كلام قاتل عن هويات قاتلة

كلام قاتل عن هويات قاتلة

المغرب اليوم -

كلام قاتل عن هويات قاتلة

مصطفى فحص
بقلم - مصطفى فحص

تعمد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن استخدام لغة الهويات في إظهار دعمه الشخصي لإسرائيل في حربها المستمرة منذ تأسيسها على حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة بهوية وطنية ودولة مستقلة، فقد كان باستطاعته - وهو يرأس دبلوماسية واحدة من أقوى الإمبراطوريات على مرّ التاريخ تجاوز نفوذها العالمي سطوة روما على العالم القديم - أن يتحدث فقط باسم قوة بلاده الرادعة التي لا نظير لها وتأثيرها الفاعل، وهذا ما يبعث على الشك بأن النخب الغربية الحاكمة التي تقف إلى جانب «إسرائيل» من دون قيد أو شرط في حربها على غزة، أدركت مبكراً التداعيات المستقبلية غير الأمنية لِما بعد 7 أكتوبر (تشرين الأول) على سكان «إسرائيل»، حيث لم تعد القوة وحدها كفيلة في طمأنتهم وحماية كيانهم، وأنهم باتوا يحتاجون إلى تطمينات هوياتية.

في الجهة المقابلة التزم دبلوماسيون كبار التقاهم الوزير بلينكن في أثناء جولاته المكوكية على عواصم المنطقة بلغة العقل، وبنوا مواقفهم من منطلق إنساني وعقلاني، بعيداً عن موازين القوة التي يتمتع بها الزائر الأميركي وانحيازه الكامل لصالح من يرفض التعامل مع أهالي غزة بوصفهم بشراً، وهذا يعزز الشكوك بأن هناك من يريد أن يحوّل هذه المواجهة إلى حرب إلغائية لا تنتهي إلا بتصفية الآخر والقضاء على هويته وحقوقه، وهذا ما أدركته الرياض والقاهرة سريعاً، وعبرّت عنه في البيانات المتشددة التي صدرت عن وزارة الخارجية السعودية، والكلام الواضح والصريح للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بعد لقائه المستشار الألماني.

إلغاء غزة جغرافياً وديموغرافياً هو مدخل لتصفية القضية الفلسطينية، هذا الهدف سيمهد الطريق لصناعة عنف عقائدي وهوياتي قد يستمر لعقود إذا لم تستدرك القوى العظمى فرصة قد تكون الأخيرة من أجل حلّ الدولتين، أي الاعتراف الرسمي بالهوية الوطنية الفلسطينية، وهو ما سيكون في مصلحة الغرب الذي بات عبر أساطيله حارساً مباشراً للهوية الإسرائيلية، التي أثبتت كل التجارب أنها غير قادرة على التعايش مع أي هوية أخرى، وهذا أيضاً انعكاس لأزمة داخلية، حيث يعاني مجتمعها من أزمة هوية تظهر من خلال لجوئه انتخابياً إلى خيارات أكثر تطرفاً.

في مؤتمره الصحافي، استعاد الرئيس الأميركي جو بايدن حواراً جرى بينه وبين رئيسة وزراء إسرائيل السابقة غولدا مائير عندما زارها سنة 1973، قالت فيه: «لا تقلق علينا، فإن هذا الشعب ليس لديه مكان آخر يذهب إليه»، لكن الحقيقة أن على النخب السياسية في كلتا الدولتين أن تقلق كثيراً، ليس لأن هناك تغييراً قد يحدث في موازين القوة أو في السياسات الدولية، فالأحادية القطبية مستمرة ومن دون منافس حقيقي، بل إن الإصرار على عدم الاعتراف بهوية الآخرين وحقوقهم، وخصوصاً الشعب الفلسطيني، سيزيد من عزلة إسرائيل ليس فقط شعبياً بل سياسياً، وإلى مزيد من التباعد ما بين عواصم المنطقة وواشنطن، وسيزيد من مخاطر قلقها الوجودي الذي واجهته قبل 50 عاماً من خارج الحدود وتواجهه الآن من داخلها، وهو الأصعب.

كان على وزير الخارجية الأميركي الذي ينتمي إلى النخبة الثقافية الغربية ولديه معاناة مباشرة مع «الهولوكوست» والاضطهاد الذي تعرض له يهود أوروبا بسبب صراع الهويات القاتلة، أن يدرك خطورة كلامه عن الهويات الذي أصاب شعوب المنطقة بمقتل، فما يحدث الآن في غزة خرج عن كونه عقاباً لحركة «حماس» وهو أشبه بـ«هولوكوست» فلسطيني منقول صوتاً وصورة على الهواء، ويُذكّر الجميع بما قاله الكاتب والأكاديمي اللبناني الفرنسي أمين معلوف في كتابه الشهير «الهويات القاتلة»: «لا يبدو لي أن هذه التسمية مبالغ فيها، ذلك لأن المفهوم الذي أفضحه، والذي يختزل الهوية إلى انتماء واحد، يضع الرجال في موقف متحيز ومذهبي ومتعصب ومتسلط، وأحياناً انتحاري، ويحولهم في أغلب الأحيان إلى قتلة أو إلى أنصار للقتلة. إن رؤيتهم للعالم مواربة ومشوهة».

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كلام قاتل عن هويات قاتلة كلام قاتل عن هويات قاتلة



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

بيروت - المغرب اليوم

GMT 16:10 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

نتنياهو يعلن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال دولة مستقلة
المغرب اليوم - نتنياهو يعلن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال دولة مستقلة

GMT 17:17 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

"تارا عماد" تخوض تجربة الغناء لأول مرة دراميا
المغرب اليوم -

GMT 19:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تتخلص هذا اليوم من الأخطار المحدقة بك

GMT 13:03 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الجدي السبت 26-9-2020

GMT 08:13 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العقرب الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 17:35 2018 الثلاثاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

المغرب الفاسي ينتصر وديًا على وداد صفرو

GMT 08:22 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

النفط يتدفق مجددًا بخط مأرب في اليمن

GMT 14:32 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

البولندية سواتيك تبلغ نهائي بطولة فرنسا المفتوحة للتنس

GMT 12:34 2019 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

رئيس الوداد يحاصر مدرب الفريق بالأسئلة بعد صدمة الديربي

GMT 06:31 2019 الأحد ,20 تشرين الأول / أكتوبر

هذه توقعات "الأرصاد الجوية" لطقس المملكة المغربية الأحد

GMT 09:09 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

سيدة تعثر على عظام بشرية داخل جوارب متجر شهير في بريطانيا

GMT 08:30 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

7 لاعبين يغيبون عن أولمبيك خريبكة أمام مولودية وجدة

GMT 11:35 2018 الخميس ,27 أيلول / سبتمبر

الجزائر تطلق بوابة إلكترونية للترويج للسياحة

GMT 23:21 2018 الثلاثاء ,05 حزيران / يونيو

"جورجيا" وجهة سياحية مثالية للاستمتاع بالثلوج
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib