لا مشروع غير السلطة لدى عسكر السودان

لا مشروع غير السلطة... لدى عسكر السودان

المغرب اليوم -

لا مشروع غير السلطة لدى عسكر السودان

خيرالله خيرالله
خيرالله خيرالله

لم يشذّ  عسكر السودان عن القاعدة. وعدوا في بيانهم الرقم واحد الذي اعلنوا فيه عن تفردهم بالسلطة والانتهاء من حكومة عبدالله حمدوك بإجراء انتخابات عامة صيف العام 2023... تمهيدا لتسليم السلطة الى المدنيين!

لماذا لا يسلمون السلطة الى المدنيين الآن ولماذا قرروا التخلّص من المكوّن المدني في السلطة واستبداله بحكومة جديدة لا تضم سوى اختصاصيين؟ لا أجوبة عن مثل هذا النوع من الأسئلة باستثناء انّ العسكر يريدون السلطة ويريدون حكومة تحت وصايتهم المباشرة ليس الّا.

هل لدى العسكر في السودان مشروع آخر غير السلطة التي يعشقونها عشق الاخوان المسلمين لها؟ الاهمّ من ذلك كلّه، ما سيطرح نفسه في الأسابيع القليلة المقبلة. سيظهر مدى تأثّر الضباط الذين استولوا على السلطة، وازاحوا المكوّن المدني منها، بتجربة عمر حسن البشير التي استمرت ثلاثة عقود (1989 – 2019) واخذت السودان الى خراب على كل الصعد.

لم يكن لدى البشير من همّ آخر غير السلطة. استطاع التلاعب بزعيم الاخوان حسن الترابي. استخدمه غطاء في مرحلة معيّنة قبل ان يتخلّص منه ويدخله السجن تمهيدا لإعدامه. تدخّل الرئيس اليمني الراحل علي عبدالله صالح، الذي كانت تربطه علاقة قويّة بالبشير، مرتين لإنقاذ الترابي من حبل المشنقة!

بالنسبة الى البشير، كان كلّ شيء يهون من اجل السلطة. يستطيع ان يكون مع ايران و"حماس" ثم ينقلب عليهما فجأة. كان مع تركيا التي لديها اطماعها المعروفة في السودان وفي البحر الأحمر... وكان ضدّ تركيا في الوقت ذاته. سلّم البشير الإرهابي الفنزويلي الاصل "كارلوس" الى فرنسا من اجل استرضاء الغرب بعدما ضاق عليه الخناق. وعندما وجد نفسه محشورا في زاوية، ذهب الى استفتاء على انفصال الجنوب. اصبح الجنوب السوداني دولة مستقلة في التاسع من تموز – أيلول 2011. خرج من الاستفتاء خاسران. شمال السودان وجنوبه الذي لا يزال يبحث عن استقرار داخلي على الرغم من مرور عشر سنوات على اعلان الاستقلال.

ثمّة عادة متبعة لدى العسكريين الذين ينفذون انقلابات عسكريّة. لا تخلو بياناتهم الأولى عن كلّ أنواع الوعود. حتّى الباكستاني ضياء الحق الذي انقلب على ذو الفقار علي بوتو في العام 1977، تمهيدا لشغل موقع رئيس الدولة العام التالي، وعد بانتخابات عامة كي يصلح ما افسده بوتو. كانت النتيجة أنّ نظامه الذي استمر عشرة أعوام والذي انتهى بمقتله في حادث سقوط طائرة في ظروف غامضة، اسّس لباكستان مختلفة. نقل ضياء الحقّ البلد الى حال من التزمت الديني قضت على كلّ ما له علاقة بثقافة الحياة في باكستان التي كانت في الأساس بلدا اسلاميا معتدلا تأسّس، على يد محمد علي جناح، من اجل حماية المسلمين في الهند. ما اسسه ضياء الحق انتج كلّ أنواع المتطرفين، بما في ذلك "طالبان" التي خرجت أصلا من المدارس الدينية الباكستانية وتوجهت منها الى أفغانستان.   

ليس معروفا الى اين سيأخذ البلد كبار ضباط الجيش السوداني، الذين حسموا امر نظام عمر حسن البشير. هل لا يزال الزمن يصلح لانقلاب عسكري... ام انّ السودان يبقى حالة شاذة في ضوء التجارب التي مرّ فيها منذ استقلاله في العام 1956...؟

كلّ ما توحي به هذه التجارب انّ السودان، بأحزابه السياسية المعروفة، تأرجح دائما بين الحكم المدني والحكم العسكري. ليس سرّا انّ المدنيين بادروا من انفسهم الى تسليم السلطة إلى العسكر بعد عامين على الاستقلال. كان ذلك في العام 1958.

منذ استقلّ السودان في العام 1956، يلجأ المدنيون الى العسكر في كلّ مرّة يثبت فيها فشلهم في إدارة البلد... ويلجأ العسكر إلى واجهة مدنيّة بين حين وآخر بغية تغطية عجزهم عن ممارسة الحكم وإيجاد حلول للأزمات الاقتصادية والسياسيّة المتلاحقة.

في العام 1958، سلّم السياسيون السلطة الى العسكري ابراهيم عبّود بعد ما اكتشفوا انّهم غير قادرين على ممارسة مسؤولياتهم. ما لبث إبراهيم عبود نفسه، وكان برتبة فريق، ان وصل الى طريق مسدود في العام 1964. كان كافيا نزول المواطنين الى الشارع واطلاق شعار "الى الثكنات يا حشرات" كي ينتهي زمن العسكر وكي يعود المدنيون الى السلطة التي ما لبث ان تسلّمها انقلابي أرعن عديم الثقافة اسمه جعفر نميري. بقي النميري في الرئاسة حتّى العام 1985 قبل ان يضطر الى التنازل في ضوء ترهّل بلغه السودان على كل صعيد. لم يكن النميري يعرف ما الذي يريده. بدأ عهده بشعارات عروبيّة بالية، من النوع الذي استخدمه قبله جمال عبدالناصر، وانتهى بالبحث عن طريقة يسترضي بها الاخوان المسلمين الذين نخروا المجتمع مستفيدين من حال التسيّب التي سادت في السنوات الأخيرة من حكم النميري ومن الدور التخريبي الذي لعبه حسن الترابي وقتذاك.

بعد فترة قصيرة من الحكم المدني، نفّذ ضباط إسلاميون كان يرعاهم زعيم الاخوان المسلمين حسن الترابي في منتصف العام 1989 انقلابا عسكريا. كان ذلك من منطلق شعار انّ "الإسلام هو الحلّ". خرج البشير على طاعة الترابي ومارس حكما عسكريا مباشرا انهته في العام 2019 ثورة شعبيّة يرفض كبار الضباط الاعتراف بها وبحقها في تشكيل سلطة تكون بالفعل السلطة المسؤولة عن إدارة شؤون السودان وإعادة بناء اقتصاده وإيجاد حلول لمشاكل في غاية التعقيد من نوع مشكلة شرق السودان.

اتخذ السودان منذ إيداع عمر حسن البشير وأركان نظامه السجن خطوات عدة تميّزت بالجرأة، خصوصا في مجال الانفتاح على العالم ودول المنطقة والتخلص من العقوبات التي فرضت على البلد. لكنّ كلّ هذه الخطوات تبدو ناقصة في غياب تفاهم في العمق بين المدنيين والعسكر. تبيّن ان الوصول الى مثل هذا التفاهم مستحيل...

إذا لم يمتلك العسكر مثل هذه القناعة، التي تفضي الى وقف الابتزاز للمدنيين والقبول بنوع من توزيع للأدوار في ما بين الجانبين العسكري والمدني، سيبقى السودان في دوامته الازليّة. تهدّد الدوامة السودانيّة بمزيد من الازمات والانقسامات الداخلية التي لن يعثر لها عن حلّ مهما بذل المجتمع الدولي من جهود من اجل مساعدة السودان وتمكينه من استغلال ثرواته الكبيرة.

   

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لا مشروع غير السلطة لدى عسكر السودان لا مشروع غير السلطة لدى عسكر السودان



GMT 14:47 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

سعيٌ للتهويد في عيد الفصح اليهودي

GMT 20:01 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

معايير عمل البلدية

GMT 19:56 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

اتصالٌ من د. خاطر!

GMT 19:54 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

شاهد على مصر والقضية الفلسطينية (7)

GMT 02:13 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

نسور استراتيجية

نادين لبكي بإطلالات أنيقة وراقية باللون الأسود

بيروت ـ المغرب اليوم

GMT 07:03 2024 الخميس ,02 أيار / مايو

باسم السمرة يوجه رساله لـ أحمد السقا
المغرب اليوم - باسم السمرة يوجه رساله لـ أحمد السقا

GMT 19:55 2024 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مولود برج الحمل كثير العطاء وفائق الذكاء

GMT 21:47 2024 السبت ,20 إبريل / نيسان

أرسنال يستعيد صدارة الدوري الإنجليزي مؤقتا

GMT 07:53 2023 الخميس ,18 أيار / مايو

توقعات الأبراج اليوم الخميس 18 مايو/ أيار 2023

GMT 07:14 2022 الإثنين ,10 كانون الثاني / يناير

متسلق مغربي استقبل 2022 بمغامرة شدّت أنفاس الأتراك

GMT 21:58 2021 الإثنين ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

صحيفة "دايلي ستار" اللبنانية تُسرّح جميع موظّفيها

GMT 20:32 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

أخنوش يُراهن الحصول على رئاسة الحكومة خلال انتخابات 2021

GMT 19:30 2015 الأربعاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

وفاة روبرت سبيتزر احد اهم اطباء النفس في الولايات المتحدة

GMT 08:51 2022 الأربعاء ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

اتجاهات جديدة لغرف النوم تساعد على الراحة والاسترخاء

GMT 20:18 2020 السبت ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات بابا فانغا 2021 للعالم
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib