الرسالة الإيرانية المزدوجة

الرسالة الإيرانية المزدوجة

المغرب اليوم -

الرسالة الإيرانية المزدوجة

خيرالله خيرالله
بقلم: خيرالله خيرالله

من الواضح أن إيران تريد حربا أميركية – إيرانية في العراق تكون بديلا من حرب أميركية على إيران تُشنّ حاليا بسلاح العقوبات.

السؤال في غاية البساطة، العراق في العراق أم إيران في العراق؟ السؤال يطرح نفسه بعد حصار السفارة الأميركية في بغداد ردّا على مهاجمة الأميركيين مواقع لميليشيات موالية لإيران داخل الأراضي العراقية والسورية. أسوأ ما في الأمر كان انكشاف النظام العراقي الذي وقف متفرجا على الميليشيات الإيرانية تهاجم، بقيادة “الحشد الشعبي” و”حزب الله العراقي”، السفارة الأميركية في بغداد. هناك نظام عراقي لم يعد موجودا. أثبتت الأحداث المتلاحقة في العراق أنّ إيران حلت مكانه وأنّها صارت الحاكم الفعلي للبلد. المفارقة أن الذين هاجموا السفارة الأميركية، إنّما أتت بهم دبابة أميركية من طهران إلى بغداد!

فشلت الإدارات الأميركية المتلاحقة منذ العام 2003 في بناء نظام عراقي جديد كانت تظنّ أنّه سيكون نموذجا لما يُفترض أن تكون عليه دول المنطقة. ما يشهده العراق اليوم هو نتيجة فشل المحاولات الأميركية الهادفة إلى تحويل العراق إلى بلد ديمقراطي. كلّ ما فعلته الإدارات الأميركية السابقة، وهو ما تحاول إدارة دونالد ترامب إصلاحه، صبّ في مصلحة إيران التي ترفض التراجع عن مكاسبها من منطلق أن العراق ورقة مهمّة لديها، بل الورقة الأهمّ، في المواجهة مع الإدارة الأميركية الحالية.

ما لا يمكن تجاهله أن ردّ الفعل الأميركي القويّ جاء بعد هجوم إيراني على قاعدة أميركية في كركوك قتل نتيجته متعاقد أميركي. من الواضح أن إيران تريد حربا أميركية – إيرانية في العراق تكون بديلا من حرب أميركية على إيران تُشنّ حاليا بسلاح العقوبات. الأكيد أن إيران لم تعد تدري ما الذي عليها عمله من أجل التخلّص من هذه العقوبات التي أثّرت عليها تأثيرا كبيرا باعتراف الرئيس حسن روحاني نفسه. المضحك أن روحاني ما زال يطرح شروطا من أجل قبول التفاوض مع الأميركيين. لا يريد أخذ العلم أن هناك إدارة تعرف إيران جيّدا. الدليل على ذلك أن ترامب لم يتردّد في تحميل طهران مسؤولية ما تتعرّض له السفارة الأميركية في بغداد.

لعلّ أوّل ما تفاجأت به إيران هو ردّ الفعل الأميركي الذي تمثّل في رد سريع وقاس استهدف ميليشياتها في العراق وفي سوريا. على رأس هذه الميليشيات الإيرانية “حزب الله العراقي” الذي يسعى إلى أن يكون مثل “حزب الله” في لبنان. كانت النتيجة أنّ هناك حاليا مواجهة أميركية – إيرانية حقيقية في العراق وما يتجاوز العراق. تطورت المواجهة إلى سعي إيران إلى إحراج الولايات المتحدة عن طريق تطويق سفارتها في بغداد وتحطيم إحدى بواباتها. هذا يعني، بكلّ بساطة، أن لدى إيران ما يكفي من الأدوات العراقية للقيام بهذه المهمّة.

الأهمّ من ذلك كلّه، أثبتت طهران أنّ لديها عناصر موالية لها في العراق تسمح بإحراق إحدى بوابات السفارة، وربّما السفارة نفسها، التي تحتلّ مساحة 420 ألف متر مربع في بغداد، والتي كلّف بناؤها ما يزيد على 750 مليون دولار. الرسالة الإيرانية واضحة كل الوضوح. فحوى الرسالة أن العراق أرض إيرانية وأن كلّ ما قامت به أميركا في العام 2003 هو تسليم العراق إلى إيران.

استغلت إيران الهجوم الأميركي على قواعد لـ”حزب الله العراقي” في العراق وسوريا كي تضرب عصفورين بحجر واحد، وكي تبعث برسالة مزدوجة. هناك العصفور الأوّل المتمثّل في إثبات السيطرة على العراق وأنّ لا رجعة عن تحويله إلى جرم يدور في الفلك الإيراني. أمّا العصفور الثاني فهو يتمثّل في أنّ الثورة العراقية التي رأس حربتها شيعة العراق ليست ثورة حقيقية، أقلّه من وجهة النظر الإيرانية.

الدليل على ذلك أن لا وجود لعراقيين يعترضون على تطويق إيران، عبر أدواتها، للسفارة الأميركية في بغداد. تريد إيران أن ينسى العالم أن هناك ثورة شعبية عراقية ضدّها، وأن القنصلية الإيرانية في النجف أحرقت ثلاث مرات في غضون شهر واحد. ليس تطويق السفارة الأميركية، ثمّ التراجع تلبية لطلب الحكومة العراقية سوى تهديد مباشر للعراقيين المنتفضين على الوجود الإيراني لا أكثر.

استطاعت إيران أن تقول لهؤلاء العراقيين إنّ “الحشد الشعبي” هو مستقبل العراق، وأن تجربة “الحرس” الثوري في إيران تنطبق على العراق أيضا. هل يرضخ العراقيون للقدر الإيراني الذي يعني بين ما يعنيه أن “الجمهورية الإسلامية” لم تنسَ حرب 1980 – 1988، وهي تعتبر هذه الحرب مستمرّة ولن تغفر يوما للشيعة العرب وقوفهم في وجه الزحف الإيراني على العراق، وهو زحف بدأ مباشرة بعد انتصار الثورة التي أطاحت الشاه في العام 1979.

برسالتها المزدوجة إلى الإدارة الأميركية وإلى الداخل العراقي، تعتقد إيران أنّها استعادت المبادرة، خصوصا بعدما تبيّن أن النظام القائم في العراق صار مجرد أداة للزينة لا تستطيع حماية سفارة أجنبية في بغداد.

لن تنقذ الرسالة الإيرانية المزدوجة النظام الإيراني من ضرورة مواجهة الحقيقة والواقع. الحقيقة والواقع يقولان إنّ أزمة النظام الإيراني عميقة من جهة، وهي مع الإيرانيين أنفسهم من جهة أخرى. لا ينقذ النظام الإيراني سوى التصالح مع الواقع والحقيقة مع ما يعنيه ذلك من اعتراف بفشله على كلّ صعيد وفي كل المجالات، خصوصا أنّ ليس لديه ما يصدّره سوى ميليشيات مذهبية تنشر البؤس حيثما حلّت، بما في ذلك العراق. إذا كان من معركة إيرانية يمكن ربحها، فإنّ ساحة هذه المعركة هي إيران، حيث أرقام مخيفة عن الفقر والتخلّف، وليس أيّ مكان آخر.

في النهاية فشل الجنرال قاسم سليماني قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” في بناء نظام عراقي بديل موال لإيران بعدما عجزت أميركا عن جعل البلد يقف على رجليه مجدّدا. كان عادل عبدالمهدي الواجهة الأخيرة التي استخدمها. استقالت حكومة عادل عبدالمهدي ولم توجد بعد شخصية صالحة تحلّ مكانه. كلّ الشخصيات التي طرحتها إيران مرفوضة.

لن يحلّ حصار السفارة الأميركية، من قريب أو من الضفّة الأخرى لنهر دجلة، أي مشكلة إيرانية. لن تكون فائدة تذكر من الرسائل الإيرانية عبر العراق.

عاجلا أم آجلا ستستعيد الثورة الشعبية العراقية على إيران نشاطها وحيويتها… فيما ستستمر العقوبات الأميركية على “الجمهورية

الإسلامية”، بل ستزداد. إلى متى يستمر الهرب الإيراني من الحقيقة والواقع؟ ألم يكتف النظام في إيران بما تسبب به في لبنان وسوريا والعراق واليمن… أم يريد مزيدا من البؤس والخراب في هذه البلدان العربية خدمة لوهم اسمه المشروع التوسّعي الإيراني؟

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الرسالة الإيرانية المزدوجة الرسالة الإيرانية المزدوجة



GMT 15:33 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

شعر عربي اخترته للقارئ

GMT 15:29 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

شعر المتنبي - ٢

GMT 15:18 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

من شعر المتنبي - ١

GMT 23:58 2021 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

شعر جميل للمعري وأبو البراء الدمشقي وغيرهما

GMT 21:18 2021 الإثنين ,25 كانون الثاني / يناير

أقوال بين المزح والجد

بلقيس بإطلالة جديدة جذّابة تجمع بين البساطة والفخامة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 02:30 2022 الأحد ,02 تشرين الأول / أكتوبر

نصائح لاختيار تصميم مثالي ومميز للأريكة في غرف المعيشة

GMT 22:25 2021 الأربعاء ,08 أيلول / سبتمبر

دليلك ليستقبل طفلك الدراسة بحب ومن دون مشاكل

GMT 11:24 2020 الجمعة ,10 تموز / يوليو

أريكة متعدّدة الإستخدامات

GMT 09:17 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

النهج الديمقراطي يوضح موقفه من النموذج التنموي

GMT 05:36 2019 الجمعة ,15 آذار/ مارس

افتتاح مطعم " Clinton St. Baking" العالمي في دبي

GMT 18:48 2019 الإثنين ,07 كانون الثاني / يناير

ميسور يتعاقد مع المدرب المغربي عبد القادر يومير

GMT 01:42 2018 الإثنين ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

عائشة البصري تكشف معاناة النساء من خلال "الحياة من دوني"

GMT 20:37 2018 الأحد ,30 أيلول / سبتمبر

إصابة شرطي إثر إطلاق نار كثيف في الدار البيضاء

GMT 03:55 2018 الإثنين ,29 كانون الثاني / يناير

Altinbas تقدم أرقى التشكيلات للساعات والمجوهرات وخواتم الزفاف

GMT 20:59 2017 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

الاتحاد المغربي للملاكمة يكشف عن موعد جمعيته العمومية

GMT 04:14 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

جمبو يفوز بلقب بطولة فريق لبنان لإناث الجمباز

GMT 23:31 2014 الخميس ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

عرض الفيلم المغربي "فرونتيراس" في العاصمة الهولندية

GMT 15:10 2014 الإثنين ,27 تشرين الأول / أكتوبر

الإعلامية هند بومشمر تقدم اعتذارها للشعب المغربي

GMT 15:08 2016 الأحد ,25 كانون الأول / ديسمبر

نانسي عجرم تتألق بأربع فساتين بيضاء وتخطف الأنظار
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib