تناوب 1998  خطاب المعارضين

تناوب 1998 : خطاب المعارضين

المغرب اليوم -

تناوب 1998  خطاب المعارضين

محمد الساسي

قِيل، في تناوب 1998، إنه أشبه بمغامرة جميلة، والأمر كان كذلك، إذ سمحت لنا هذه المغامرة بأن نحلم، لأول مرة بعد 1960، بأننا سنتوفر، ربما، على وزير أول يشبه الوزراء الأولين في بقية بلدان العالم ويتمتع بالسلطة التي يتمتعون بها، فكان أن تحول الحلم إلى كابوس وأصبح رجل في منصب الوالي يمنع نشاطاً تحمس لعقده رجل في منصب الوزير الأول.

وقيل، أيضا، إن قرار اليوسفي خوض تجربة التناوب ينم عن شجاعة كبيرة،  لأن الرجل كان يدرك أنها مغامرة محفوفة بالمخاطر فقبل المخاطرة مراعياً في ذلك مصلحة الوطن قبل مصلحة الحزب. ولكن الذين اعترضوا على قرار المشاركة يَرُدُّونَ على ذلك بكون الشجاعة لم تعن، في يوم من الأيام، أن يلقي العاقل بنفسه إلى التهلكة، وبكون لحظة الاختيار لم تنطو، قط، على تعارض بين مصلحة الحزب ومصلحة الوطن، والدليل على ذلك أن الآثار الكارثية  للتناوب انعكست عليهما معا وأُصيب الكثير من المواطنين بخيبة أمل عميقة دفعتهم إلى هجر صناديق الاقتراع، في ما بعد. وربما كان الاختيار المطروح في المقام الأول هو بين خدمة المصالح الضيقة لبعض النخب التي تَمَلَّكها العياء، وخدمة المصالح الموضوعية للانتقال الديمقراطي المطلوب؛ وهذا ما تفسره طبيعة الكثير من "الحجج" المدافعة عن التناوب والمدلى بها في إطار ضيق ومغلق. لكن عدداً لا يُستهان به من مؤيدي التناوب لم تحركه، بالضرورة، نوازع مصلحية ولم يبتغ، من وراء التأييد، كسب منفعة فردية أو جني فائدة ذاتية أو الإلقاء بالسلاح.

معارضو التناوب اعتبروا، آنذاك، أن الظرفية السياسية كانت تسمح بممارسة المزيد من الضغط من أجل تأمين الدعامات الأساسية لبناء التناوب بالشكل الذي يجعله مطابقاً لما سبق أن ألقى به قادة الكتلة على عاتقهم من التزامات، ولما طرحوه على الملك من شروط.

ولقد استند رفض التناوب، كما فَصَّلَ ذلك خطاب معارضيه، إلى خمسة أسباب رئيسية :

2- عدم ملاءمة الإطار الدستوري القائم : نبه معارضو التناوب إلى أن دستور 1996 لا يمنح الحكومة هامشاً واسعاً للتحرك ولا يجعلها، بالتالي، قادرة على إحداث التغيير الجوهري الذي تحتاجه البلاد، هذا بالإضافة إلى كثرة الأصفاد والقيود التي تغل يدها والنابعة من الثقافة السياسية القائمة. المتحمسون للتناوب اعتبروا إثارة المسألة الدستورية ضرباً من السفسطة غير المنتجة، وصرحوا، غيرما مرة، بأنهم ينطلقون، كما جاء في بيان اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي المنعقدة في 7 فبراير 1998، من "التحليل الملموس للواقع الملموس"، وأنهم الأقرب إلى وجدان الشعب وإلى انشغالاته وهمومه الحقيقية، وأن مهمة التناوب هي الاستجابة للحاجات الملحة والحيوية للجماهير الشعبية التي لا تهمها جمالية المواد والنصوص الدستورية، بل يهمها، أولاً، تحسين ظروف معيشتها وحل مشاكل الغذاء والسكن والشغل والتعليم والصحة والنقل ..إلخ.

لكن، ظهر،عملياً، أن التناوب تَحَمَّلَ، مثلاً، تكلفة غالية من حيث الزمن، ناتجة عن الوضع الدستوري"غير الطبيعي" الخاص بكل من مجلس الوزراء ومجلس المستشارين، وأدى ثمن عدم دسترة "المنهجية الديمقراطية"..إلخ. وبعد أن اصطدم عمل الحكومة بالحواجز الدستورية المنتصبة في طريقها، اضطر اليوسفي، في محاضرة بروكسيل، إلى الاعتراف بأن الناخبين الذين امتنعوا عن التصويت أدركوا، بحكم تجربة التناوب،                                                      أن "الحكومة لا تتوفر على السلطة الكافية من أجل القيام بمسؤولياتها"، وصرح، في كلمته أمام اللجنة الإدارية للحزب، بأن استمرار التباين بين "سلطة الدولة" و"سلطة الحكومة" يجعل " مهمة الإصلاح السياسي والمؤسسي تعود مجدداً وبصيغ أخرى لتفرض نفسها في مقدمة الروزنامة السياسية لبلادنا".

لقد تبين، في النهاية، أن الواقع لم يمنح الحكومة من الصلاحيات أكثر مما منحها إياه النص الدستوري، ولم يتحقق، بذلك، الأمل الذي راود البعض، وتبين أن العبور من "التناوب التوافقي" إلى " التناوب الديمقراطي" لا يمكن أن يتجنب محطة الإصلاح الدستوري؛

3- عدم وفاء النظام بالتزام ضمان النزاهة الانتخابية : قد يقول قائل إن نزاهة الانتخابات ليست مسؤولية النظام وحده، وإنه لا يُعقل أن نلوم النظام على ما يصدر عن المرشحين من إفساد للانتخابات؛ لكن ما وقع  في الانتخابات، التشريعية ل 1997 تعدى ذلك، إذ في حالات، مثل حالتي حفيظ وأديب، بوشر تزوير للنتائج  وتحريف للمحاضر من طرف أجهزة الداخلية، نفسها.

كان اليوسفي يلح، في تصريحات سبقت التناوب، على أن الانتخابات هي "المفتاح الذهبي" للإصلاح، أي أن نزاهتها تمثل المدخل للتناوب، ولَمَّح حزباً الاستقلال والاتحاد الاشتراكي إلى أن نزاهة الانتخابات تمثل الرد المطلوب على قرارهما بالتصويت بنعم على دستور 1996 (بلاغ 5 شتنبر1996) وأنها ستكون بمثابة عربون على حسن نية النظام واستعداده لتنفيذ الالتزامات الواقعة عليه والمترتبة عن مسلسل التحضير للتناوب. لم يبذل النظام إشارة حسن النية التي كان يجب أن تأتي كرد على تصويت أغلب أحزاب الكتلة بنعم على دستور 1996، وأصر على أن تجري الانتخابات كما جرت جميع الانتخابات التي سبقتها، واعتبر، ربما، أنه غير ملزم، في الأصل، بأي شيء.

إذا كان النظام لم يف بالتزام العمل على ضمان نزاهة الانتخابات، فكيف يمكن الاطمئنان إلى أنه سيفي ببقية بنود "العقد الضمني" المفترض بينه وبين اليوسفي ويبذل كل ما هو مطلوب منه لتسهيل وإنجاح تجربة التناوب وتمكينها من تحقيق الأهداف المتوخاة منها؟

4- غياب الأغلبية الواضحة والمنسجمة : قال اليوسفي، في مهرجان 11 يناير 1996، إن الشروع الجدي والعملي في معالجة الإشكاليات الصعبة، يقتضي قيام حكومة منسجمة وقوية ترتكز على أغلبية واضحة. وقال، في اجتماع اللجنة المركزية للاتحاد يوم 15 فبراير 1997: "إننا نتقدم أمام الشعب المغربي كمرشحين لتناوب ديمقراطي، نتقدم أمامه مع حلفائنا للحصول من أغلبية الناخبين على تكليف بتسيير شؤون البلاد". وأكد، في خطاب القاعة المغطاة بالرباط في فاتح نونبر 1997، أن المغرب لا يعرف إلا معسكرين اثنين : معسكر المفسدين ومعسكر القوى الديمقراطية. وروى امحمد بوستة أن الاتفاق مع الملك، على تحمل المسؤولية، كان من مقتضياته أن تحصل أحزاب الكتلة على الأغلبية.

المفروض، إذن، أنه كان لتلك الأحزاب التزام مع الشعب المغربي بأن تربط مشاركتها في حكومة التناوب بحصولها على الأغلبية، ثم حصل التناوب بشكل مخالف لهذا الالتزام؛ فهل الالتزامات السياسية مجردة من أية قيمة بحيث تقدم الأحزاب ما شاءت من الالتزامات، ثم تتحرر منها، في أول فرصة، إذا بدا لها ذلك ضرورياً حتى بدون تقديم أي تفسير أو توضيح؟

اعتبر المعترضون على التناوب أن خرق الالتزام هو تكريس لأسلوب في العمل السياسي يحتقر ذكاء الناس ويتناقض مع مقاصد المشروع الإصلاحي الشامل الذي يُفترض أن التناوب جاء لإرسائه والذي يرمي إلى إعادة الاعتبار إلى الجانب التعاقدي في السياسة واحترام المواطنة؛

5- غياب تعاقد صريح ذي معالم واضحة : الذين رفضوا صيغة تناوب 1998 حَذَّروا من أن غياب تعاقد صريح، قائم على تقييد طرفيه بالتزامات واضحة، سيخلق مشاكل جمة لن تساعد على نجاح التناوب. لا شيء يثبت أن النظام التزم بشيء ما. حسب الظاهر، يبدو أن هناك التزامات من طرف واحد، فقط؛ أما ما جرى بشكل خفي، فيعلمه الله وحده.

والطرف الذي قد يكون تلقى "ضمانات" سرية، لا يمكنه، منطقياً، أن ينتظر من الناس دعمهم ومؤازرتهم له في احتجاجه على عدم وفاء الطرف الآخر بالتزاماته أو على عدم تنفيذ الابن لما التزم به الأب.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تناوب 1998  خطاب المعارضين تناوب 1998  خطاب المعارضين



GMT 13:59 2024 الجمعة ,10 أيار / مايو

مهرجان كان الـ77 يرسم ملامحنا ونرسم ملامحه

GMT 13:44 2024 الجمعة ,10 أيار / مايو

الصديق الثرثار

GMT 13:42 2024 الجمعة ,10 أيار / مايو

«فيتنام بايدن» في الجامعات الأميركية؟

GMT 13:40 2024 الجمعة ,10 أيار / مايو

أين الزلازل يا شيخ فرنك؟

GMT 13:36 2024 الجمعة ,10 أيار / مايو

كوندورسيه يلتحف الكوفية

GMT 09:52 2024 الجمعة ,03 أيار / مايو

«لا تشكُ من جرح أنت صاحبه»!

GMT 09:48 2024 الجمعة ,03 أيار / مايو

أصغر من أميركا

النجمة درة بإطلالة جذّابة وأنيقة تبهر جمهورها في مدينة العلا السعودية

أبوظبي ـ المغرب اليوم

GMT 19:55 2024 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مولود برج الحمل كثير العطاء وفائق الذكاء

GMT 23:13 2024 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

الوداد الرياضي يٌعلن فتح باب الانخراط بالنادي

GMT 07:57 2021 الإثنين ,27 كانون الأول / ديسمبر

الطاقة الشمسية تجمع المغرب ونيجيريا

GMT 17:42 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 06:29 2015 الأربعاء ,09 كانون الأول / ديسمبر

منفذة هجوم كاليفورنيا تعلمت في مدرسة دينية باكستانية

GMT 09:31 2023 الجمعة ,14 إبريل / نيسان

حليب جوز الهند يعالج البشرة الجافة

GMT 21:26 2016 الجمعة ,07 تشرين الأول / أكتوبر

دراسة جديدة عن فوائد المخدرات للمرتبطين

GMT 11:19 2014 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

اخطاء وخطايا النخبة

GMT 06:39 2016 الأربعاء ,03 شباط / فبراير

Ralph&Russo Couture Spring/Summer 2016
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib