجهة الاحتلال، كم أنّ الوحدة الوطنية مترسّخة في البلد. مرّت سنوات طويلة سادتها روح اللامسؤولية، خصوصا في الساحة السياسية وفي العلاقة بين مجلس الأمّة والحكومة. صار إسقاط الحكومات أقرب إلى هواية أكثر من أيّ شيء آخر. تراجعت الكويت على كلّ المستويات، في وقت كانت الدول المحيطة بها تتقدّم بعدما كانت مركز إشعاع لبلدان المنطقة كلّها.

كان لا بدّ لأمير الدولة، عبر سلسلة من القرارات الجريئة، من ضبط الأمور والتأكيد أنّ زمن المزايدات ولّى إلى غير رجعة. وضع التعاون الذي قام بين الحكومة ومجلس الأمّة السابق حجر الزاوية لما يّفترض أن تكون عليه العلاقة الصحيّة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. من خلال هذا التعاون، أمكن إنجاز مشاريع كثيرة، علما أن البلد يحتاج إلى أكثر من ذلك بكثير وإلى تحديث نفسه والاستفادة من تجربتي أبوظبي ودبي، خصوصا في مجال الانفتاح على الحداثة، ورفض البقاء رهينة للجماعات المتطرفة التي تسعى إلى فرض قيمها المتزمّتة والهيمنة على الحياة الاجتماعية في بلد تلعب فيه المرأة دورها الطبيعي والطليعي بصفـة كونهـا تمثّل نصف المجتمع.

في كلّ الأحوال، بدا من خلال الجلسة الأولى لمجلس الأمّة الجـديد، ومن تجديد الثقة برئيس المجلس، ومن تشكيل حكومة جـديدة برئاسة الشيخ جـابر المبـارك، أنّ هناك وعيا بضرورة التأقلم مع الوضع الجديد الذي دخلته المنطقة. أكثر من ذلك، اكتشف الكويتيون أن هناك، في شخص الأمير، من هو على استعداد لوضع حدّ لأيّ تجاوزات يمكن أن تلحق ضررا بالمصلحة العليا للكويت. أكثر من ذلك، اكتشف الكويتيون أن لا بديل من التعاون بين المجلس والحكومة.

سمح هذا التعاون بمواجهة الإرهاب الذي مصدره إيران، من يريد دليلا على ذلك يستطيع العودة إلى موضوع “خليّة العبدلي”. سمح هذا التعاون أيضا بمواجهة تطرّف تنظيم “داعش” الذي ضرب في الكويت مستهدفا إحدى الحسينيات. كان الهدف الذي أراده “داعش” واضحا كلّ الوضوح. تمثّل الهدف بإثارة النعرات المذهبية في بلد لا تفريق فيه بين مواطن سنّي وآخر شيعي. سمح هذا التعاون بالتعاطي الهادئ مع التحرّشات التي مصدرها الحدود مع العراق. فوق ذلك كلّه، سمح هذا التعاون بأن تستعيد الكويت دورها على الصعيد الإقليمي. لعلّ المفاوضات بين اليمنيين التي استضافتها الكويت، وتحمّلت خلالها الكثير معتمدة الصبر أوّلا، وضعت الأسس لتسوية ما يحتاج إليها اليمنيون اليوم قبل غد.

من خلال هذا التعاون بين السلطتين استطاعت الكويت مواجهة المؤامرة الداخلية ذات الامتدادات الإقليمية التي تعرّضت لها الرياضة الكويتية. كان تجديد الثقة بوزير الإعلام والثقافة والشباب والرياضة الشيخ سلمان الحمود اعترافا بدوره في إفشال هذه المؤامرة ومساعدة الكويت في تجاوزها وكشف الذين يقفون خلفها من ذوي الحسابات الخاصة والأنانيات المفرطة. كذلك، كان تجديد الثقة بالرجل دليلا على مدى أهمّية استمرار مسيرة تحديث الإعلام التي يقوم بها.

أثبتت الجلسة الأولى لمجلس الأمة الجديد، إنْ من خلال كلمة أمير الدولة أو من خلال ما قاله رئيس المجلس ورئيس الوزراء، أن هناك اتجاها إلى استمرار هذا التعاون بين السلطتين واستيعابا للتعقيدات الإقليمية والداخلية. لعل العبارة الصادرة عن مرزوق الغانم تختزل الكثير، فهو قال إن “الهدم يحتاج إلى عمل منفرد، بينما البناء يحتاج إلى عمل جماعي”. نعم، يحتاج البناء إلى عمل جماعي من جهة، وإلى استبعاد كلّ من يسعى إلى الاصطياد في الماء العكر من جهة أخرى. على رأس المصطادين بالماء العكر يأتي الإخوان المسلمون الذين بات الكويتيون يدركون مدى خطورتهم وانتهازيتهم. لذلك، لم تحصل صفقة بينهم وبين الحكومة. سقط “صقر الإخوان” جمعان الحربش في امتحان الوصول إلى موقع نائب رئيس مجلس الأمة. وهذا يدل أيضا على أنه في الكويت ما يكفي من الوعي لفهم خطورة ما يمثله الإخوان على البلد ومستقبله في منطقة تهددها كلّ أنواع الحرائق…

المصدر : صحيفة العرب

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الكويت تحت عنوان الواقعية الكويت تحت عنوان الواقعية



GMT 20:00 2024 الثلاثاء ,19 آذار/ مارس

تحقيق مع مكرم رباح... مع الحقيقة والمنطق

GMT 21:17 2024 الإثنين ,11 آذار/ مارس

بين بايدن وترامب... وضع أميركي مخيف

GMT 03:10 2024 الجمعة ,16 شباط / فبراير

عالم من دون قيادات

GMT 19:38 2024 الجمعة ,09 شباط / فبراير

رفيق الحريري وثمن إنقاذ الجنوب!

نانسي عجرم تتألق بالأسود في احتفالية "Tiffany & Co"

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 07:05 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

المغربية سميرة سعيد تُروج لأحدث أغانيها «كداب»
المغرب اليوم - المغربية سميرة سعيد تُروج لأحدث أغانيها «كداب»

GMT 11:02 2022 الأحد ,11 كانون الأول / ديسمبر

بيروت تتوالد من رمادها وتتزين بكُتابها.

GMT 06:42 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تعرف على أبرز مميزات وعيوب سيارات "الهايبرد"

GMT 00:55 2017 السبت ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

طالب يعتدي على مدرسته بالضرب في مدينة فاس

GMT 11:02 2023 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

أفضل العطور لفصل الخريف

GMT 11:55 2023 الأحد ,05 شباط / فبراير

نصائح لاختيار الحقيبة المناسبة للمعطف

GMT 16:56 2023 الإثنين ,09 كانون الثاني / يناير

حكيمي ومبابي يستمتعان بالعطلة في مراكش

GMT 07:48 2022 الأربعاء ,19 تشرين الأول / أكتوبر

إتيكيت التعامل مع الاختلاف في الرأي

GMT 09:59 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

قواعد اتيكيت نشر الغسيل

GMT 10:31 2022 الجمعة ,27 أيار / مايو

مايكروسوفت تطور دونجل لبث ألعاب إكس بوكس

GMT 01:02 2021 السبت ,07 آب / أغسطس

وصفات طبيعية لتفتيح البشرة بعد المصيف

GMT 19:36 2020 الإثنين ,08 حزيران / يونيو

وفاة ابنة الفنان الراحل محمد السبع
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib